د. محمد فائد إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. تاريخيا، كان لحم الفرس يستهلك بشكل عادي في أوروبا، وبكثرة في كل من إسبانيا والبرتغال والنمسا، بل كان يستهلك أكثر من اللحوم الأخرى، وخصوصا في الاحتفالات الدينية، حيث كان يؤكل بامتياز. في حين أنه لا يعرف إقبالا وليست لديه شعبية لدى المستهلك المغربي، ويكاد يستهلك فقط لثمنه المنخفض، ولحم الفرس ليس محرما في شريعتنا، أما في الدول الأوروبية فالقانون يمنع استهلاكه، خصوصا في بريطانيا. وقد أثار وجود أثر لحم الفرس في بعض المنتوجات اللحمية في بريطانيا ضجة إعلامية كبيرة، وقد استغربنا لما رأينا الإعلام المغربي اهتم بالخبر بنفس الطريقة التي اهتم بها الإعلام الأوروبي، وتبين لنا أن هناك أشياء غير واضحة، فنحن لا نحرم لحم الفرس والقانون المغربي لا يمنع استهلاكه، ولذلك كان على الإعلام المغربي ألا يهتم بالخبر، بل كان عليه أن يهتم بدل ذلك ببعض اللحوم المستوردة التي لا تخضع للذبح على الطريقة الإسلامية. ولحم الفرس من حيث التركيب الكيماوي يعتبر أحسن من لحم الماعز، بالنظر إلى نسبة الكوليستيرول به، فهو يحتوي على قدر منخفض منها بالمقارنة مع اللحوم الأخرى. وهو يصنف أحسن من لحم الماعز، والمثير أيضا في لحم الحصان أنه في المغرب يستهلك على شكل مطحون فقط ولا يقدم للضيوف، وهذا أمر مهم، لأن علم التغذية يرتبط بالسلوك الاجتماعي قبل السلوك الغذائي. كما يعرف بنسبته العالية من البروتين والفايتمينات والأملاح مثل الحديد وانخفاض نسبة الكوليستيرول والشحوم به بالمقارنة مع اللحوم الأخرى. لحم الفرس يظهر بلون أحمر قاتم بدون شحوم بيضاء تتخلله كاللحوم الأخرى، ويأخذ منظرا مثيرا للونه وشكله ربما تشمئز منه النفس، وقد لا يكون شهيا بالنسبة للبعض، لأن لونه الأحمر ربما يجعل المستهلك يرفضه. وجثة الفرس لها منظر مقزز شيئا ما، لأنها لا تعطي لحما جذابا من حيث اللون والشكل أو الرائحة. وللإشارة، فاليابانيون يأكلون لحم الفرس طازجا، وهذا من أخطر ما يكون، لأن اللحوم مصدر لكثير من الأنواع الجرثومية ولا يصح أكلها نيئة. تصل نسبة البروتينات في لحم الفرس إلى حوالي 13 في المائة، وهي نسبة تقارن تقريبا مع لحم البقر. ويحتوي أيضا على حمض الهايدروكسيبرولين Hydroxyprolin، وهو ليس من الأحماض الأمينية المعروفة، ويوجد في لحم الفرس بنسبة مرتفعة تقدر ب 35.85 مكرومول في الغرام. ويفرز هذا الحمض في الجسم من حمض البرولين Proline والفايتمين C أو حمض الأسكوربيك Ascorbic acid، ولا يتكون في غياب الفايتمين C. ويدخل حمض الهايدروكسيبرولين في بنية الكولاجين Collagen الذي يوجد في الجلد والمفاصل وكل الأعضاء، كما يدخل في بروتين الإلاستين Elastin . ويؤدي النقص في هذا المركب إلى ما يسمى بمرض «الوضيع» Scurvy مع ظهور أعراض أخرى مثل تساقط الشعر وتمزقات في الجلد مع بعض التحلل في العضلات الضامة، واحتمال نزيف دموي داخلي. أما فيما يخص