تحكي ساكنة مدينة ابن أحمد طريفة، على سبيل الأسطورة، أضحت تتداول بين أبنائها، تقول إن آدم عليه السلام يوم نزل إلى الأرض، كانت ابن أحمد هي أول ما وطأت قدماه. أما دليل ذلك، فهو تلك الحفرة الكبيرة التي يطلق عليها اسم «حفرة الجماعة»، والتي تشبه وطأة قدم. لذلك لا يتردد الغاضبون من هذا التهميش، الذي تعرفه المدينة والمنطقة في القول إن المدينة لم تتغير منذ عهد آدم عليه السلام. هي مجرد كناية على أن ابن أحمد، التي تصنف من أقدم حواضر المغرب، لم تعرف تطورا ولا تنمية رغم كل المحاولات التي شهدتها المنطقة، والتي جعلت أبناءها يهجرون بحثا عن فضاءات أخرى بعد أن أعياهم الانتظار. والحصيلة هي هذا الفراغ القاتل حيث تبدو «العلوة»، وهي التسمية التي ارتبطت بها لوجودها في منطقة عالية، شبه مهجورة خصوصا حينما تشتعل حرارة الصيف. تحكي كتب التاريخ أن قصبة ابن أحمد شيدت ما بين سنتي 1875 و1880. وكان القائد الشرقي بن محمد الحمداوي هو أول من بدأ في بنائها، لكنها لم تأخذ المكانة التي اشتهرت بها إلا في عهد خلفه القائد محمد بن أحمد الحمداوي الذي سميت باسمه. في الوقت الذي تقول رواية أخرى إن ما حدث هو تجديد لهذه المدينة التي كانت قد دمرت عن آخرها. ولا غرابة أن المدينة قد تعرضت للتخريب بأمر مخزني خلال أحداث ثورة قبائل امزاب الأولى ما بين سنتي 1894 و1897. ثم تضررت كثيرا خلال أحداث الثورة الثانية لهذه القبائل سنة 1903. إلا أنها خربت نهائيا خلال حرب المقاومة المزابية ضد الغزو الفرنسي للشاوية سنتي 1907 1908، التي عرفت نشأة معاصرة لهذه المدينة خلال الاحتلال الفرنسي، حيث أعيد تسطيرها من جديد ورسمت معالم تصميمها الحالي ليشمل كل الأراضي الواقعة على الضفتين الشمالية والجنوبية لواد «بوزيان».. كانت مدن سيدي حجاج، ورأس العين، وثلاثاء الأولاد مجرد قرى صغيرة لم تأخذ طريقها في سلم النمو الحضري إلا مع بداية الاستقلال. في حين ظلت مدينة ابن احمد، طوال النصف الأول من القرن العشرين، المركز الأساسي لقبائل امزاب كلها، حيث اتخذت منها إدارة الحماية الفرنسية مستقرا لأجهزتها الإدارية والعسكرية، وسكنها حكام المراقبة المدنية بالإضافة إلى كل الأجهزة الأخرى، تماما كما كان يصنع القائد محمد بن أحمد الذي يمثل السلطة العليا وسط هذه القبيلة، ويجمع بين يديه كل دواليبها الأمنية والضرائبية والقانونية، وكان يخضع له كل القواد الآخرون. هو تاريخ يبدو أن المدينة لم تعد تملك غيره بعد أن أضحى حاضرها يعاني من كل الإكراهات رغم كل الوعود التي تقدم من قبل المسؤولين على اختلاف درجاتهم. اليوم يحكي أبناء العلوة عن منطقة صناعية قيل لهم في 1997 يوم تأسيسها إنها ستنتشل معطلي المدينة من عطالتهم، وستوفر شغلا وموارد مالية لجماعة ابن أحمد التي تعيش على دعم الدولة بغياب موارد مالية قارة. غير أن هذه المنطقة الصناعية توقفت عن أداء مهمتها، وحول البعض تلك البقع التي استفاد منها إلى أنشطة لا علاقة لها بالصناعة. لذلك عادت ابن أحمد