قالت مونية بناني شرايبي، أستاذة جامعية في معهد الدراسات السياسية والتاريخية والدولية (IEPH)، إنه وبعد 18 سنة من حكم الملك محمد السادس، فإن السردية القائلة بأن الطبقة السياسية هي مصدر كل العلل قد فقدت فاعليتها. وأضافت الباحثة في دراسة حديثة تحت عنوان "سردية الملك الطيب والأحزاب السياسية السيئة" والتي أصدرتها مؤسسة "طفرة" للأبحاث، أنه "بالنظر إلى ما يحدث في الساحة الاحتجاجية (حراك الريف)، يتضح أن جزءا من آلية شرعية الملكية قد صارت متآكلة، وأشارت إلى أنه "إذا كان الانفتاح السياسي قد حول الساحة الانتخابية إلى شيء متقلص، ففي المقابل، عزز ذلك من اتساع الساحة الاحتجاجية، وتراكم المهارات والخبرات من جانب المحتجين، وتطور قدرات التنسيق الأكثر استقلالية وإبطال الميول الاستقطابية للنظام". وفق ما نقله موقع "لكم". وأضافت الباحثة بأنه "في نفس الوقت الذي يتم فيه شجب «الأحزاب السياسية»، يؤكد المحتجون (في حراك الريف) بصوت عال وبقوة أن زمام الحكم بين يد الملك، وهكذا، تقول شرايبي، فإن «تعرية» الملك أصبحت مصدرا للتهديد لدرجة تستدعي استعادة العمل بصيغة «الملك طيب والطبقة السياسية سيئة» كما ظهر ذلك جلياً في آخر خطاب للعرش. وبطريقة غير مسبوقة، استنكر الملك مسألة أنه «عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه». وأوضحت الباحثة في سوسيولوجيا الأحزاب أنه "على الرغم من أن معظم قادة الأحزاب القائمة سارعوا في تولي دورهم في دعم التشخيص الملكي لطبيعة الأزمة، فإن الأصوات المعارضة استعادت عذوبتها، قبل أن تردف قولها « الملك طيب، الطبقة السياسية سيئة» باتت أسطورة في آخر أنفاسها. وثمة سردية مضادة تمهد لنفسها الطريق: وماذا لو أن من يدعي أنه المعالج كان أحد مصادر الشر؟"، على حد تعبيرها. وتابعت شرايبي في دراستها من خطاب العرش في 29 يوليو 2016، إذ أجمع المحللون، تقول شرايبي، على أن هجمة محمد السادس ضد الأحزاب السياسية هي الأعنف على الإطلاق. بيد أنه في المغرب، فإن «أزمة» و«ضعف» و«اختلال» الأحزاب هي شكاوى قديمة. وأضافت أنه وبعد وفاة الحسن الثاني، تم إثراء الجوقة بنغمات جديدة، مع إدخالها في الخطب المتبناه من قطاع واسع من الخطباء: المواطنون العاديون، وسائل الإعلام، فاعلو المجتمع المدني، المنظمات الدولية، ممثلو أحزاب مختلفة، الملك وحتى مجموعة من الباحثين. هذا التوافق التقريبي حول تشخيص «الرجل المريض» يمتد إلى تعريف الأعراض، ولكن تختلف الآراء حول مصادر الشر ووسائل العلاج، تقول شرايبي. وأوردت المتحدثة في نصها على أنه "بعد صعود محمد السادس، سادت المقولة التي كانت سائدة في عهد الحسن الثاني: «الملك طيب ومحيطه سيء»، ثم أخلت المجال للصيغة التالية: «الملك طيب، والطبقة السياسية سيئة». فلعن الأحزاب السياسية، « الفاسدة في مجملها» يعد جزءا أساسيا من آلية إضفاء الشرعية على الملكية. كما لو إخراج المشهد لملك قريب من الشعب، فعال ومصدرا لكل الإنجازات الإيجابية للسلطة التنفيذية، والتي لا يمكن تأكيد تجسده إلا عن طريق تصدير السلبية عن «الطبقة السياسية»، ككبش فداء ضروري لإحكام السردية في نسختها الأجدد. واعتبرت شرايبي أن الملك يظهر «كأمير مستنير» قابع أعلى المجال السياسي الوطني، قائم على « رجل مريض»، وقد عكست خطبه هذا التصور للشجب والإنذارات والسمات التي تستهدف الأحزاب السياسية: «الفساد»، تنقل المنتخبين بين الأحزاب بعد انتخابهم، و«غياب الكفاءة»، «البلقنة»، وغياب الديمقراطية الداخلية، وغياب التجذر في المجتمع، إلخ. هكذا، ردد الملك في رسائله إلى الشعب، بشكل متكرر «توجهاته» للأحزاب السياسية، لحثها على إعادة تأهيل نفسها، والاضطلاع بمسؤولياتها، لتصبح «مدارس للديمقراطية»، ولكي "تتماشى مع متطلبات العصر". من جهة أخرى أشارت الباحثة في العلوم الاجتماعية إلى أن "مشكلة (حزب العدالة والتنمية) كمنت تحديدا في كون المملكة ليست في تحول ديمقراطي وأن هذا الحزب ينظر له «كقوي للغاية». في المغرب اليوم، فإن امتلاك قواعد انتخابية مهمة وناشطة، هي أمور أقل وزناً من موافقة القصر. بالتأكيد، فإن الأحزاب يجب أن تحصل على مقاعد من أجل الوصول إلى ائتلافات حكومية، وإلى موارد وولايات إقليمية ومحلية. ومضت المتخصصة في علم الاجتماع السياسي في تحليلها بالقول إنه "باستثناء المهمشين والمستبعدين من النظام الانتخابي، فإن معظم الأحزاب السياسية أظهرت أن في ضعفها قوة. على العكس، فإن ضعف حزب (العدالة والتنمية) كمن في قوته: ولايزال غياب التناسق المتنامي على مستوى نتائج الانتخابات بينه وبين باقي اللاعبين مستمرا في تعطيل تطبيعه. في مثل هذا التكوين، لا يمكن الجزم بأن «الأحزاب» تحديدا هي من تعاني أزمة، ففي الوقت الذي تتضاعف فيه التحديات، فإن ورقة التوت التي كانت تستر السلطوية، «الملك طيب، والطبقة السياسية سيئة»، هي التي خانت علامات الربا". وذهبت المتحدثة ذاتها إلى أن "إعادة تشكيل المشهد سياسي أدت إلى قيام الأحزاب القائمة بالتأقلم مع الآثار المقصودة وغير المقصودة لقواعد اللعبة، والتي ساهمت في إنتاجها، والتي ساهمت فيها مركزية القصر. من الآن فصاعدا، فإن قوة الأحزاب تكمن في ضعفها.