هناك مثال شائع يقول أن الذي "يلعب بالنار يحرق أصابعه"، وهو مثال يقال لكل من يلعب على أكثر من حبل من أجل نيل مآرب شخصية. هذا المثال إذا ما أردنا تطبيقه في السياسة فسيتغير مضمونه كاملا، لأن الذي يلعب بالنار في السياسة يحرق نفسه بشكل كامل. و آخر هؤلاء المحترقين في عالم السياسة هو إدريس لشكر، الكاتب الأول، وربما الأخير، لحزب الاتحاد الاشتراكي ل"القوات الشعبية". مناسبة هذا المقال هو تصويت الشبيبة الاتحادية في مؤتمر "اليوزي" على أعداء وحدتنا الترابية في مس خطير بأحد الثوابت الوطنية. التصويت لصالح "البوليساريو" لا علاقة له بالموقف الإيديولوجي للحزب، ومتى كان الاتحاد الاشتراكي حليفا لأعداء الوطن؟ و هو بطبيعة الحال بعيد كل البعد عن طيش الشباب، لأن الشبيبة الاتحادية على عهد لشكر مجرد دمية مسرحية تتحرك عن بعد. فلماذا هذا الموقف في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا مر لشكر للسرعة القصوى في تنزيل مخطط ابتزاز الدولة؟ جزء من الجواب عن هذا السؤال سيبقى معلقا إلى يوم 7 أكتوبر القادم والجزء الآخر متضمن في نتائج انتخابات 4 شتنبر، التي من هول صدمتها دفعت لشكر لارتكاب حماقة بتشكيكه في نزاهتها، فما كان من الملك في افتتاح الدورة الخريفية إلا أن رد على هذه التهمة بدعوة الأحزاب التي فشلت في حصد ثقة الناخبين إلى "القيام بنقد ذاتي لتصحيح الأخطاء و تقويم الاختلالات" وعدم التباكي على الأطلال، لأن التشكيك في نتائج الانتخابات يتجاوز بباسطة اللجنة الوطنية ويتجاوز الحكومة أيضا إلى رئاسة الدولة، ويمكن أن يفهم منه أن الملك يتدخل في العملية السياسية و يهندسها وفق مزاجه. حزب الاستقلال تلقف نصيحة الملك وقام بنقد ذاتي و أعاد تموقعه في المشهد السياسي في الوقت الذي ظل فيه الاتحاد الاشتراكي مترنحا، و لأن لشكر لا يستفيد من الدروس فقد أمر شبيبته بالرد على نصيحة الملك في بيان أول قالت فيه ب "إن الوضع الداخلي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية شأن يخص الاتحاديين والاتحاديات، وهو ليس في حاجة إلى تلقي الدروس من أي أحد حوله، مهما كانت سلطته ومكانته في هذا البلد"؟؟، قبل أن تنفض الغبار بشكل مفاجئ عن مطلب الملكية البرلمانية وتتحدث عن "المآلات الكارثية التي من الممكن أن تؤدي بالمغرب وبنموذجه الديمقراطي، نتيجة للنزعات التحكمية التي تغوّلت من جديد بشكل لافت جدا قبل و بعد انتخابات الرابع من شتنبر" في بيان ثان في ظرف وجيز. هذا الإسهال في المواقف الذي أصاب قيادة الاتحاد وشبيبته وسوء الأدب مع الملك لم يمر دون حساب، وجاء الجواب من القصر بسرعة في الذكرى ال 50 لاختطاف و اغتيال المهدي بنبركة، حيث بعث الملك رسالة لعبد الرحمان اليوسفي، رفيق الرئيس الشهيد،خلال الاحتفال الذي أقامه بالمكتبة الوطنية بالرباط بدل توجيهها لإدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، وهي رسالة تحمل عدة دلالات،منها أن القصر لا يعتبر القيادة الحالية للاتحاد ناضجة ولا وريثة شرعية لتراث بنبركة.بعد هذه "القرصة" خرج لشكر هذه المرة بنفسه في حوار على جريدة "المساء" قال فيه بأن "الذي لا يحلم بالملكية البرلمانية ليس ديمقراطيا". لكن لشكر فقد الكثير من وزنه السياسي منذ أن ابتلع لسانه بعد تعيينه وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، ولذلك فهو أشبه اليوم بفزاعة لا تخيف، فالكل أصبح يدرك أن هذه المطالب المناسباتية تبطن عكس ما تظهر.فماذا يريد لشكر بالضبط؟ لشكر يريد أن يحيي فكرة اليسار لكنه في المقابل يغرق حزبه منذ وصوله للكتابة الأولى بيمينيين محافظين، ثم يرتمي في النهاية في حضن حزب ليبرالي استئصالي تحكمي جعل من وأد الأحزاب الوطنية، ومنها الاتحاد الاشتراكي مشروعه المقدس. فالمتتبع لمسار حزب بنجلون، الذي كان تحمل مسؤولية تنظيمية فيه جريمة تستوجب المتابعة والمحاسبة، يلاحظ أن هذا الحزب وصل مع لشكر درجة كبيرة من الاختناق لم يعد معها قادرا لا على الموت و لا على التنفس، وهو منظر لا يسر إلا القوى التحكمية. لشكر يريد أن يبقى في الضوء و لذلك فهو يرقص على أكثر من حبل، الملكية البرلمانية و اغتيال بن بركة و تزوير الانتخابات والمسألة الحقوقية و 20 فبراير و… لكن حتى الآن لا حبل من هذه الحبال أوصله إلى الضفة الأخرى، بل العكس هو الذي وقع، فكل المؤشرات تقول بأن الاتحاد سائر إلى زوال ما لم يستقيل لشكر و يضع مفاتيح الحزب بين يدي من بقي من عقلائه، فحتى لو ألغيت العتبة، التي كان الاتحاد إلى ماضي قريب يطالب برفعها إلى 10 في المائة، فلن يكون بمقدور هذا الحزب الكسيح، على عهد لشكر، منافسة بقية الأحزاب.لشكر يريد ببساطة نصيبه من الكعكة ولكن بمنطق ما قبل 2011، غير مدرك بأن مياها كثيرة قد سرت تحت الجسر.