شُوفْ.. تْشوفْ!.. ما المقصود من اعتقال ومحاكمة وحبس رشيد نيني، الصحافي والناشر؟ وما المغزى والجدوى في الزمن المغربي الحاضر والآتي؟ صوت آخر من قبيلة المشاغبين، يسعى من يسعى إلى إخراس صوته، هل لأنه قال أكثر مما ينبغي قوله؟ أم كشف أخطر مما كان يجب عليه فضحه ونشره وانتقاده؟! هذا المحارب العنيد يتم الآن وضع الأغلال على فكره وحريته وقلمه ولسانه... هل آن له، حقا، أن يستريح؟ هل يحق له ذلك؟ وهل يحق لهم؟ وهل هو الآن، فعلا، يتنازعه فسطاطان أو معسكران, كل واحد منهما يدّعي امتلاك الحقيقة والسلطة والصلاحية لوحده والمبادرة أيضا؟... هذا مجرد سؤال. «شوفْ.. تْشوف وعاود شوفْ» ما المغزى من اعتقال صحافي غير عادي بتهمة غير عادية وفي زمن محلي ودولي استثنائي لن يعود إلى سابق عهده حتى لو عادت «حليمة» إلى عادتها القديمة. فالكلمات لا تعود إلى حناجرها متى انطلقت والرصاصات لن تعود إلى بنادقها كذلك. وكذلك... المحاربون لن يتحولوا إلى طراطير وبهلوانات ولو أُرغِموا.. أو أُكرِهوا.. وحوكِموا وسُجِنوا، ولن تتحول المعارك إلى مهرجانات موسمية، ويقينا، سيظل رشيد نيني واحدا من أشدّ المحاربين عريكة في قبيلة الصحافيين، مهما تحلق حوله من مساندين ومناوئين، ما دام الذين يحركون خيوط محاكمته هم أيضا من المحاربين الأشدّاء غير العاديين. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل، مرة أخرى، عن الجدوى من المحاكمة وسط هذه المعركة المستعرة بين خطوط نار وتماسّ تتداخل في ما بينها الألوانُ والخطوط، الحمراء والسوداء والبيضاء. إذا كان المستهدف هو رشيد نيني، الإنسان والمواطن العادي، فمحاكمته الحالية لا تمر بطريقة عادية لا من حيث تُهَمِها أو مساطرها ولا من حيث إجراءاتها وظروفها... لا شيء يبدو عاديا على الإطلاق. وإذا كان المقصود أكثر هو رشيد نيني، الصحافي, فلماذا لا يسري عليه، ببساطة، قانون الصحافة الذي يوجد الآن بدوره في فرن ساخن تتقاذفه أيادٍ ليست كلها نظيفة وعفيفة، أما إذا كان المغزى هو محاكمة عموده الناري «شوفْ تْشوفْ» وكبح إشعاعه فتلك مسألة أخرى. لم تجمعني مع رشيد نيني، على امتداد عشرين سنة الأخيرة ضمن المشوار المهني، إلا لقاءات عابرة ولم نتبادل خلالها إلا بضع كلمات، ومع ذلك، يمكنني أن أؤكد من موقع التجربة والممارسة أن «شوفْ تْشوفْ» أصبح ماركة مغربية مسجلة وأصيلة أدمن عليها عشرات الآلاف من المواطنين، بعدما أصبح العمود وجبتَهم المفضلة في الصباح والمساء. عندما يأتي المساء، يتوجه هؤلاء صوب أقرب رصيف لبيع الصحف لاقتناء نسختهم اليومية أو بالأحرى «جرعتهم» الليلية من «شوف تشوف»، وعندما ينبلج الصباح، يفتتح المبكرون يومهم ب«جرعتهم» المفضلة... بعضهم يرتشفها مع كوب قهوته وبعضهم يلتهمها مع وجبة إفطاره وبعضهم يدخنها وينفثها مع دخان سجائره، وبعضهم يستحضرها في ثنايا ثرثراته ونقاشاته... أحيانا، يزكيها ويشاطرها قناعاته ومواقفه، وأحيانا يكيل لها سيل انتقاداته وشتائمه... لكنها كالمنشط أو «الأفيون»: لا تترك الإنسان محايدا أو جامدا بلا انفعال أو تفاعل. «شوفْ تْشوفْ» حكاية شعبية ورسمية مغربية بامتياز تتناقلها ألسن الكبار والصغار من مختلف الأعمار والأقوام والعائلات والسلالات والمنتديات والصالونات... الكل يدلي فيها بدلوه... الخصوم قبل الأصدقاء والحساد قبل المعجبين والعارضون قبل المؤيدين، ليس لأن صاحب «العمود الناريّ» دائما على صواب أو يملك كل الحقائق والحجج والمصادر، بل لأنه يتحدث، غالبا، بلغة مفهومة عن وقائعَ دامغة وتفاعلات حية وساخنة إلى درجة الغليان... نشعر بوقعها ويتطاير من حولنا شررها ولا نكاد نتبيَّنُها، تصيبنا أحيانا بعض من شظاياها ونستشعر أجزاء من تداعياتها... في كل الأماكن التي نتنقل فيها والمنتديات التي نرتادها. ونلمحها على كل الوجوه التي نتواجه معها وفي كل العيون التي نتبادل معها النظرات وحتى مع تلك الأقنعة التي لا نكاد نراها... والأخرى التي لا نحب أن نراها... والتي لا يمكن إلا أن نبادلها نفس الشعور بعدم الرغبة في رؤية وجوهها، غير العزيزة علينا!... إلى هؤلاء وأولئك نقول، بالمختصر المفيد، إنه مهما اتفقنا أو اختلفنا معهم أو مع رشيد نيني، الصحافي والإنسان، فإننا نعتبر ما يقع له حاليا مجردَ «استراحة محارب»، والعرف لدى الجميع أنه عبثاً، يستريح المحارب. ذاك الذي لم يتوان ولم يتوقف عن مقاسمتنا كتاباته اليومية لأزيد من 1400 يوم على امتداد أربع سنوات دون كلل أو ملل... كتابات رأينا فيها انتصاراتنا وانكساراتنا، تطلعاتِنا واحباطاتنا، أحلامَنا وكوابيسنا، طموحاتِنا ومخاوفَنا وخيباتنا، كذلك. في عموده الناريّ، الذي خرق فيه، أحيانا، أعراف الكتابة الصحافية «التقليدية» فأبدع وأمتع وابتدع وأضاف وقلّص... لم يعد «شُوفْ تْشُوفْ» مجردَ عمود يومي أو شرفة للرأي والتحليل أو التعليق، بل تحول، أيضا، إلى وكالة أخبار مستقلة، عجائبية... فيها مسامرات وأشعار ومساجلات الجاهلية، بأسواقها وصهيل خيولها وصليل سيوفها. فيها حكايات ألف ليلة وليلة ومغامرات الأزلية ورحلات السندباد وقصص «علي بابا والأربعين حراميا» وحتى مبارزات «دون كيشوت» مع طواحين الهواء... صحافي في الإذاعة الوطنية