هناك العديد من الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ المغربي، سلبا أو إيجابا، توارت إلى الخلف ولم تستعذب يوما لعبة الأضواء، ولأن التاريخ لا تصنعه الشخصيات «الشهيرة» فقط، فإن الكثير من المعلومات ضاعت في أتون الصراع السياسي والحسابات الشخصية. عبد الكبير العلوي الإسماعيلي، صاحب دار نشر منشورات «الزمن» الشهيرة، واحد من هاته الشخصيات، التي كان لها دور حاسم في قضية الصحراء في الكثير من المحطات، وإذا كان يرفض صفة «عميل المخابرات المغربية»، فإنه يؤكد أنه تعاون معها في الكثير من اللحظات الحساسة. على كرسي الاعتراف، يحكي العلوي الإسماعيلي أسرارا غاية في الحساسية عن قضية الصحراء ودور إدريس البصري وعلاقاته المتشعبة مع النظام الليبي، كما يتوقف عند لقاءاته بالملك الراحل الحسن الثاني، ويشرح كيف أخبره في إحدى الجلسات الخاصة أنه يتوفر على معلومات تؤكد قرب القيام بمحاولة انقلابية جديدة بالمغرب. – بعد أن علمت بخبر وفاة الدليمي، أين ذهبت بالتحديد؟ وقع خطأ بسيط في الحلقة الماضية، فقد كنت في فندق «سوفيتيل» بالرباط وليس بمراكش، وقد كان معي بنبراهيم مدير ديوان الجنرال الدليمي كما أخبرتك سلفا. يومها أخبر بنبراهيم زوجته أنه سيبقى معي، وبالفعل مكث معي في الغرفة رقم 303 بالفندق، لكن الذي استغربته أنه كان يردد دائما «يستحيل أن يقوم الدليمي بانقلاب على الملك، ميمكنش يديرها، ولو كان ثمة أي شيء، كنت أول من سيعرف بالأمر» وكنت أجيبه في حينها: «ومن أثار سيرة الانقلاب». كان يفعل ذلك من تلقاء نفسه وبشكل لا واع، ويرددها مرات عديدة، وأعيد على مسامعه نفس الجواب بأن الأمر يتعلق بحادثة سير عادية لا أقل ولا أكثر. والذي أتذكره في هذا الباب، أن بنبراهيم عين بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من وفاة الدليمي في السفارة المغربية بالعاصمة الإسبانية مدريد. لماذا حدث ذلك؟ إلى حدود اليوم لا أتوفر على أي جواب حول الموضوع. – هل حكى لك بنبراهيم أي شيء عما كان يفكر فيه الدليمي؟ لا أبدا، فباستثناء الجملة السابقة، لم يكن ينبس بأي شيء. بعد تعيينه في مدريد، كان يزورني دائما ويتحدث معي حول قضايا تهم غرب إفريقيا، ولم يكن أبدا يثير اسم الدليمي. في إحدى الزيارات أخبرني أن المغرب يفكر في تكوين ثلة من الخبراء الاستراتيجيين لتقوية العلاقات مع بلدان غرب إفريقيا، وكان يؤكد أن الجنرال القادري هو من يلح على المضي في هذا الاتجاه وكان المشرف على الملف، وفي وقت لاحق أيضا أخبرني أن المغرب يكون استراتيجيين مغاربة وسعوديين لتنظيم ندوات، وبالفعل نظمت ندوة بمدينة الدارالبيضاء، وقبل ليلة واحدة راجعت مع بنبراهيم كلمته الافتتاحية. – قلت في حلقة سابقة إنك شاركت في القمة الإفريقية في أديس أبابا، ماذا تتذكر عن القمة؟ أتذكر بالتحديد أني كنت متابعا للوضع الليبي، وكنت أتوفر على معلومات كثيرة، وقد أخبرت بلقزيز كي يبلغ الملك الحسن الثاني أن العقيد الليبي معمر القذافي يهيئ لزيارة المغرب للقاء الملك. – هل كانت لديك أي علاقة مع الجنرال أوفقير أو سبق لك أن التقيته؟ لا أعرفه، لكني أتوفر على معلومات دقيقة حول موضوع نادرا ما أثير في المغرب بخصوص الجنرال أوفقير، الذي قاد المحاولة الانقلابية ضد الملك الحسن الثاني، فقد أخبرني صديق ألماني، وهو مفكر معروف كانت لديه علاقة متينة مع السفارة المغربية بألمانيا اسمه ألارد فون شاك، أن الجنرال أوفقير أسس شركة خاصة في ألمانيا باسم «سمارة» في الستينيات من القرن الماضي، وكانت الشركة متخصصة في اليورانيوم المخصب، وكان يبيع اليورانيوم للهند. في تلك الفترة كان رئيس الوكالة الذرية الأوربية إيطاليا، ولما علمت إسرائيل بالخبر، بعثت بفتاة بلجيكية جميلة لغوايته، أقصد مدير الوكالة الأوربية وليس أوفقير، وبعدها تورط في حادثة سير مع الحسناء البلجيكية، إذ تعمدت الأخيرة أن تقوم بذلك. دخلا الاثنان إلى المستشفى، ثم ما لبثت العلاقة بينهما تتوطد أكثر فأكثر، وشرع يبوح لها بكل شيء، ولم يكن يعلم أنها من الموساد الإسرائيلي، وقد اعترف لها في إحدى المرات بأن الجنرال أوفقير كان يشتغل في مجال اليورانيوم المخصب. ضغطت، وقتها إسرائيل بقوة على الوكالة الأوربية، على أساس أن الجنرال أوفقير سيبيع اليورانيوم المخصب لها، وبالفعل فقد تم تحويل مسار باخرة كانت راسية في مارساي قاصدة الهند محملة باليوارنيوم المخصب، إلى إسرائيل بطريقة غريبة. لا يمكن أن تتصور بتاتا تفاعلات هذا الملف، وسأحكي لك في الحلقة المقبلة تفاصيل مثيرة جدا عن صراع المخابرات المغربية والإسرائيلية والمصرية بسبب هاته الباخرة بالذات.