- كيف نرتقي بأمانينا الدنيوية خلال شهر رمضان؟ تختلف أماني الناس الدنيوية باختلاف درجات هممهم، فمنهم من لا تتجاوز أمانيه متاع الدنيا الزائل وسفاسفها التي قد يشترك فيها المثقف والأمي، والذكي والغبي، والمؤمن والكافر، أما عن الدار الآخرة، فأمنية الذين يومنون بيوم القيامة والبعث والنشور والجنة والنار، والكثير منهم لا تتجاوز أمنياتهم الجنة ونعيمها، فما أغلى ما تتمناه أنت في الدنيا؟ وما أغلى ما تتمناه في الآخرة؟ وأنت في شهر رمضان أفضل شهور السنة كلها، الذي تفتّح فيه أبواب الجنان الثمانية، وتغلّق أبواب النيران، وتستجاب فيه الدعوات؟ المومنون والمومنات أصحاب الهمم العالية بصحبتهم للصالحين – لأن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله – ترتقي أمانيهم من سفاسف الأمور إلى ذرى الإحسان، لتصبح أسمى رغباتهم في الدنيا هي أن يكونوا أولياء لله عز وجل، الذين قال فيهم الحق سبحانه وتعالى: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وهذا أعلى ما ينبغي أن يتمناه الإنسان في الدنيا، فمن عرف الله في الدنيا، وكان وليا له فقد حاز على الخير كله، ومن خرج من الدنيا ولم يعرف الله، فلا نهاية لحسرته وخسارته، يقول تعالى في الحديث القدسي: («ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فُتُّك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء»، وكان ذو النون المصري رحمه الله، يردد هذه الأبيات بالليل كثيرا: اطلبوا لأنفسكم مثل ما وجدت أنا — قد وجدت لي سكنا ليس في هواه عنا إن بعدت قربني وإن قربت منه دنا — من فاته الله فلو حصلت له الجنة بحذافيرها لكان مغبونا فكيف إذا لم يحصل له إلا نزر حقير يسير من دار كلها لا تعدل جناح بعوضة، أما في الآخرة فلا يستقر لهم قرار إلا برؤية وجه الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ). – ما السبل لتحقيق مفهوم الولاية الذي تحدثتم عنه في هذا الشهر الفضيل؟ ليست الولاية بالوراثة ولا بالتمني ولا بالجهل، إنما هي بالعلم والإيمان والتقوى والعمل الصالح الجاد، والإخلاص في أعمال العبادة الظاهرة والباطنة، والقيام بها والصبر عليها، ومجاهدة النفس في دفع الشبهات والشهوات واجتناب المحرمات، وأداء الفرائض والواجبات، والإكثار من نوافل العبادات، عنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ اللهَ قال: مَنْ عادَى لي وليًّا فقدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تقرِّبَ إليَّ عَبْدي بِشيءٍ أحبَّ إليَّ مِمَّا افْترضتُ عليْه، وما يزالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحبَّه، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذي يبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التي يَمْشي بِهَا، وإنْ سَأَلَني لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتعَاذَنِي لأعيذَنَّهُ، ومَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ؛ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المؤْمِنِ، يَكْرَهُ الموْتَ، وأنَا أكْرَهُ مَسَاءتَهُ). فهذا شهر الجد والاجتهاد لا الغفلة والكسل والتمني، فكن أخي، وكوني أختي من المجتهدين، ولا تكونوا ممن أدركهم رمضان، بل كونوا ممن أدركوا رمضان، وأعدوا له برنامجا محكما حتى لا يضيع وقتكم بين الراحة والسهر، فمن المقت إضاعة الوقت.