أعتقد أنّ هناك عقدا بين الإدارة و بين من يشتغل ضمن قطاعاتها ، لم تكتبه الأقلام و لم تنبس به الشفاه ، قد يُسمّى اتفاقا بالتراضي بين طرفين ، و قد يُسمّى هدنة مؤقّتة بين طرفي خصومة تاريخية ، قد تدركه كلّ الأطراف و قد يكون خفيّا لا يُرى له أثر ، و لكنّه ملموس بقوّة الواقع ، قد يكون هذا الاتفاق ضروريّا لكي لا تتوقّف المحرّكات عن العمل و تستمر السفينة في مجراها ، و قد يكون هو من سيؤدي إلى رسوّها مجبرة أو غرقها نهائيا ، و لهذا العقد بنود ثلاثة لا رابع لها. البند الأول : على الموظّف أن يقوم بالمهام المنوطة به و المهام المنوطة بمن كان يفترض تعيينهم إلى جانبه لضمان السير العادي للمصلحة ، و عليه أن يكتفي بما توفّره الإدارة ماديا و بشريا و لو كان دون الحد الأدنى ، و بالتالي لا مجال للشّكوى حين يتَّسِعُ الخَرق على الراقع . و لتوضيح المقال يمكن تأمّل مَثل ذلك الممرّض الذي عيّنته الوزارة وحيدا لتدبير شؤون مركز صحي أو مستوصف قروي بما توفّر من تجهيزات طبية و لوجيستية ، و يُنتظر منه أن يؤدي مهاما منوطة به أو بتعبير أدق يحاول القيام بذلك ، لأنه لن يستطيع التواجد في نفس الزمان و في أماكن مختلفة للقيام بمهام متنوّعة خارج و داخل المؤسّسة الصحيّة ، كما يُنتظر منه أداء مهام أخرى منوطة بالطبيب خارج اختصاصه ، مضيفا إلى ذلك همّ أمن المؤسّسة الصحيّة الذي يحمله في مواجهة مشاغبي النهار من كبار البشر و صغارهم و من الحيوانات الضالّة ، و من زوار الليل المحتملين ، و يحمل كذلك همّ نظافتها و صيانة و إصلاح ما تعطّل من تجهيزات البناية أو التجهيزات الطبيّة قدر المستطاع ، و هو بذلك يؤدي مهام شركة الحراسة و النظافة و الصيّانة إضافة إلى مهام الممرّضين و الطبيب، وقس على ذلك حال الكثير من الموظّفين في قطاعات أخرى . البند الثاني : في مقابل ما سبق ذكره يُنتظر من الإدارة التغاضي عن أيّ غيّاب أو تأخّر في الالتحاق بمقر العمل بمناسبة أو بغيرها، بمبرر أو بدونه ، و عن أيّ تجاوز يصدر من الموظّف للقوانين أو تجاه المرتفِقين ، شريطة أن لا يُحدث كلّ ذلك توقّفا أو اضطرابا للسّير (العادي) للمصلحة ، أو يسبّب تذمرا لذى الساكنة أو احتجاجا من قبل المجتمع السياسي أو المدني ، أو أن يمثّل مادّة دسمة تثير شهيّة الصّحافة . البند الثالث : لفسخ هذا العقد ، لا يحتاج أحد الطرفين إلى الرجوع إلى الآخر ، كما لا يحتاج كلاهما التعبير عن ذلك بنص كتابي و لا شفهي ، و إنّما يكفي أن يقدّر أحدهما أنّ الآخر قطع شعرة معاوية لينفض الجميع الغبار عن ما يتوفّر لديه من أسلحة المساطر و القوانين و ثنائيات حقوق- واجبات و واجبات – حقوق ، فتصبح مصالح المرتفِق في مهبّ ريح شدّ الحبل بين من يضع عصى الحقوق في عجلة الإدارة كلّما شدّدت عليه الخناق ، و بين من تشهر شبح الواجبات و المساطر و القوانين كلّما طولبت بالحقوق . و ختاما يبدو أنّ شعرة معاوية تلك ، لها وجهان مختلفان ، يضمن الأوّل ولو مؤقتا السّير (العادي) للإدارة ، أمّا الثاني فيمدّ في عمر اختلال معشّش فيها منذ زمن ، فهل يصلح حال المرفق العمومي و الأطراف المعنية به و المجتمع عموما بالحفاظ عليها أم بقطعها بدون رجعة ؟ .