عمر الكدي تحقق كثيرٌ من مقولات القذافي بعد رحيله، بالرغم من عدم تحققها أثناء حكمه، وفي مقدمة هذه المقولات «الشعب المسلح»، فمنذ منتصف السبعينيات مع بداية تدريب الطلبة، وعسكرة المؤسسات التعليمية والقذافي يتحدث عن الشعب المُسلَّح، دون نجاح يُذكر على الإطلاق، فتدريب الطلبة كان الهدف منه إطفاء جذوة الثورة في نفوسهم، خاصة بعد خروج الطلبة في تظاهرات في جامعتي طرابلسوبنغازي، والأحداث الدموية في السابع من أبريل. التدريب العسكري العام وما يرافقه من إهانات تُوجَّه إلى الطلاب كان الرد القاسي على تظاهرات الطلاب، عندما وجدوا أنفسهم في طابور أمام جندي لم يكمل تعليمه الإعدادي يوبخهم ويصفعهم. وفي مطلع التسعينيات طلب القذافي من كل الليبيين دفع ثمن بندقية كلاشينكوف من رواتبهم، وحاولت مجلة «لا» معرفة أين ذهبت أموال البندقية، حتى وصلت إلى رئيس الوزراء عمر المنتصر، الذي أكد أن الأموال لم تأت إلى الحكومة، ولا وجود لها في خزينة الدولة، ومع ذلك وفي ليلة الغارة وجدت فقط خمس بنادق وخمس طلقات مع كل الجنود الموجودين بمعسكر الفرناج في طرابلس. بعد ثورة فبراير تحققت مقولة القذافي عن «الشعب المسلح» كاملة، بل إن عدد قطع السلاح التي كانت مع كل ليبي زادت عن حصة الفرد في اليمن، حيث يملك كل مواطن خمسَ قطع، بينما يملك الفرد الليبي عشرين قطعة، بما في ذلك الأسلحة المتوسطة والثقيلة. أما المقولة الأخرى التي تحققت بعد رحيل القذافي فتخص «الرياضة الجماهيرية»، ففي الفصل الثالث من الكتاب الأخضر، تساءل القذافي لماذا يلعب 22 لاعبًا كرة القدم بينما يتفرج عليهم الآلاف من «المغفلين»، ودعا المتفرجين إلى النزول إلى الملعب ومزاحمة اللاعبين، واليوم تُجرى مباريات كرة القدم في الملاعب الليبية في غياب الجمهور، وهو ما كان القذافي يتمناه، فقد اختفى «المغفلون» وبقي اللاعبون. كما تحققت مقولته «الأرض ليست ملكًا لأحد»، بعد أن وضعت المجموعات المسلحة أيديها على أراضي الدولة، خاصة في «الجبل الأخضر» فتحركت البلدوزرات لتجرف أشجارًا عمرها مئات السنين، بالإضافة إلى احتلال مقرات كانت تابعة للدولة، يرفض المسلحون الخروج منها. تحققت أيضا مقولة «الأمن الشعبي المحلي»، عندما شكَّل سكان الأحياء في بنغازيوطرابلس لجانًا لحفظ الأمن، ومراقبة الغرباء الذين يدخلون أحياءهم. وتحققت مقولة «البيت لساكنه» عندما اجتاحت الميليشيات طرابلس، وسيطرت على حي غرغور وبيوت واستراحات كبار المسؤولين في نظام القذافي، بالإضافة إلى مطار طرابلس وقاعدة معيتيقة. كما تحققت مقولة «السود سيسودون العالم» عندما فُتحت الحدود، ودخل البلاد مئات الألوف من الأفارقة، الذين مكَّنهم تجار البشر من ركوب قوارب متهالكة نحو شواطئ أوروبا. وتحققت مقولة «الدجاجة تبيض والدينار لا يبيض»، عندما تراجع سعر الدينار الليبي، وارتفعت أسعار البيض ولحم الدجاج والخضروات. كما تحققت مقولة «مَن تحزب خان»، عندما سيطر الإسلاميون على المؤتمر الوطني العام، بسبب سطوة ميليشياتهم وليس بسبب عددهم داخل المؤتمر، وأخذوا يصدرون قرارات يرفضها أغلب الشعب، وها هم اليوم بعد خسارتهم في انتخابات مجلس النواب يضعون العراقيل أمام البرلمان المنتخب، بحجة أنه في طبرق وليس في بنغازي، وكأن طبرق مدينة ليست ليبية. كان الأفضل للقذافي في الأيام الأولى من ثورة فبراير أن يلقي خطابًا مغايرًا لخطاب زنقة زنقة، يقول فيه إن مقولاته ستتحقق بالكامل، وبالتالي فإن الشعب الليبي أخيرًا وصل إلى عصر الجماهير وسلطة الشعب، وآن له أن يستريح بعد اثنين وأربعين عامًا من تحريضه للشعب على استلام السلطة، ولكن تظل مقولة «تحيا دولة الحقراء» أكثر مقولاته تحققًا. * كاتب ليبي مقيم في هولندا