بعد اعتقالها والتحقيق معها قدمت الجبلية للمحاكمة بلائحة من التهم الثقيلة التي ستطارد إلى الأبد صفحة سوابقها العدلية، بعد أن تمت متابعتها بتهم تكوين عصابة إجرامية والاتجار في المخدرات وتقديم رشاوى لموظفين عموميين. محاضر التحقيق تضمنت سلسلة من التصريحات المثيرة، التي كشفت جوانب خفية وقذرة من طريقة تدبير عوالم المخدرات في بعض المدن، خاصة بالأحياء الهامشية، والطريقة التي كانت تقدم بها الحماية لنقط البيع من خلال تدوير الأموال ما بين تجار المخدرات وبعض المسؤولين في السلطة، ممن وجدوا أنفسهم، لاحقا، مكبلين بأصفاد كانوا إلى وقت قريب يتحكمون في مفاتيحها، قبل أن تتفجر هذه الفضيحة التي أساءت كثيرا إلى صورة المؤسسة الأمنية، وكشفت عن جزء من حجم الفساد الذي غرق فيه بعض المسؤولين الذين عهد إليهم بتدبير مصالح الأمن بمدينة سلا. قفص الاتهام لم يتسع لجميع المعتقلين في هذه القضية بعد أن تجاوز العدد 30 شخصا اختلط فيهم معاونو الجبلية بعناصر من الأمن والدرك برتب مختلفة، لتنطلق المحاكمة، وسط إنزال أمني، بعد أن تقاطرت أسر المتابعين في هذا الملف على المحكمة. ممثل النيابة العامة بدا صارما في بسط ملتمساته بعد أن شدد على أن إنكار الجبلية لأي علاقة لها بالاتجار بالمخدرات، أو تعاملها مع عناصر الدرك والأمن تفنده الأدلة والحجج التي حفل بها الملف، وتصريحاتها خلال مراحل التحقيق ليطالب بإدانتها بأقصى عقوبة مع مصادرة جميع أموالها وممتلكاتها المتحصلة من تجارة المخدرات. خلال جلسات المحاكمة بدت الجبلية في حالة نفسية منهارة، بعد أن تهاوت الإمبراطورية التي بنتها بصفائح الحشيش وأمواله القذرة، قبل أن تجد نفسها بمعية عدد ممن كانوا يضمنون لها الحماية أمام المحكمة، رغم أن جوانب أخرى بقيت مظلمة، ولم تكشف عنها بخصوص شبكة علاقاتها المتشعبة. المحكمة وبعد عدد من الجلسات أصدرت عقوبة السجن النافذ في حق الجبلية بعشر سنوات سجنا نافذا مع أداء 520 ألف درهم لفائدة الجمارك، ومصادرة عقاراتها وحسابها البنكي. فيما حكمت بسنة سجنا نافذا في حق 15 من عناصر الأمن، و7 دركيين اتهموا بقبول رشاوى للتغاضي عن تجارة المخدرات. كما حكم على عدد من معاوني الجبلية بعقوبات وصلت إلى ثمان سنوات. بعد الإدانة تنقلت الجبلية بين عدد من السجون، فيما شهد ملف رجال الدرك والأمن عدة تقلبات بعد إصرارهم على براءتهم من التهم التي نسبت إليهم، وتشبثهم بإنكار أي صلة لهم بالجبلية أو بأحد معاونيها، الذي اعتمدت الفرقة الوطنية على أقواله من أجل توقيفهم، باعتباره مخبرا سابقا لدى المصالح الأمنية بالمدينة، قبل أن تقضي المحكمة في سابقة قليلة الحدوث ببطلان محاضر الفرقة الوطنية وببراءتهم من المنسوب إليهم. هذه القضية جعلت الجبلية تضمن لنفسها اسما بارزا ضمن قائمة أشهر بارونات المخدرات، الذين تمكنوا من اختراق السلطة بنفوذ المال من خلال شبكة مهمة من العلاقات، ضمنت لها السيطرة على سوق الحشيش بمحاذاة العاصمة قبل أن تحين ساعتها وترمى وراء القضبان. ولأن التاريخ يعيد نفسه، فإن ملف الجبلية بعد مرور أكثر من عقدين سيستنسخ نفسه بتفاصيل تكاد تكون متشابهة، بعد أن وجد عدد كبير من رجال الأمن بتمارة أنفسهم وراء القضبان بمعية بارون آخر اسمه «ولد الهيبول».