الحمضيات الأمينية، فإن لحم الفرس ينفرد بمستوى مرتفع في نسبة الكلوتميت Glutamate واللايسين Lysine والميتيونين methionin والفالين Valin بالمقارنة مع لحم البقر ولحم الغنم. وترتفع فيه كذلك نسبة الحديد بالمقارنة مع اللحوم الأخرى، حيث يحتوي على 5 ملغرامات، وهو التركيز نفسه الذي نجده في العدس، وهي نسبة أكثر من النسبة الموجودة في لحم البقر. بالنسبة للكوليستيرول، فنسبته تكون منخفضة جدا في لحم الفرس، إذ لا تتعدى 68 في المائة مقارنة مع لحم الماعز الذي يصل إلى 75 في المائة. ويعتبر حمض الكلوتميت من الموصلات العصبية، ويعمل على تحسين انتقال التيارات العصبية، وحمض الفلين يوجد بنسبة عالية في العضلات ويساعد على توازن استقلاب النايتروجين في الجسم. وربما نستغرب في تركيب شحوم الفرس من حيث الحمضيات الدهنية، فنجد أن الحمضيات غير المشبعة Unsaturated fatty acids مرتفعة جدا، وأشهرها حمض اللينولايك Linoleic acid وحمض اللينولينك linolenic acid وحمض الأراشيدونيك Arachidonic acid، وهو تركيب غريب جدا، لأن اللحوم الأخرى يرتفع فيها حمض الستياريك stearic acid وحمض البلميتيك Palmitic acid، وهي أحماض مشبعة تعطي المذاق الذهني للمواد الدسمة، وما يجعل هذه اللحوم غريبة، هو نسبة حمض الأوميغا 3 بها، والذي يعتبر لحم الفرس من مصادره الهامة، رغم أن لحوم الحيوانات لا تحتوي على هذا الحمض الذي يعتبر من خصائص السمك. هناك مكونات أخرى سلبية في لحم الفرس، هي أعضاؤه الداخلية، التي تحتوي على بعض المعادن الخطيرة، ولحسن الحظ أنها لا تستهلك، بل يؤكل اللحم بالدرجة الأولى. وهناك أيضا بعض الهرمونات التي تستعمل في تسمين الجياد المخصصة للذبح، وهو ما يثير جدلا الآن في أوروبا، لأن هذه الهرمونات ممنوعة في تربية المواشي بصفة عامة، وليس فقط في تربية الجياد. لا يمكن أن نتكلم عن اللحوم دون ذكر الجراثيم، فالجودة الصحية أو الجرثومية للحم الفرس جد متدنية بالمقارنة مع اللحوم الأخرى، لأن كتلته الجرثومية مرتفعة جدا مقارنة مع اللحوم الأخرى، وتحتوي على أنواع ممرضة مثل عائلة جرثومة حمى التايفويد، التي يعتبر لحم الفرس خزانا لها بامتياز، وهذا راجع لعوامل كثيرة مثل تغذية الحصان وخصوصيته، فهو حيوان غير مجتر، والحيوانات غير المجترة تكون لحومها غالبا ملوثة جدا. يضم لحم الخيل جرثومة الليستيريا Listeria كذلك، إضافة إلى الدودة الحلزونية. وطبعا لا يخلو لحم الفرس من أنواع الكلوستريديوم Clostridium، وهي أنواع تجعل مصبرات لحوم الفرس خطيرة، لأنها تقاوم حرارة التعقيم وتنمو في المعلبات. لحسن الحظ أن لحوم الفرس لا تصنع منها منتوجات، ولأنها تطهى أو تشوى غالبا، فإن نسبة كبيرة من جراثيمها تتلف، وهذا ما يمكن أن يطمئننا قليلا بشأنها، إذ أن مجرد طهو غير كامل للحم الفرس يمكن أن يكون ذا عواقب وخيمة، وفي حالات كثيرة تقع تسممات وإسهالات بلحوم الفرس، والتي لا تظهر أعراضها إلا بعد مرور يوم أو يومين.