عندما نتحدث عن التغيير فإننا نستحضر الدين والسياسة والتربية والمجتمع والحضارة والثقافة والعائلة والمجتمع المدني والأسرة…انطلاقا من مبادئ الفهم والتفسير والتحليل والتقويم. واعتماد على ما ذكر اعتبر العلماء أن للتقوى درجات كما أن للتغيير مراحل ونواميس وسنن أو بلغة صوفية المقامات. فالذي يتقي الكفر فهو في مقام الإسلام والذي يتقي المعاصي فهو في مقام التوبة والذي يتقي الشبهات فهو في مقام الورع والذي يتقي المباح فهو في مقام الزهد والذي يتقي حضور غير الله في قلبه فهو في مقام المشاهدة. بناء على ذلك فسنن التغيير تتأرجح بين حلم النهضة والواقع المعيش والاجتهاد في التحرر من التبعية القاتلة والغاشمة. هذا التحرر الذي قال فيه أحد الأدباء(ما أصعب أن أبقى في نفسي داخل نفسي وأكون لها. وما أصعب أن أخرج منها لأكون الآخر). بناء على جدلية الذات والآخر والواقع والمستقبل يتأسس بناء التغيير اعتماد على المحاور التالية: أولا شروط المسؤولية كيف تؤسس لعمل مؤسساتي محبوب لدى حوارييه؟ كيف نبني التغيير الذاتي والموضوعي بناء على الرؤية العلائقية مع المتعاونين؟ الثابت في هذا المحبة والمودة. باعتبارهما قاتلين لليأس والنكوص والتراجع والألم وصانعين للأمل ونافخين الروح في القيم المؤسسة للتغيير والتجديد. وباعتبارهما كذلك أعمدة ثابتة للفلسفة الثقافية المنشودة. لأنها تمهد لقبول الاختلاف والتنوع. والانتعاش بين براثن هذا الجمال. الذي يجمع الكل للكل لخدمة الكل. في جو من الاحترام والتعاون والمعرفة. وباعتبارهما قاعدتين لتدبير القيم العالية انطلاقا من المقومات التالية: 1-المسؤولية التي لاتعني القسر والجبر على القيام بما ينافي الرغبة الذاتية. باعتبار أن المسؤولية سلطة وثروة تفيد التوزيع العادل لقيم الديمقراطية.وتعويض الجبر بالأريحية المبنية على المصاحبة والمساعدة الطبيعية للنمو دون الدخول في الالتواءات وتحرير الأمور بالهدوء والإقناع.وهذا له امتداد داخلي وخارجي. 2-الإقدام والشجاعة تحطيما للألم وغرسا للأمل بدون تشويش على مستوى الدال أو خلخلة على مستوى المدلول. من أجل بناء القرار المسؤول الذي الانسياب الطبيعي للمسؤولية الحضارية والإنسانية. 3-الأريحية تفاديا للخوف المصطنع وحسن تدبير حكامة المحبة والمودة. والتي تنطلق من فهم الذات وحبها والرقي بها وتأهيلها لمعرفة نقط ضعفها وقوتها لوضع خريطة الطريق تساعد على الاندماج والتعرف على الآخر وهذا مرتبط بالإقدام والشجاعة التي تحدثت عنها سابقا. إن معرفة جدلية القوة والضعف بالنسبة للذات مؤشر حقيقي على رسم معالم التغيير. وبناء الكفاءات والقبول بالإكراهات وعقلنة القرارات ياستحضار المسؤولية وجعلها متناغمة مع قيم التجديد والتغيير التي بدونها لا يقوم البناء المؤسساتي وهذا عمل شاق لكنه يسير لمن يسره الله له" ونيسرك لليسرى ". كما قال تعالى. 4-الاندماج وهذا مبتغى كبير وعمق سنن التغيير. وهذا ما نعتقده إنه ورش كبير ومتشعب للتربية والتكوين. خاصة بالنسبة للنخب المسيرة والتي كلفت بالمسؤولية الحضارية. ونظرا لما يتخبط فيه العالم من فقدان الرؤية. فمن الواجب أن نفتح حوارا حول هذه الأسس غير المادية لبناء الاندماج العالمي في مناخ تسوده المحبة والمودة في ظل ثوابت إنسانية وآدمية. إذن نحن في حاجة إلى نماذج جديدة تؤمن ما ذكرناه.لأن النماذج التي بنيت رغم حضورها المدني المتميز. فقد فشلت في تقديم رأسمال بشري معنوي وفكري يجمع الآدمية وإخراجها من الأذى. ومن الواجب أن ينطلق هذا من قرارات سياسية كبيرة ومسؤولة لوضع خريطة طريق للتربية والتكوين والتعليم. لأنه في البدء كانت الكلمة وسورة الأعلى ستظل دائما الأعلى لأنها انطلقت من نداء أعلى "اقرأ" باسم ربك أي المربي الأكبر الله. 5-الإقناع عن طريق البعد القيمي. خاصة على مستوى المسؤوليات الكبرى. التي تتبنى منطق المصاحبة والتعاون بدل القسر والجبر والاستعلاء. لأن تدبير الموارد البشرية علم وفن وثروة وسلطة ذات بعد إنساني. إن