قريبا نكمل الشهر الرابع بعد انتخابات أكتوبر ومازال بنكيران يفتش عن وزرائه، والفضل كله يعود إلى إفريقيا التي عدنا إليها بعد أكثر من ثلاثين عاما، دون حاجة إلى حكومة. في البداية استُبْعِد حزب "الاستقلال" من الحساب بذريعة إزعاج دولة إفريقية هي موريتانيا، ثم انتخب رئيس للبرلمان من حزب لم يفز بأكثر من عشرين مقعدا، بحجة العودة إلى الاتحاد الإفريقي… وعاشت إفريقيا التي تلعب دورا حاسما في تشكيل الحكومة: إفريقيا القارة وإفريقيا الغاز! أربعة أشهر والغموض مازال يلف مصير ما نُسميه ب"الانتقال الديمقراطي"، الذي يبدو كأنه تحول إلى "انتقام" ديمقراطي من حزب "العدالة والتنمية"، صاحب أكبر "جريمة" سياسية في تاريخنا الحديث: استطاع الحفاظ على شعبيته رغم خمس سنوات من ممارسة السلطة، دون أن يتصدع أو يتشتت أو يتفتت، بل ربح الانتخابات، ومازال يرفض الانصياع لما يمليه عليه سكان "الطابق الأعلى"، الذين يُمسكون ب"التيليكوماند" ويسيرون النخب والأحزاب وأخنوش والعنصر ولشكر، ويصنعون الشمس والمطر والخرائط الانتخابية! اللعبة السياسية تشبه جولة في "البوكر" أو "الرامي"، يختلط فيها التشويق بالحساب والتخطيط بالحظ، ولا تستقيم إلا بعدد معين من "الجوكيرات"، تلك الورقة السحرية التي تقوم مقام كل الأوراق، والمحظوظ من تقع بين يديه، لأنها تسهل اللعب وتصنع الفوز. لكن عندما نتأمل ما يجري في المغرب، ونحن نفكر في "البوكر"، نجد أننا أمام لاعب يحمل في يده عددا كبيرا من "الجوكيرات"، في الوقت الذي لا يملك فيه من يلعبون معه إلا الأوراق التي جاد بها الحظ. القواعد مختلة والمواجهة غير متكافئة، و"الجوكيرات" تهزم "الكارطة" العادية، مهما كان حظ أصحابها جيدا! بدأ "الطرح" يسخن بعد تظاهرات العشرين من فبراير 2011، حين اضطر أصحاب اللعبة إلى "ضمس الكارطة" من جديد، وتفريقها على اللاعبين، مع احترام الحد الأدنى من قواعد اللعب، بخلاف ما جرت عليه العادة، مما أسفر عن فوز "العدالة والتنمية" بالانتخابات وتنصيب عبدالإله بنكيران رئيسا للحكومة، والدخول في فترة "تعايش" سياسي غير معلنة، استغرقت خمس سنوات، و"تنذر" بالاستمرار خمس سنوات أخرى، إذا لم تنجح الخطط السرية والمناورات العلنية وقشور الموز التي تُرمى من كل جانب… في إسقاط بنكيران على قفاه! مكرهٌ أخاك لا بطل، والطبع يغلب التطبع. هدأ الشارع، وتحول الربيع ووروده إلى شتاء أحمر، وجرت مياه معكرة تحت الجسر، وبات أصحاب "الحل والعقد" مقتنعين أنهم تسرعوا في "ضمس الكارطة" وتعديل الدستور. أي حماقة أكبر من استحداث منصب رئيس الحكومة ومنحه صلاحيات واسعة، وجعل تسميته مرتبطة بالحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات؟ لقد اكتشفوا أنهم لا يستطيعون القفز على أسمى وثيقة صوت عليها المغاربة، وأصبحوا يتحكمون في المشهد بصعوبة بالغة، خسروا كل الأوراق ولم يبق في يدهم إلا "الصوطة المسخوطة". فكروا ودبّروا وقرروا أن يغرقوا اللعبة ب"الجوكيرات". "الجوكير" الأول كان يركب "التراكتور"، بدون رخصة، ويدعي أنه سينظف المشهد السياسي من "الزغب" ويكسر "المصباح" على رؤوس أصحابه، لكن الإرادة الشعبية فضحته في السابع من أكتوبر، وبات يقود جرارا "مفشوش" العجلات، سرعان ما أُحيل على "لافيراي". الجوكير الثاني، نزل بمظلة في عش "حمام"، كي يطير بالحقائب والمناصب، ومازال يواصل "الطيران من المقلة" ويضغط على رئيس الحكومة المنتخب، ولا شيء يؤكد أنه سيحقق المأمول. الجوكير الثالث، أخرجوه من خزانة قديمة، وتوَّجُوهُ رئيسا للبرلمان. من إدريس البصري إلى إدريس لشكر لم يتعب من المتاجرة ب"القوات الشعبية"، الحزب المسكين، الذي أصبح مثل شخص معاق على عربة متحركة، يشحذون به في الطرقات والصالونات وتحت القبة: "عاونو هاد المعطوب الله يرحم بها الوالدين"… الناس يتذكرون الرجل، عندما كان في أيامه، ويعز عليهم مصيره، لذلك، لا يترددون في مساعدته، والصدقة صدقة… حتى لو كانت رئاسة مجلس النواب!