لتعيش رتابتها في انتظار منطقة صناعية حقيقية. ويحكون عن توسيع المدارالحضاري الذي أصبح يضم الدواوير المجاورة كأولاد التاغي والحجام حليمة، والبعارة وميلس، دون أن تتوفر لهذه الدواوير شروط الحياة الكريمة. دواوير بدون مجاري الصرف الصحي ولا ماء صالح للشرب، بل إن المدينة بأكملها لا تزال تعيش عطشها وهي تنتظر منذ سنوات متى يأتيها الماء الزلال من سد تامسنا البعيد بحوالي ثلاثين كيلومترا عن ابن احمد. ولسد تامسنا مع ساكنة ابن أحمد حكاية يرددها أبناء العلوة في كل مناسبة. لقد شعروا أن التهميش الذي عانت منه المدينة والمنطقة، قد ينتهي بتلك الزيارة الملكية حيث تم تدشين سد تامسنا بجماعة مكارطو. وراهن الجميع على أن تتحول المنطقة إلى جنة حقيقية تستقطب السياح لكي تنتعش المنطقة بهذه الصناعة السياحية التي بشر بها السد، خصوصا وأن ثمة كل مقومات نجاح هذا التوجه بوجود غابة شاسعة، وجبل وماء يضمنه السد، لدرجة يتحدث بعض أهل بن أحمد على أن المنطقة لا ينقصها غير الثلج لكي تصبح إفران جديدا. غير أن كل هذه الأحلام الجميلة أضحت مجرد كوابيس حيث تفتقد المنطقة إلى طريق صالحة توصل إلى هذا المكان السحري الموجود بين قبائل أملا وأولاد امراح، وأولاد فارس، والأعشاش والمعاريف والأولاد. لقد تم إتلاف الطريق المؤدية إلى هذا السد بسبب الشاحنات المحملة بأحجار المقالع الموجودة في المنطقة. وهي مقالع بالعشرات، توفر الأحجار لصنع «البريك» والرخام الأبيض، حولت المنطقة من مشروع سياحي يضاهي إفران وإيموزار، إلى فضاء ينثر غباره صباح مساء. لذلك قد يصبح سد تامسنا، الذي وضع كرهان سياحي، مجرد ذكرى إذا لم يتم تدارك الأمر سريعا لوقف نزيف الطريق المؤدية إليه. في ابن أحمد، لا بد أن تشعر أنك في أرض العلوة بأضرحتها وأوليائها الصالحين الموجودين في كل بقعة. لذلك لا يخفي الكثيرون أن المدينة هي أرض مضيافة بأهلها البسطاء حيث الزوايا التي تشتهر بها المنطقة من الزاوية التاغية» و«الزاوية البطاحية» و«زاوية المعاريف» و«الزاوية المنيعية»، التي ظلت قبلة للزوار وللباحثين عن علاج. غير أن المدينة ظلت تفخر بوجود المستشفى الرئوي، الذي كان يصنف كثاني أكبر مستشفى متخصص في داء السل بإفريقيا، والمشيد على مساحة كبيرة، في فضاء منتقى بعناية من طرف مختصين حيث تحيط به أشجار مختلفة تلعب دورا كبيرا في صحة المرضى. المستشفى أغلق أبوابه لترتكب وزارة الصحة خطأ كبيرا، لأن المبررات التي قدمتها لم تكن صحيحة. فداء السل لم يتناقص في المغرب، بل إنه عرف ارتفاعا خطيرا في السنوات الأخيرة حسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة. ابن أحمد وامزاب، هي أيضا مدينة من مدن إمارة بورغواطة، والتي كانت تضم حسب كتب التاريخ، أربعين مدينة، وثلاثمائة قرية كان من أشهرها «مدينة تامسنا» الأزلية والتي تقع مخلفاتها الأثرية قرب ضريح سيدي محمد الفكاك، و»قصبة المعاريف»، التي تم تجديدها من طرف «القائد عبد الله ولد التوزر» وسميت «القصبة الكبيرة».