يمكن للإنسان أن يغير نفسه بشكل كلي. - ولما تقول أحيانا، قل دائما. - قل إن شئت ذلك. - إنه يغير كل شيء فيه، يغير جلده، لسانه، قلبه، ورأسه، عموما كل شيء. وهذا لماذا؟ -لأتفه الأسباب، ألا تعرف؟ -فقط لأنه إنسان. -آه هذه فاتتني. انتهى الحوار، حين كانت الشمس على باب النهاية. حمراء. انخطف نظره نحوها واستمر في أكل ما بقي على المائدة. بالتأكيد هو تمنى أن يكون مثل العصفور، لكنه خاف أن تخذله جناحاه كما خذلت العباس بن فرناس. لذلك توقف عن الحلم في الطيران. وقال دون أن يسمعه أحد: «ياليتني كنت شمسا، لكنت طفت الدنيا من عرضها إلى عرضها، ومن طولها رسمت للزمن مواقيت معروفة للعباد». ولأن الشمس غابت فإنه توقف عن هذا الحلم: أن يكون شمسا. واعتبر نفسه فاشلا لأنه لم يحقق ما يحلم به. توقف عن كل شيء، وعاد إلى الحقيقة الرمادية التي لم ترد أن تفارق عينيه، بالرغم من أنه كان ينش بيده، التي حولها إلى مروحة، الذبابة المزعجة التي كانت تلعب أمامه بمكر بقصد أن تشوش عليه الصورة. الإنسان يتغير بسرعة البرق، لدرجة يصبح له شكل يستحيل معه أن تخلطه مع باقي ما يدب على الأرض. حقيقة أنه حيوان فظيع، فظيع جدا. يتكلم، ويفكر، ويتفلسف، يأكل ولو تكون معدته على أهبة الانفجار، لا يمكن ضبطه ولا حتى الثقة فيه. في رمشة عين يخرج لسانه ككلب ثم يشرع في الجري، يخرج لسانه بمكر كي يجعلنا نشك أنه كلب يلهث. لكن بالرغم من ذلك لا تنطلي حيلته علينا، حتى على أكثرنا سذاجة، فهو لا يصل إلى الوفاء الذي يميز الكلب. ولأن له وجوها ولا يحشم فهو يدلي ذيله ويبصبص. لكن هذه الحيلة لا تنطلي أيضا على أحد، فهو لا يقوم بذلك إلا من أجل عظمة وليس لحب دفين ومجبول عليه. لذلك فإني لا أثق فيه. ثم وفي رمشة عين تنتفخ أوداجه، يخرج عينيه، ويخرج من جيبه مسدسا، ويقتل بدون رحمة ولا شفقة، لا لشيء سوى لأنه شعر بتفاهته وأحب أن يثبت العكس. آه يا عباد الله... ألم أقل لكم إنه لا يوثق فيه. - أنا في الحقيقة لن أثق فيه ولو أقسم لي بكل الآلهة والديانات والمصاحف والصوامع المرفوعة نحو السماء. يظهر لك في كل حين ما لا تتوقع، يصيدك وكأنه يصيد الفراشات. ثم يدعكك تحت حذائه. كل ثانية يظهر منه العجب، فبالله عليكم قولوا لي كيف يمكن أن أثق في هذه الحرباء الماكرة. مع علمه ومع كل ما وصل إليه فهو مجبول على المكر والخداع. تمنيت أن يحصل لي العكس وأثق به، ولكن هل الذنب ذنبي، فهو الذي جعلني آخذ منه هذا الموقف بما يفعل. والحكمة تقول: «خذ الإنسان بما يفعله لا بما يقوله». كان المختار وهو ينهي حديثه وكأنه خارج من حرب حقيقية. كان العرق يتصبب من جبهته. لذلك طلب كأس ماء قبل أن يطلب قهوته المعتادة. شرب كأس الماء الباردة، في رمشة عين، فشعر أن برودة الماء هي ما كان في حاجة إليه كي يطفئ النار المشتعلة. لكن النار ظلت ألسنتها ترتفع إلى الأعلى لدرجة تصور نفسه معها أنه في جهنم وليس في الدنيا. ولكونه يئس من كل فعل في التغيير فقد صب الزيت على الحطب، أشعل سيجارته ورمى بمزيد من حزم الحطب ليحلم بالجنة المفقودة على الأرض. كان الليل يزحف على المدينة مثل الظلم. تخيله يكبر ويكبر إلى أن أصبح عملاقا فاحتوى كل شيء تحت معطفه. لا أمل.