يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. في خريف 1972 كانت غولدا مائير تبحث عن طريقة لتحويل أذهان الإسرائيليين عن أهوال الإرهاب الدولي وعن عزلة إسرائيل المتزايدة منذ حرب 1967، وكان هنالك طلب معلق من إسرائيل للاجتماع بالبابا بولس السادس في روما. وفي نونبر وبعد استلام رسالة من الفاتيكان تعلن الموافقة على الطلب، دعت مائير المسؤولين إلى اتخاذ الترتيبات اللازمة. تقرر أن تقوم مائير بزيارة لباريس قصد حضور مؤتمر غير رسمي للاشتراكية الدولية يومي 13 و14 يناير، ثم تزور الفاتيكان يوم 15 يناير لمدة يوم واحد، يتلوه اجتماع مع رئيس ساحل العاج فيليكس هوفييت بوانيي قبل عودتها إلى إسرائيل خلال أسبوع. أعطي للاجتماع مع البابا الصفة الرسمية مع أنه لم يتم الإعلان عنه على الملأ، ولأن حوالي ثلاثة بالمائة من سكان إسرائيل أو حوالي 100 ألف عرب مسيحيون، فإن منظمة التحرير الفلسطينية ذات علاقة طيبة مع الفاتيكان، لذلك استطاع رجال المنظمة أن يحصلوا على خبر خطة مائير بزيارة البابا، فبعثوا على الفور برسالة إلى علي حسن سلامة في ألمانيا الشرقية يقول فحواها: «دعنا نقتل الشخصية التي تسفك دماءنا في كل أنحاء أوروبا»، أما كيف ستقتل ومتى بالتحديد فقد ترك أمر ذلك «للأمير الأحمر». لكن القرار اتخذ لتوجيه الضربة وكان مصمما على تنفيذه، وبغض النظر عن حقيقة أن مائير كانت عدوهم الأكثر وضوحا، فإن القيادة وجدتها فرصة كبيرة لتظهر للعالم أن «أيلول الأسود» لا تزال قوة قوية يعتد بها. وفي أواخر نونبر 1972، تلقى مركز الموساد في لندن مكالمة هاتفية غير متوقعة من شخص اسمه «أكبر»، وهو طالب فلسطيني اعتاد على بيع المعلومات للموساد لكن الموساد لم تسمع منه منذ فترة، وأشار إلى أنه يريد اجتماعا ولأنه لم يكن نشيطا منذ فترة طويلة فإنه لم يكن على اتصال مباشر مع ضابط تجنيد عملاء محدد، ومع أن الأسماء التي يذكرها تكشف عنه، إلا أنه كان عليه أن يترك رقم هاتف حتى يتم الرد عليه، أخبرهم أكبر أنه تلقى تعليمات من مسؤوله في منظمة التحرير الفلسطينية للذهاب إلى باريس لاجتماع هام، وقد اشتبه بأن ذلك عملية كبرى لكنه حتى تلك اللحظة لم تكن لديه أي معلومات محددة «أراد نقودا وكان متوترا ومضطربا فأعطاه ممثل الموساد أموالا كما أعطاه رقم هاتف ليتصل عليه في باريس» . طار أكبر إلى باريس لموعد في البيراميدز وهي محطة ميترو مع أناس آخرين من منظمة التحرير الفلسطينية، وكان على مركز الموساد في باريس أن يتبع أكبر إلى اجتماعه، لكن أفراد الموساد أخطؤوا فعندما وصلوا كان مضيفو أكبر قد ذهبوا، وكإجراء أمني داخلي سافر رجال منظمة التحرير الفلسطينية مثنى عندما تلقوا التعليمات، لكن أكبر استطاع أن يجري مكالمة سريعة مع رقم باريس عندما دخل زميل له إلى الحمام، وقال بأن هناك اجتماعا آخر وعندما سأله عضو الموساد من الهدف؟ قال أكبر: «واحد من رجالكم ..لا أستطيع أن أتحدث إليك الآن» وأغلق السماعة. وفي اليوم التالي اتصل أكبر مرة أخرى وقال إنه سيغادر بعد الظهر إلى روما وأنه يحتاج إلى نقود ويريد الاجتماع، لكنه لا يملك الوقت لأن عليه أن ينطلق إلى المطار الذي كان قريبا من محطة ميترو روزفلت، لذلك تلقى تعليمات بأخذ القطار التالي إلى محطة بليس داكونكورد ويسير في اتجاه معين مكررا بطريقة مختلفة الاحتياطات الأمنية السابقة. كان على العميل أكبر أن يلحق الطائرة إلى روما، ولم يكن لديه وقت كثير للحديث لذلك تم التخلي عن اجتماع الفندق، ولأن هذه العملية تخص مركز باريس فقد تقرر إرسال ضابط موساد إلى روما ليعمل كمصدر معلومات لأكبر. تم تخصيص رجلي أمن لنقل أكبر بالسيارة إلى المطار وقد صادف أنهما ضباط تجنيد العملاء نتيجة نقص في رجال الأمن آنذاك، وقد أصبح أحدهما «إيستيك» أستاذا لفيكتور في أكاديمية الموساد «لكن تصرفاته في ذلك اليوم لم تكن نموذجا يحتذى به بل العكس». عند الوصول إلى مطار أورلي، ذهب أحد ضباط تجنيد العملاء إلى مقصف لتناول القهوة، بينما اصطحب الآخر أكبر إلى مكتب التذاكر وتفقد الأمتعة وبقي معه فترة كافية للتأكد من أنه سيركب الطائرة، فقد يكونان قد تصورا أنه الفلسطيني الوحيد المتوجه إلى روما لكنه لم يكن وحده على الرحلة. وكما اكتشفت الموساد بعد سنوات في الوثائق التي ضبطت في الحرب اللبنانية، فإن رجلا آخر وهو من منظمة التحرير الفلسطينية قد لاحظ أكبر مع الرجل الغريب في المطار، فلاحق الغريب ورآه وهو ينضم إلى شريكه في المقصف، والأمر الذي لم يصدق أن الرجلين اللذين كان يجب أن يغادرا المطار منذ فترة طويلة خاضا في حديث طويل باللغة العبرية، عندها سارع رجل المنظمة إلى الاتصال هاتفيا بروما ليقول إن أكبر ليس نظيفا.