تبقى إسرائيل أقل الدول قلقا وأقلها عرضة للتهديد المباشر في منطقة يهزها تقدم الدولة الإسلامية على نحو مطرد. ومن المؤكد أنها لا ترى في هذه الجماعة خطرا خارجيا عليها. ورغم أن الأحداث في سورياوالعراق مروعة فإن إسرائيل بعيدة عن مدى أكثر الأسلحة تطورا في حوزة الدولة الإسلامية. للوهلة الأولى تبدو إسرائيل مشغولة بصعود الدولة الإسلامية مثل الجميع. فوسائل الإعلام الإسرائيلية لا تألو جهدا في تغطية هجوم التنظيم المتطرف على مدينة كوباني الكردية، كما تنشر تقريرا كل بضعة أيام عن فظائعه. وكثيرا ما يشير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الدولة الإسلامية شأنه شأن الوزراء الإسرائيليين الآخرين. كما نشرت مؤخرا في الصحافة قصص المواطنين الإسرائيليين الفلسطينيين اللذين قتلا وهما يحاربان في صفوف الجماعة، لكنها تبقى أقل انشغالا بما يحدث، مادامت بعيدة عن دائرة الخطر. كذلك فإن الاهتمامات الإقليمية المباشرة للجماعة لا تصل بأي حال من الأحوال لما يقترب من الحدود الإسرائيلية، كما أن التأييد الذي تحظى به في المناطق المجاورة لإسرائيل مازال لا يذكر. والأكثر من ذلك، وعلى النقيض من جماعات متشددة كثيرة ودول في المنطقة، فإن الدولة الإسلامية أكدت بنفسها عدم اهتمامها بالتدخل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفضلت بدلا من ذلك أن تستمد التأييد من رغبة السنة في الثأر وإعادة قدر من النظام إلى المناطق التي مزقتها الحرب من العراق. ولا تمثل الدولة الإسلامية حتى الآن أي تهديد داخلي لإسرائيل. فعلى النقيض من أغلب الدول المتاخمة لسوريا لم تؤد الحرب الأهلية هناك إلى زعزعة استقرار إسرائيل، سواء من الناحية السياسية أو من الناحية السكانية. وقد أدت نظم السيطرة المتنوعة التي تستخدمها إسرائيل – وبعضها من الديمقراطية الليبرالية والبعض من الحكم العسكري – إلى ترسيخ الخلافات بين الدوائر في البلاد التي تشعر باستياء من الحكومة الإسرائيلية. وحالت الانقسامات دون ظهور انتفاضة واسعة النطاق مماثلة لتلك التي كونت الربيع العربي. فالحدود القصيرة نسبيا ذات الوجود العسكري المكثف بين إسرائيل وسوريا حالت دون تدفق اللاجئين على إسرائيل أو أي امتداد كبير للقتال. وفي غياب الحوافز الداعية لتغيير السياسة تبقى إسرائيل عازمة على إبداء عدم الاهتمام الرسمي بالعراق والحياد الشديد إزاء سوريا. ورغم أن الحكومة كثيرا ما عبرت عن تعاطفها مع ضحايا الحرب الأهلية السورية وعرضت العلاج الطبي على بعضهم، بل وهاجمت أهدافا في سوريا مرة أو مرتين، فإن إسرائيل حرصت على أن تظهر للرئيس السوري بشار الأسد أنها تعتبره جارا يمكن التعويل عليه نسبيا وأنها لن تسعى بنشاط لاستبداله. ومن المستبعد أيضا أن يتعرض القادة الإسرائيليون لأي ضغوط داخلية لتغيير هذا الموقف. ففي حين أن صور الحرب في سوريا دفعت بعض الفلسطينيين للسفر إلى الخارج ورفع السلاح في وجه النظام السوري والقتال في بعض الأحيان في صفوف منظمات جهادية، فإن الأعداد محدودة، كما أن الغضب موجه في الوقت الراهن للنظام السوري لا لإسرائيل. فقد كانت صور فظائع الدولة الإسلامية واقترانها بالتعصب الديني للجماعة واحتقارها للدول القائمة على أسس وطنية وعدم اهتمامها الصريح بالقضية الفلسطينية عاملا في تنفير الفلسطينيين أكثر منه في افتتانهم بما يجري من أحداث. بل إن محاولات أصحاب الاتجاه الوسطي الإسرائيليين، وكذلك الولاياتالمتحدة لربط التقدم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بالقتال ضد الدولة الإسلامية لم تحرك إسرائيل. ويقول أصحاب هذا الرأي إن على إسرائيل أن تقدم تنازلات في محادثاتها مع الفلسطينيين لتهدئة الشعوب العربية في الوقت الذي تحاول فيه حكوماتها ربط مصائرها بالأمريكيين، وبالتالي بالإسرائيليين. ويقوم هذا على فكرة أن التهديد الحقيقي الوحيد الذي تمثله الدولة الإسلامية لإسرائيل رغم بعده يتمثل فيما إذا أطاحت بأي دول عربية «معتدلة»، لاسيما الأردن سواء بغزوها أو الاستفادة من الاستياء المحلي فيها أو بالاثنين معا. لكن الحكومة الإسرائيلية التي ليس لها أي اهتمام سواء سياسي أو عقائدي بتسهيل حل الدولتين ترد حتى الآن بهز الأكتاف. والرأي في إسرائيل هو أن النظم العربية المعتدلة مهددة بما يكفي من جراء انتشار تنظيم الدولة الإسلامية بدرجة تجعل الاستعانة الكاملة بالأمريكيين على رأس أولوياتهم. وإذا كان لأي شيء أن يطلق شرارة الثورة في هذه الدول، فلن يكون محنة الفلسطينيين. ورغم عدم وجود تهديدات مباشرة، فقد تمكنت إسرائيل من استخلاص بعض المكاسب قصيرة الأجل من كارثة مازالت فصولها تتكشف. ومع التعبئة في الغرب ضد جماعة إسلامية متشددة، فإن نتنياهو يجد نفسه في أرض «الحرب على الإرهاب» المألوفة له. وهو يستفيد منها بمحاولة المساواة بين الشعور الوطني الفلسطيني، خاصة الجناح الديني منه، وبين الدولة الإسلامية في كل فرصة متاحة (حتى إذا لم يكن لذلك أثر يذكر). ثانيا تبرز إسرائيل فائدتها للغرب مرة أخرى باعتبارها ركنا للاستقرار وموالاة الغرب في شرق أوسط يموج بخلاف ذلك بالاضطرابات، وتستغل ذلك في دفع القضية الفلسطينية لأسفل جدول الأعمال. وبغض النظر عن هذه الاعتبارات، فإن إسرائيل ترى أن الدولة الإسلامية شيء يحدث لشعب آخر وستبذل قصارى جهدها لإبقاء الأمر على هذا الحال.