بعد كل ما شهدته دول الربيع العربي في السنتين الأخيرتين، من عودة الجيوش إلى الواجهة وتحوّلها إلى فاعل سياسي مباشر، سواء في تونس حيث كان للجيش دور حاسم في إسقاط حكم زين العابدين بن علي، أو في مصر حيث كان العسكريون وراء الانقلاب الناعم على حُكم الإخوان المسلمين الفتي؛ أصبح مقدار الأضواء المسلّطة على المؤسسة العسكرية في المملكة الشريفة أكثر كثافة. وبمجرّد دخول الدستور الحالي حيّز التطبيق، وبتنصيصه، وإن بشكل غير واضح، على إمكانية إعطاء الأولوية للمعاهدات والمواثيق الدولية على حساب القوانين الداخلية للمملكة، انطلقت دينامية تشريعية وتنظيمية غير مسبوقة في المجال العسكري. ورغم أن هذه التشريعات والمراسيم صدرت عن البرلمان والحكومة، إلا أن المؤسستين معا تقرّان علانية بعدم مشاركتهما في تدبير المجالين الأمني والعسكري، وتفويضهما ذلك بشكل تام ومطلق إلى الملك. وحتى عندما خصّص مجلس النواب إحدى جلسات مساءلته الشهرية لرئيس الحكومة، للموضوع الأمني، تحوّلت الجلسة إلى سوق عكاظ تنافس خلاله الوزراء والنواب، معارضة وأغلبية، على كيل المديح للمؤسسات الأمنية والعسكرية. أول مشروع قانون وضع على طاولة رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران قادما من مختبرات الأمانة العامة للحكومة، حاملا لأول مرة رقما تسلسليا برسم العام 2012، خصّص لشمل العسكريين بمختلف رتبهم ومواقعهم، بحصانة جنائية مطلقة، أمام التشريعات الوطنية والدولية. فقد فتح مشروع القانون الذي قدّمته ّإدارة الدفاع الوطني للبرلمان، تحت مسمى "ضمانات العسكريين"؛ أول معركة من نوعها بمجلس النواب، حيث قضت لجنة الخارجية والدفاع الوطني والجالية، أياما عديدة في نقاش محموم حول مضامين هذا النص الجديد. وأثار هذا المشروع تساؤلات عديدة، حول أسباب التعجيل بتقديمه كأول قانون تقدمه حكومة بنكيران للبرلمان ثاني هدايا حكومة الدستور الجديد للقوات المسلحة الملكية، كانت الزيادات التي أقرها رئيس الحكومة وبواسطة مراسيم خاصة، رفعت من قيمة التعويضات التي يتلقاها العسكريون من قبيل التعويضات الخاصة بالأكل، حيث أقر بنكيران زيادة تقدّر بدرهمين ونصف درهم عن كلّ يوم. وفي كلّ مرة طُرح فيها مشروع أو مقترح قانون ينزّل مقتضيات الدستور الجديد، في الحكامة والرقابة على مالية المؤسسات العمومية، كان الفاعلون السياسيون يتسابقون لوضع المؤسسة العسكرية وتدبيرها، على رأس قائمة الاستثناءات التي لا يمكن الاقتراب من أسرارها وأسرار صناديقها وطرق صرف اعتماداتها. آخر هذه الاستثناءات، ما أجمعت المشاريع المقدّمة بشأن القانون التنظيمي حول لجان تقصي الحقائق، على تضمينه في وثائقها، لإبعاد الشؤون الأمنية والعسكرية عن متناول البرلمانيين، وربط أي محاولة للتحقيق أو الاستفسار، بموافقة صريحة من رئيس الحكومة، وهي الموافقة التي تدخل في باب المستحيل. وتعزّزت التحولات المتسارعة في الشأن العسكري بصدور ظهير ملكي جديد يُمهّد لإمكانية حمل كبار مسؤولي القوات المسلحة الملكية، رتبة ماريشال المملكة، وهو اللقب الذي لم يتردّد كثيرا في تاريخ المملكة، حيث ارتبط ذكره بالمقيم العام الفرنسي "لوي هوبير ليوطي"، ثم بالماريشال أمزيان، القائد العسكري الريفي الذي قاتل في صفوف الجيش الإسباني طويلا.