بعد غرق المئات من المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، قرّر قادة الدول الأوروبية عقد جلسة لهم من أجل البحث عن حلول لهذه المأساة المستمرة، ولكن لسوء الطالع، فإن الأفكار المطروحة على الطاولة لن تعالج جذور هذه المشكلة المتمثلة في الحروب الأهلية، والفقر في إفريقيا. ومعظم المهاجرين الذين يحاولون النجاة نحو الأمان في أوروبا يأتون من سورية، التي مزقتها الحرب، أو من إفريقيا، حيث يستغلون الفوضى المستمرة في ليبيا للوصول إلى القارة الأوروبية. وعلى الرغم من أن العديد من السوريين يحاولون العبور إلى أوروبا عبر تركيا، فإن أعداداً متزايدة تسافر إلى الساحل الليبي عن طريق مصر كي تجد المهربين الذين سيحملونهم في قوارب مهلهلة، على الرغم من أنهم يدفعون مبالغ كبيرة مقابل ذلك. وبعد غرق المئات من هؤلاء المهاجرين الأسبوع الماضي، عندما غرق المركب الذي كان يقلهم، وظهور فيلم فيديو يصور المأساة، قرّر السياسيون الأوروبيون التحرك، واقترحت المفوضية الأوروبية خطة مؤلفة من 10 نقاط، تتلخص في تحسين عمليات البحث والإنقاذ، وبصورة أساسية تطوير ما يقومون به الآن، ولا جديد. وثمة نظرية تم دحضها على نطاق واسع، تفيد بتخفيض عمليات الإنقاذ، وهذا ما حدث عندما قامت الدول الأوروبية بالتوقف عن دعم عمليات الإنقاذ الإيطالية، ولكن ذلك لم يمنع المهاجرين من ركوب مخاطر البحر مع المهربين. وقالت بعض الحكومات، في وقت سابق، إن قيام السفن الأوروبية بعمليات نشطة في البحث والإنقاذ شجع اللاجئين على محاولة عبور المتوسط. وبلا ريب، يتعين على الاتحاد الأوروبي دعم عملياته لإنقاذ المهاجرين، الذين يتعرضون لظروف صعبة، ويجد طرقاً لتوزيعهم على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكن يتعين عليه أن يعمل على إيجاد الاستقرار في ليبيا. ويذكر الوضع الجاري في ليبيا ما كان يجري في لبنان خلال الحرب الأهلية، إذ توجد هناك مجموعات عدة تتصارع من أجل السيطرة على سلطة الدولة، وأصبحت الحكومة الوطنية في حالة شلل وضعف شاملين، وانهارت الخدمات التي تقوم بها الحكومة مثل حماية الحدود والجمارك. في ظل هذه الفوضى والفراغ الحكومي يجد المهربون الحرية التي يحتاجونها لنقل الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل إلى الطرف الآخر، بعد أن يأخذوا أموالهم، وغالباً حياتهم أيضاً. وبمعزل عن هذا الأمر، فإن هذا الفراغ الحكومي يفسح المجال أمام بروز الجماعات المتطرفة مثل تنظيم «داعش»، الذي يبدو أنه انخرط في الفوضى القائمة حالياً، وباشر قتل الأبرياء. وما يقوم به هؤلاء هو نوع من القتل شهدته أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت كتائب النازيين تستمتع بقتل الأشخاص الذين لا يرغبون في بقائهم. وعندما انتهت هذه الحرب، وصار العالم بأسره يعلم عن الأعمال المرعبة التي كان يقوم بها النظام النازي في ألمانيا، قال الأوروبيون: «هذا لن يحدث مرة أخرى»، وبعد ذلك جاءت أعمال الإبادة الجماعية خلال الحرب الأهلية في يوغسلافيا، التي كان الأوروبيون عاجزين عن إيقافها دون مساعدة الولاياتالمتحدة. وبعد الحرب قال الأوروبيون مرة ثانية: «هذا لن يحدث مرة أخرى»، ثم جاءت مذابح رواندا، التي قالت أوروبا بعدها: «هذا لن يحدث مرة أخرى». وقبل بضع سنوات خلت، أطاح الأوروبيون والأمريكيون بالراحل معمر القذافي، وارتكب الأوروبيون الخطأ ذاته الذي اتهموا الأمريكيين بفعله في العراق، عندما أطاحوا بالرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، ولم يعملوا على إعادة بناء الدولة أو حتى وضع استراتيجية من أجل ذلك. والآن، وبينما تنحدر ليبيا نحو هاوية الحرب الأهلية، فقد أصبحت بوابة ليس لقدوم اللاجئين إلى أوروبا فحسب، وإنما لإرهابيي «داعش» أيضاً. إلى ذلك، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أول أمس، إنه يتعين بذل مزيد من الجهد للتصدي لخطاب الكراهية في الصحف الشعبية، بعد أن وصفت كاتبة العمود البريطانية، كيتي هوبكنز، المهاجرين بأنهم «صراصير»، ودعت إلى استخدام الزوارق الحربية لمنعهم من الوصول إلى أوروبا. ونشرت صحيفة «ذا صن»، وهي جزء من إمبراطورية روبرت مردوخ، الإعلامية، مقال الكاتبة كيتي هوبكنز في 17 أبريل. وفي اليوم الذي تلا نشر المقال غرق قرابة 900 شخص، عندما انقلب قاربهم أثناء محاولة للوصول إلى إيطاليا من ليبيا. ولاقى قرابة 2000 مهاجر حتفهم حتى الآن هذا العام من نحو 40 ألفاً حاولوا عبور البحر. ويوم الجمعة الماضي قال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، الأمير زيد بن رعد الحسين، إن المقال كان مثالاً صارخاً للمقالات المعادية للأجانب، التي كثيراً ما تنشر في الصحف الشعبية البريطانية، والتي تضعف الشعور بالتعاطف مع الذين يغرقون في البحر المتوسط في محاولة يائسة للوصول إلى أوروبا. وقال الأمير زيد إن تشبيه البشر بالصراصير يذكّر باللغة التي كانت تستخدمها وسائل الإعلام في رواندا للتحريض على كراهية أفراد قبائل التوتسي قبل مذبحة عام 1994.