الأكاذيب تكثر قبل الانتخابات وأثناء الحرب وبعد الصيد. في مثل هذه الأيام «غير المباركة»، تطلق الشياطين من عقالها وتراها تتجول في الأسواق والشوارع وتطرق أبواب الناس، محملة بالابتسامات والمنشورات، بحثا عن أصوات تقودها إلى المجالس المحلية والجهوية. كلما عادت الانتخابات، بمرشحيها وألوانها ومقالبها، أستحضر صديقا قديما في حزب «الاتحاد الاشتراكي»، أيام كانت تحضنه «القوات الشعبية»، كنا نسميه «السحّار»، بسبب حساباته الجهنمية وخططه الماكرة التي لا تخطر حتى على بال إبليس. كان يكذب في كل المواسم، كأنه يشرب الماء، ويصدقه الجميع، كأنه يستعمل «السماوي». ذات يوم، بسبب صدفة ماكرة، وجد نفسه مشاركا في بعثة إلى الحج، رغم أن الشيء الوحيد الذي يربطه ببيت الله الحرام هو الجزء الأخير، أي «الحرام» الذي كان يتفنن في ارتكابه والتحريض عليه. ولأن الاحتيال عنده غريزة، فقد اندمج في الدور واشترى تسبيحا وثوب إحرام، وشرع في استقبال الوفود التي تودع الذهاب إلى مكة، كما جرت العادة، وهو غارق في الخشوع لا يكف عن ذكر الله، حتى اعتقدنا أن «السحّار» يفكر جديا في التوبة والمشي على الصراط المستقيم. حين زرناه كي نتمنى له حجا مبرورا وسعيا مشكورا، قال له أحد الأصدقاء مازحا: «أوصيك بشيء واحد… خوك، خوك اعطيه التيقار، عنداك تمشي ترجمو حتى انت!» فانفجرنا ضاحكين. ليست أجواء الانتخابات في الحقيقة ما ذكرني بهذه القصة، بل بعض المقالات التي كتبت عن الصحافيين الفرنسيين إيريك لوران وكاترين گراسيي بعد أن حصلا «حصلة كلب»، تحديدا تلك التي دبجها بعض «الزملاء»، الذين يبيعون أقلامهم وضمائرهم بأرخص الأثمان، لكنهم لا يتورعون عن رمي الصحافيين المتهمين بالابتزاز بالأحجار والنفايات، رغم أنهم لا يقلون عنهم وساخة. إنه الشيطان حين لا يتورع عن رجم أخيه الشيطان. «ملّي كطّيح البگرة كيكترو الجناوا». الصحافيان الفرنسيان تصرفا مثل بقرتين حقيقيتين، غير منتبهيْن إلى أن عيد الأضحى على الأبواب، والمغاربة يشحذون السكاكين، وهما يستحقان مصيرهما. لكن المضحك في حفلة «الذبح» و»السلخ» -التي تعتبر «سنة مؤكدة» عند المغاربة- أن بعض من يشهرون السواطير و»المقدات» هم «صحافيون» مأجورون، يبيعون الأقلام والضمائر وأشياء أخرى، نخجل من ذكرها، بأثمان بخسة، ويمارسون «الشانطاج» في حق شخصيات من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة. أعتقد أن ما يزعج هؤلاء في العمق هو السعر المرتفع الذي طلبه إيريك وكاترين مقابل تكسير قلميهما :ثلاثة ملايين يورو… مبلغ جعلهم يشعرون بالدونية والحقارة والتفاهة. فسوق لبهايم كلها وتَمَنُو! والحق أن ما أقدم عليه لوران وگراسيي يعد فضيحة أخلاقية بكل المقاييس، تسيء إلى مهنة نبيلة، وتضرب مصداقية الصحافة الاستقصائية في الصميم. أحيانا يكون الصمت من ذهب .وياليتهما سكتا بعد الخروج من الاعتقال، بدل إمطار وسائل الإعلام بحوارات تزيد الطين بلة. في أول خروج إعلامي له بعد «قبضه حيا» بالجرم المشهود، يقول لوران على صفحات «لوموند»، إنه «يتحدى ديبون موريتي (محامي القصر الملكي) ويتحدى المغرب أن يقدم أي دليل… إلخ». الرجل يتحدى المغرب كله !لم يكتف بالابتزاز والارتشاء وبيع شرف المهنة وتشويه الصحافيين، بل زادها بالعقلية الاستعمارية. الله ينعل اللي ما يحشم! المضحك في الحوار أنه ينفي ممارسة الابتزاز، لكنه يقر بقبول مبلغ مليوني يورو مقابل التخلي عن نشر الكتاب، وتقاضي ثمانين ألف أورو كدفعة أولى من الصفقة. وكي يبرر جريمته، يقول «المقيم العام» الفرنسي الجديد إن زوجته مصابة بالسرطان، وكنا بكينا معه المرض وقلة ذات اليد، لولا أننا نعرف أن فرنسا تتوفر على أفضل تغطية صحية في العالم! الرجل لا يكتفي باستعمال زوجته المريضة كدرع في حربه الخاسرة، بل يقول إنه أراد أن يجنب المغرب خطر التحول إلى «جمهورية إسلامية»… ولا يسعنا إلا أن نقول له: «ميرسي موسيو لوران»، لولا عطفك وكرمك، لكنا الآن تحت حكم الخليفة أبي بكر البغدادي. رحم الله العقيد معمر القدافي وصيحته الشهيرة: «من أنتم؟» أما «القدّيسة» كاترين، عندما تسألها جريدة «لوباريزيان»: «هل استسلمت للإغراء؟»، ترد (وهي تجهش بالبكاء): «أجل استسلمت للإغراء، ضعفت أمام الموقف مثل جميع الناس. الكل يتساءل ماذا سيفعل بمليوني أورو. حاول أن تتخيل الموقف». وتضيف، «بلا حشمة بلا حيا»، أنها مازالت متشبثة «بإصدار الكتاب»… «الحاصول، الله يعطينا وجهكم نهرسّو به الگرگاع».