على الرغم من التحسن الذي يسجله الحقوقيون إلا أن هناك شبه إجماع على أن قضايا كبرى لا تزال عالقة، من أبرزها عدم تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعودة الهجمة ضد الحقوق، واستمرار المفارقة بين النصوص والالتزامات الرسمية من جهة والممارسات من جهة ثانية. النشناش: رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان الملك صالح الشمال مع الدولة لكن إصلاح التعليم بعيد أتذكر أن محمد السادس حين جلس على العرش، أول ما تحدث عنه، في خطابه الأول، هو «مفهوم الجديد للسلطة»، وأوضح العلاقة بين المواطنين والسلطة في إطار مقاربة حقوقية، وذلك ما تبلور في كل الخطابات التي تلت، حين تناول مواضيع التنمية وتنزيل المطالب الحقوقية. بعد ذلك جاءت مرحلة الإنصاف والمصالحة، وذلك بتوصية من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حينها تم تعويض من ظلموا في العهد السابق عبر المحاكمات والاعتقالات، بالإضافة إلى جبر الضرر الجماعي لمجموعة من المناطق. ومن أبرز ما ميز فترة حكم الملك، هو «خطاب أجدير» الذي دشن المصالحة بين أهل الشمال والدولة، بعد أن ذاق أبناؤهم خلال حكم الحسن الثاني التهميش جراء الانتفاضات التي وقعت، ورفع ذلك الحقد الذي زرعه فيهم إدريس البصري. كما لا أغفل المكانة المتميزة اليوم للمرأة في المجتمع بفضل الإصلاحات الذي دشنها الملك، وذلك عبر إخراج مدونة الأسرة إلى الوجود، وكذا إطلاقه لمشاريع التنمية البشرية داخل مجموعة من المدن والقرى التي أصبحت تستفيد الآن من شبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب. ما وقع خلال الربيع العربي كان «فوضى خلاقة» أشعلت الفتن والحروب، وبفضل دستور الملك الجديد خرج المغرب سالما. وهنا أريد أن أشير إلى أن تنزيله مرتبط بعقلية الحكومة، التي يتحكم فيها أناس غير منفتحين ولا يؤمنون بالعهود الدولية. من وجهة نظري، أعتقد أن ما ينقص المرحلة هو استمرار مسلسل تنزيل الدستور، والقطع مع التحكم في الإعلام واحتكاره، ووقف متابعة الصحفيين والتضييق على حريتهم ومنعهم من الوصول إلى المعلومة، رغم دستورية ذلك، أضيف إلى ذلك أن أكبر نقطة سلبية وهي وضعية التعليم الذي لم يراوح مكانه، نظرا لما يعانيه من غياب المساواة في ولوجه، وكذا تكليف نفس الوجوه الفاشلة في البحث عن حلول له، كما تابعنا في تنصيب المجلس الأعلى للتعليم، فاجأتنا الأسماء، ونحن -في هذا الجانب- متشائمون.
آمنة بوعياش: نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان المشكل يكمن في التفاوت بين النصوص والممارسة يمكن القول أن المغرب حقق تطورا مهما خلال الخمس عشرة سنة الماضية على أكثر من صعيد. دستوريا، لدينا اليوم تنصيص واضح على الحريات والحقوق كما هي متعارف عليها عالميا. قانونيا، قمنا بمراجعة الإطار القانوني بشكل جوهري، والقانون الجنائي تمت مراجعته سنة 2003، وتتم مراجعته حاليا على ضوء خلاصات الحوار الوطني حول منظومة العدالة، وعلى ضوء دستور 2011 كذلك. ولدينا اليوم مدونة أسرة عصرية ومتطورة، كما لدينا إطار قانوني للحكامة الجيدة. من الناحية المؤسساتية، لدينا مؤسسات فعالة، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي تأسس على ضوء مبادئ باريس، باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة تعنى بحماية حقوق الإنسان. ولدينا مؤسسات أخرى مثل مؤسسة الوسيط لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة. إذن، يمكنني القول إن البناء المؤسساتي والقانوني والدستوري موجود وقائم، لكن المشكل حاليا يكمن في التدبير؛ أي في تفعيل وتنفيذ كل المقتضيات الدستورية والقانونية للارتقاء بحقوق الإنسان. فالدستور والقانون مثلا يكفل حق التظاهر، كما أنه يكفل محاربة الرشوة، لكن على أرض الواقع هناك شيء آخر، أي أن هناك تفاوت بين النص والممارسة. وأعتقد أن مشكل التدبير هذا يمكن معالجته على مستوى أمرين: الأول، تفعيل المراقبة، أي أن تنهض المؤسسات الحقوقية؛ الرسمية والمدنية، بدورها كاملا في حماية حقوق الإنسان. ثانيا، تفعيل مبدأ المحاسبة، فالانتهاكات تعرفها أيضا الدول الديمقراطية، لكن الفرق أن الجميع تحت سلطة القانون، ومن يخرق القانون يُحاسب ويُعاقب. وأظن أنه ليس لدينا تصور للقطع مع الإفلات من العقاب، وهذا ما ينبغي العمل من أجله مستقبلا.