أحسنت الانخراط والاندماج وآمنت عن طريق الانخراط. متجاوزين الأزمة الحالية التي أصبحت تتطلب الرجوع إلى ينابيع القيم العليا المستوعبة للجميع. وهذا استثمار في رأسمال غير مادي فسيح. يبحث على انتماء جديد تتعاون فيه كل الأطراف. وتتحسن فيه العلاقات بين المنتج للمعرفة والمستهلك لها. وهي سياسة قناعة الأذن بما يتحدث به الفم. وهذه الثقة هي التي تؤسس للقوة والتواصل المرن والمثمر. أخلص من هذا المحور المتعلق بشروط المسؤولية إلى ما يلي: 1-ضرورة وجود قيادات رشيدة مؤسساتية تحترم الشأن العام والخاص. خاصة في حالة الاختلاف. لأنه رحمة ونعمة وليس نقمة. 2-استحضار الدور الحضاري للأسر في هذا الواجب الإنساني. وإعطائه الدور الحقيقي المنوط بها وعدم اعتبارها دكاكين ضيقة مغلقة بين الجدران. خاصة على مستوى إشراكهم في اتخاذ القرارات والسياسات العمومية المتناغمة مع القيم. وإعطائها قوة وطاقة لتكون ايجابية بحجة أنها مختبرات للأصول والقيم ولبنة لعلم التغيير التطبيقي وهذا عمل متواصل لا يتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 3-العالم يحتاج إلى تغيير في المفاهيم لأن هناك مستجدات قوية أصبحت تهدده. إن لم يستوعبها بالمقاربة الحضارية بدل المقاربة السلاحية التي لاتزيد الطين إلا بلة. ومن تم هناك ضرورة قيمية لوضع رؤية للتغيير وتحديد الأهداف القريبة والبعيدة خدمة للأجيال الصاعدة. إن الربح المادي ضروري من أجل ضمان لقمة العيش لكن الإشكال هو غياب الاستثمار في الربح غير المادي ليحصل التناغم بين ما هو طبيعي وإنساني واجتماعي. وهذا نداء الضمير والقيم الإنسانية الدائمة والدفاع على انتماءات شاسعة ومستوعبة. ثانيا الثقة في النفس وسنقارب هذا المحور انطلاقا من ثلاثة محاور: 1-صناعة الثقة إن صناعة الثقة في النفس مرتبط بوضع رهان ومثال يجب أن نتوق إليه. وهذا رأسمال مهم. إنه التزام معنوي مع الذات.وتقويم ذاتي للكفاءات الشخصية وتحضير طبيعي للعلاقات مع الآخر. واندماج في الدينامية الجماعية. والانخراط في قيم الوجود والانتماء ومقياس النمو والتطور. 2-إكراهات المسار إن هذا المثال والرهان يعرف اكراهات وهو يشق رحلته المعنوية والمادية انطلاق من مكونات البيئة على المستويات التالية: -العلاقات الانتاجية والاستهلاكية. -الكفاءات من حيث المعرفة وتوفير الآليات والتجربة والمتطلبات التقنية. -طريقة العمل في علاقتها بالقيم. والمؤسسة والانتماء وطرق التدبير وممارسة القيادة الرشيدة والمسؤولة. -التطور والنمو على مستوى تصميم المجال وتوفير إمكانات التقدم وتحقيق الايجابيات. 3-المصاحبة المهنية تكون مباشرة أو غير مباشرة منذ انطلاق الإنسان في مساره.مركزين على دور الذات في التغيير. بناء على تعاقد مادي ومعنوي. متناغم مع متطلبات المرحلة. انطلاقا من توجهات خمسة: أ-توضيح الرؤية والحاجيات من أجل رسم معالم التحصيل. ب-تطوير دينامية العمل الجماعي . ج-دمج قيم المؤسسة وزرع ثقافة المؤسسة. د-دعم المقاربة التشاركية من اجل جعل الحاجيات متصاعدة وتوضيح الغايات والأهداف. خلاصات إن سنن التغيير ليست وجبات جاهزة وإنما هي احتكاك بواقع معيش وإحداث حوار دائم بينه وبين القيم المستهدفة. وهذا ما يدفعنا إلى احترام ما يلي: -الاستقامة والالتزام. احتراما للحظة والاحتكاك بالواقع المعيش وعقلنة طرق التصريف في جو من الاحترام والنمو الطبيعي والاعتقاد الراسخ. -العلاقات الناجحة. على المستوى الفردي والاجتماعي واستحضار الفئات المستهدفة والتحضير الجيد للقاءات حتى تكون مثمرة. بناء على البعد الهوياتي والثقافي والمؤسساتي. -التحصيل واليقين. انطلاقا من العمل في أجواء عالية على مستوى الإنجاز واليقين في النجاح. بناء على تحصيل يمتح مشروعيته من الملاحظة والبرهنة والمعرفة. إن سنن التغيير ليست مثالية وإنما هي واقعية تحترم المرحلية والتوثيق والإنجاز والتعاون. والعمل بالملفات ووضع خريطة طريق واضحة المعالم. والحوار المستمر وتطوير آليات التقويم التعاقدي…