إن تجربة الفنان) سعيد حاجي (في تصوري، تجربة تيماتية thématique، ارتبطت نظريا في جل محطاتها بالموضوع وأهميته السردية والحكائية النابعة عن صدق مشاعره، محاولا بذلك ضمان سيرورة مترابطة، كامتداد للأجناس التعبيرية الأدبية التي كان ولازال يهتم بها، مما جعل منه فنانا ملتزما artiste engagé، بقضايا إنسانية حيوية تناولها فيما قبل في سيرته الذاتية، كجنس أدبي يختلف في تقنياته عن التشكيل، ولهذا سوف نقف وقفة تأمل عند تجربته التشكيلية المختزلة كمحطة أخيرة ضمن كل اهتماماته، والتي حافظت هي الأخرى في سياق السيرورة لهذا الفنان، على التيمة المحورية والمحركة لمسيرته الإبداعية المرتبطة بالكائن والوجود بامتياز. إن تجربة الفنان سعيد حاجي، يمكن اعتبارها بصفة عامة، تجربة وجودية/غرائبية من حيث الموضوع، وواقعية من حيث الشكل، إذ تؤكد بهذا الاختلاف على أهمية الشيء l'objet، وما يحمله من دلالات أيقونية وسيميائية، كفكرة محركة وأساسية يمكن إحالتها على مفهوم الاعتقال وما يليه من انتظار وتنكيل وتعذيب، إذ يقول في أحد نصوصه البليغة في التعبير عن هذه الفكرة: «من بوح تكممه رطوبة الفيافي والسجون. وما يبقى شاهد إلا العذابات والسوط وعناد الجلاد وما وشم على الجسد تضاريس الهراوات، دعوني أبوح ما في ذاكرتي من تعاقب الأيام والأزمان والسنين، ما عاد الكلام يجدي وأنا متخم بالجراح، دعوا رسوماتي تكابدني، تعاتبني، تواسيني تمسح دموعي، لكنها لا تخونني ولا تخزيني، ولا تفارقني، دعوني أبوح لها ظلم الطغاة، وتبوح لي عرق الشرفاء والملسوعين بنحيب القضية… آه منك يا زمن… كنت بضع سنين أستأنس بجدارات زنزانتي وأناجي فيها رسوماتي حتى لا أنخرط في العته… أما اليوم فكل الألوان ألواني تبتسم لي قزحية دون أن أبالي». وقد اختزل الفنان هذه الصورة الرمزية والعميقة بدلالاتها الإيحائية في شيء محدد هو الكرسي، الذي قال عنه الشاعر الراحل) أحمد بركات (في قصيدة تحت عنوان : «هذا هو الكرسي» عليه يستوي الصانع الملول كما تستوي باقة الورد المهجورة وعليه تستريح الفصول عليه يستوي المعطف مثلما يستوي الملوك وعليه تستريح الأرض إذا أكملت دورتها. إذ يحضر هذا الكرسي بثقله، ضمن نسق حكائي رمزي يحمل دلالات متعددة، يمكن اختزالها في الانتظار الممل، أو السلطة، أو الاعتقال، أو الاستراحة… يجمع هذا الكرسي بمعنى آخر كل الدلالات المتناقضة على مستوى الموضوع، كما يمكن اعتباره من جهة أخرى محركا لأبعاد ثقافية، عبر نسيج تاريخي لوظيفته المادية المباشرة والمفاهيمية، بداية بتلقي المعرفة، وانتهاء بما قد يترتب عن وجوده وحضوره واستعماله في غياب الوعي والديمقراطية، إذ تتحول هذه الوظيفة من نعمة العلم لنقمة الانتظار والعتمة، وفي خضم هذا العنصر المهيمن على سند القماش، لا يحضر هنا الإنسان بجسده في عمل سعيد حجي إلى جانب الكرسي، إلا شبحا أو ظلا ثانويا، لا يقوم إلا بتأثيث الفضاء، محاولا بذلك تغييب الذات وتجاهلها في ظل فضاء مغلق تقسمه وتخترقه أشعة يصعب تحديد منبعها، إنها في النهاية خدعة بصرية طريفة، توهم المتلقي بعدم أهمية الجسد في غياب تفاصيله، بينما العكس هو الصحيح، حيث حضور الجسد بظله ككتلة ظلت تحجب ما وراء الشكل فكرة سفر ذهني بحثا عن الحرية خارج الفضاءات المغلقة افتراضيا في تصور الفنان، بجدرانها السميكة التي اتخذت لها أبعادا لونية، اختزلها المبدع في اللونين البني والأزرق، ليشارك المتلقي لذة المتعة من خلال خدعة بصرية جمعت بين حرية غيابية/ذهنية نظريا، وحرية ملموسة حاضرة في المشهد الإجمالي للعمل.