انشغال الاستخبارات الأمريكية بانتقال العرش في المغرب كان كبيرا. في وثيقة أُعدت شهر غشت 1982، أجرت تقييما وكتبت أن "الحسن الثاني كان يعتقد بأن وجود مجموعات حيوية في نظامه داخل مجلس الوصاية سيحافظ على المساندة الشعبية للملكية في حالة ما إن مارس المجلس سلطته في وقت ما"، لكنها رأت أن "الخدام الأوفياء للعرش العلوي هم في من يشاطرون عضوية مجلس الوصاية، وغالبيتهم كانوا أكثر الأشخاص ثقة عند الحسن الثاني في العشرين عاما السابقة، واثنان منهم من أفراد العائلة". وقدرت الCIA أن يكون الجنرال محمد الدليمي، المستشار العسكري والاستخباري للملك، "هو العضو الوحيد الذي سيكون الأقوى والشخصية السياسية الأكثر استقلالية، ونعتقد بأن الحسن الثاني يأمل في أن تبقى السلطة الحقيقية والقدرة على التحكم في فترة الانتقال في يد الدليمي ومستشاره السياسي أحمد رضا اكديره، بينما يعمل الآخرون كنوع من الخاتم المطاطي لتزكية قرارتهما، في سعيهما لإظهار الدعم للملكية الجديدة". وخمنت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن "يكون لوزير الداخلية إدريس البصري تأثير قوي مع تولي سيدي محمد للحكم، أو حتى مواجهة وتحدي آراء مجلس الوصاية". وكتبت أن "سفارتنا في الرباط رفعت تقارير تشير إلى أن البصري رجل خشن وموظف فعال في تنفيذ التعليمات، ويؤيد الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين. وبوصفه ذو ولاء كبير للملك، فإن البصري قد ترك لإدارة البلاد لمرة عدة عندما كان الملك والدليمي خارج المغرب". ولأن البصري كان يشاطر المسؤوليات الأمنية بمعية الدليمي، فإن الCIA كانت تعتقد بأن "صراعا كبيرا في الكواليس بينهما قد يحدث في عهد ما بعد الحسن الثاني. ونرى بأن البصري تنقصه قاعدة صلبة لمارسة السلطة بنفسه، ولذلك، من المرجح أن يخدم أي وريث للعرش بالطريقة نفسها التي خدم بها الحسن الثاني". مولاي العربي العلوي. مفاوض الأمريكيين على مناجم المغرب لكبح سلطة الفرنسيين وثيقة أخرى مؤرخة في 5 دجنبر 1946، تسلط الضوء على دور كان يطلبه محمد الخامس من الأمريكيين في المغرب في فترة الاستعمار الفرنسي. عنوان الوثيقة هو "وجهات نظر مولاي العربي العلوي حول أنشطة الفرنسيين والروس بالمغرب"، كُتب فيها: "بحسب المتحدث، فإن "الفرنسيين يخططون لمنح بديل عن وضعية الحماية القائمة للمغرب عبارة عن تحالف بين الدولتين لكل سيادته. هذا التنازل الواضح من شأنه كما يؤكد العربي، أن يمنح فرنسا سلطة أكبر في المغرب عما عليه الحال في وضعية الحماية، مادام الاتفاق سيكون ثنائيا بشكل حصري فقط. ويضيف العربي أن فرنسا تنوي مواجهة قوى اتفاق الجزيرة الخضراء بأمر واقع مثل هذا، ويقترح بأن أي تحرك لقوى خارجية أخرى يجب أن يكون سريعا بالقدر الممكن. "يجب أن تكونوا متيقنين"، كما يقول العربي "بأنه إن لم تفعل قوة ما شيئا بشأن هذا الأمر، فإن فرنسا ستأخذ كل ما ينطوي على قيمة في المغرب وسيقدم ذلك باعتباره عملا قانونيا". وفي ضوء ما سبق، فإن العربي يقول بأن "سلطان المغرب سيرحب بأي مساعدة مصدرها الولاياتالمتحدة بهدف تقليص تأثير الفرنسيين على المغرب، وفي مقابل ذلك، فإن السلطان مستعد لمشاركة الأمريكيين بالتساوي في استغلال المناجم، بل وسيمنح حقوقا حصرية للشركات الأمريكية. ويؤكد العربي بأن "منطقة بو عازر مثلا تحتوي على كمية كبيرة من الكوبالت والمنغانيز في وضعية غير مستكشفة، ويمكن استغلالها من لدن الشركات الأمريكية.وعلاوة على ذلك، يطرح العربي مخزونا هائلا من الحديد ومعادن أخرى في منطقة أغاوز، وهي منطقة لم تستغل مواردها ولا يمكن أن تستغل إلا إن تيقن السلطان بأن الفرنسيين لن يتحكموا في هذه المعادن الموجودة بالمغرب". ويشير العربي إلى الحاجة لتشييد طرق سريعة نحو مناطق التعدين في المغرب في الأطلس، ومد السكك الحديدية حتى أكادير. وبحسبه، فإن بنك باريس والأراضي المنخفضة (وهو البنك الرسمي للمغرب)، وشركة المواصلات المغربية وشركة التعدين حصلت على اتفاقات كبيرة لاستخراج المعادن في المنطقة، لكن مشروعيتهم القانونية محل شكوك. ويقول العربي إنه عضوا في اللجنة التجارية الروسية حل بالمغرب مؤخرا ناقش معه الحصول على عقود لاستغلال مناجم الحديد. وقد عرض الروس تمويل كافة التجهيزات والوسائل والمواصلات والمعدات التقنية، وأيضا بواخر النقل من ميناء أكادير، وسيبدؤون العمل إن وافق المغرب، في ربيع عام 1947. وقد طالب الروس بعقود وتراخيص طويلة الأمد، مع حقوق بالعبور الجوي إلى مناطق محددة حيث ستجري عمليات التنقيب والاستخراج. لكن العربي يقول إن المسؤولين الفرنسيين الحاليين غالبا لن يمنحوا للروس هذه الرخص، لكن "المسؤولين الذين سيأتون لاحقا قد يعطونهم مال يشاؤون". العربي خلص إلى أن "المغاربة كما هو واضح، ليس لديهم الوسائل ولا القدرات لاستغلال الثروات المعدنية في بلادهم، لكن سيأتي شخص ما لتوفير كل الوسائل في المستقبل القريب. وسيكون مربحا أكثر للمغرب من الناحية المالية، والدينية والاقتصادية، إذا كانت الولاياتالمتحدة هي من ستقوم بعمليات الاستغلال هذه". وأضاف أن "وجود الولاياتالمتحدة سيعزز محمد الخامس على مقاومة الإيديولوجية الشيوعية، فهو واع بتأثير الشيوعيين على الطبقات الدنيا بالمغرب، كما بتأثيرها على السياسات الاستعمارية". وأخبر العربي الأمريكيين أن محمد الخامس سيزور طنجة قريبا. وهو يقول بأن الفرنسيين يعتقدون بأنه لن يكون من مصلحتهم الاعتراض على رحلته هذه. وأسر العربي أيضا بأن محمد الخامس سيدعو إليه محمد المكي الناصري زعيم حزب الوحدة في تلك الزيارة إلى طنجة.