الهايج: رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المغرب عاش محاولات الانتقال لكن أجهضت بسرعة الحديث عن حصيلة 15 سنة من حكم محمد السادس، مسألة تتطلب التفكير والتركيز، لكن بالنسبة إلينا كجمعية ضمن الحركة الحقوقية، ما يمكن القول بأنه تحقق في مرحلة محمد السادس هو محاولة البحث عن إمكانية لنوع من الانتقال، من مرحلة طبعتها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى مرحلة أخرى يفترض فيها أن تكون مرحلة تنبني على حقوق الإنسان والقانون والديمقراطية، لكن هذه المحاولات أجهضت بسرعة، وذلك مرتبط بالعديد من التراجعات. ومن بين التراجعات التي أجهضت محاولة الانتقال، تخلي الدولة عن إنزال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة طيلة هذه الفترة، والتي كانت ستشكل حدا أدنى لما يمكن أن يكون منطلقات أولية للولوج إلى المغرب الجديد، لو ترجمت فعليا في إطار إصلاحات سياسية ودستورية تعيد القيمة للفعل على جميع المستويات. أتأسف على التراجعات التي عرفها المغرب، والذي عاش احتباسا قويا انفرج مرحليا خلال الحراك الشعبي عقب 20 فبراير، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى سابق عهدها، وذلك يتجلى أساسا في عودة السلطة المطلقة إلى وزارة الداخلية ومقارباتها الأمنية، والتضييق على الحريات، نتيجة إقدام الدولة على ممارسة سلوكاتها القديمة. .
الرياضي: الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان دستور 2011 تضمن إيجابيات، لكن القضاء غير مستقل أظن أن الهجمة الحالية على الحركة الحقوقية تؤكد أن شيئا لم يتحقق. نحن في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نتعرض لتضييق غير مسبوق، منذ 2001، بعد تصريحات وزير الداخلية محمد حصاد. دأبت فروع جمعيتنا على تنظيم مخيمات ربيعية وصيفية، لكنها –الآن- منعت، وكل الحجوزات لقاعات عمومية من أجل أنشطة حقوقية تم إلغاؤها. هذه الهجمة غير مسبوقة، وتؤكد أن ثمة فرق واضح بين النص والممارسة. في البداية أعلن عن مسلسل، كان أبرز ما فيه إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، لكن في الوقت الذي كانت فيه هذه الهيئة تشتغل، كانت تجري انتهاكات وتعذيب للتيار السلفي، باسم محاربة الإرهاب. والمحزن أنه بينما استمرت الانتهاكات لم تنفذ توصيات الإنصاف والمصالحة. أخيرا صدرت دراسة بين منظمة «هيومن رايتس ووتش» بتعاون مع جامعة كولومبيا تشير إلى أن جهاز الأمن الفيدرالي الأمريكي(FBI) شجع على قيام جماعات إرهابية، وعلى تنفيذ أعمال إرهابية، وهذا يطرح علينا سؤالا عميقا حول حقيقة ما جرى في المغرب كذلك. ومن مخلفات تلك الفترة، ليس الضحايا فقط وهم كثر، بل قانون الإرهاب، الذي أصبح سيفا مسلطا على الجميع، تستخدمه الدولة كسلاح ضد أبرياء، ومنهم صحفيين(حالة أنوزلا). نحن منذ البداية طالبنا بإلغاء هذا القانون، ولازلنا نطالب بذلك. صحيح أن دستور 2011 تضمن إيجابيات، لكن المشكل أن القضاء غير مستقل. هناك قضاة نزهاء حتى أن بعضهم دفع ثمن استقلاليته، بيد أن القضاء كجهاز لا زال يقبل الخضوع للتوجيه والتأثير. ولهذا، لا زالت أمامنا مسافة لتحقيق مطلب المحاكمة العادلة، كما لازال الطريق طويلا أمام تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
المنوزي: رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف هناك انتعاش حرية التعبير لكن تم تهريب مطلب الملكية البرلمانية سؤال، ماذا تحقق في مملكة محمد السادس خلال 15 سنة من الحكم؟ يفترض معالجته من زاويتين: الأولى، مرتبطة بانتظارات المجتمع. والثانية، مرتبطة بالالتزامات التي أطلقها الملك. بالنسبة إلى الزاوية الأولى -حسب وجهة نظري- هو أن الانتظارات في الشارع تضخمت خلال السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى مرحلة الإجماع في المطالبة بالإصلاحات، باستثناء الذين ينتمون إلى «اللوبيات» التي تستفيد من استمرار «دولة المصالح». إصلاحات من أهم ركائزها القطع مع «العهد البائد»، والرهان على «ملك شاب»، أطلق رفقة مساعديه العديد من الالتزامات؛ أبرزها «المفهوم الجديد للسلطة»، وملك «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، وملك «الفقراء»، بالإضافة إلى الإصلاحات داخل المؤسسة القضائية، وتشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة. وبين الانتظارات والالتزامات الملكية، أعتقد أن مجموعة من المظاهر التي طبعت المرحلة، تظهر استمرار سيطرة المقاربة الأمنية، وتلكؤ الدولة في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، أضف إلى ذلك احتكارها للتدبير في أقوى القضايا المصيرية، وتسليم تدبير الشأن الحكومي لليمين الحزبي والإداري ذي العلاقات المتذبذبة مع القانون الدولي والعدالة الانتقالية. إن أخطر ما عرفته المرحلة هو تهريب مطلب الملكية البرلمانية، وكذا طمأنة بعض الجهات بإصدار قانون حصانة العسكر، الذي يعتبر كصك يشرعن الإفلات من العقاب، لكن مع ذلك يجب أن أشير إلى وجود ملامح التميز بين العهدين، خاصة على مستوى رفع جدار الخوف، وانتعاش حرية التعبير، وإن كانت لا تزال مشروطة بمقتضيات «كل ما من شأنه» النائمة كالفتنة..