رأي الدكتور مصطفى راجعي – باحث في علم الاجتماع الديني بالجزائر ككل سنة يجدد المغاربة البيعة والولاء لملكهم في طقوس تنقلها وسائل الاعلام على المباشر وهي تقليد عريق في القدم يعود لقرون ومازال المغاربة يرددون كل عام وخلال قرون عديدة في هذه المناسبة الكبيرة عبارات مثل" الله يصلحكم قال ليكم سيدي و الله يرضي عليكم قال ليكم سيدي وتلقاو الخير قال ليكم سيدي" بلغة مغربية عتيقة كماهي الصيغة منذ قرون. و يحضر المسؤولون الحكوميون في مقدمة الصفوف بالألبسة التقليدية وهي زي رسمي ويعبرون عن تجديد الولاء للعرش العلوي منذ القرن 18. خارج المغرب ولمن يشاهد هذه المشاهد عبر الاعلام تبدو غريبة وغير مفهومة و تمس الكرامة وفيها نوع من الخضوع والاذلال وتثير النفور والاستهجان وغريبة عن عصر الديمقراطية وحقوق الانسان. وبالنسبة للبعض هي طقوس ورموز بالية لعهد اقطاعي ولى وعبودية طوعية لم تعد تنوجد الا في هذا البلد، وربما قد يوجد من المغاربة وغيرهم من يتمنى ان تزول كل هذه التقاليد و لايراها الناس في التلفزيون التي تنقل ضمن ماتنقله صور موظفين سامين عسكرين ومدنيين يركعون للملك تعبيرا عن الخضوع هذه الانطباعات عن مشاهد تجديد البيعة والولاء موجودة عنذ الجمهور وعند النخب في الدول العربية الجمهورية، وحتى لدى النخب الحداثية الراديكالية في البلدان الملكية العربية وحتى لدى اليسار المغربي. والنخبة الحداثية تمجد العقل وتجعله معارضا للتقليد. وبالنسبة للنخبة الحداثية التي هي عموما نخب فرنكوفونية تشبعت بالثقافة الجمهورية وهي تعتبر أن عملية التحديث والتطوير تتطلب القضاء على هذه التقاليد. في هذا المقال سأقدم قراءة مختلفة لطقوس حفل البيعة وأبين كيف انها أعراف وتقاليد تجد لها أساس في الحضارة الإسلامية العريقة وطريقة استخدام الجسد فيها للتعبير عن المشاعر و التواصل وهي كذلك تقاليد ملكية موجودة في كل البلدان الذات الحكم الملكي مثل بريطانيا التي سنعتمدها كمثال . أولا، للذين يربطون التقاليد بالتخلف الاقتصادي أقول لهم المغرب بلد التقاليد مثل ما أن بريطانيا بلد التقاليد، ويظهر ان البلدان التابعة للتاج البريطاني مثل إنجلترا و سكوتاندا وويلز ونيوزلندا وأستراليا وكند الانجلوفونية وهونغ كونغ كلها من الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا و هذا يدل على ان احترام البلد لتقاليد عريقة لايعني انه بلد متخلف. وان المغرب لن تمنعه تقاليده من اللحاق بركب الأمم الغنية اذا أراد ذلك لفهم طقوس البيعة والولاء يجب أن نعرف أن الدين يلعب دورا مهما جدا في المغرب وهذا أمر معروف في كل البلدان الملكية و هذا ليس خاصا بالمغرب البلد المسلم فقط وانما موجود في بريطانيا بلد المسيحية كذلك. ملك المغرب له صفة أمير المؤمنين وهذا ليس أمرا غريبا ففي بريطانيا تعتبر الملكة رئيسة الكنيسة "أم الكنيسة" منذ ان انفصل هنري الثامن عن روما واستقلت الكنيسة الانجليكانية عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثامن. كما يشارك رجال الكنيسية في حفل تنصيب الملك الجديد وهم من يضعون التاج على رأسه. وفي مجلس اللوردات هناك دائما رجال دين يتم تعينهم من قبل الملكة. وعلى رئيس الحكومة ان يلتزم بتقاليد الكنيسة التي تشرف عليها الملكة ولما ينتهي من عهدته يمكن ان يرجع الى كنيسته الاصلية( توني بلير الكاثوليكي طوال فترة حكومته كان يذهب للكنيسة التي ترأسها الملكة ولما خرج من الحكومة رجع لكنيسته) وطقوس حفل تجديد الولاء والبيعة في المغرب هي تقاليد موروثة تجد أساسها في الإسلام الذي يطلب من المسلم ان تكون له بيعة وهي عقد سياسي يلتزم فيه المسلم بالولاء وتلتزم السلطة فيه بتوفير الأمان والعدل. و في الحضارة الإسلامية يتم استخدام طقس انحناء الجسد كرمز للاحترام والتعبير عن الولاء في حضرة السلطان هو ليس طقسا دينيا مثل الصلاة و انما تعبيرا عن الاعتراف بشرعية الملك. والماركسيون لانهم يعتقدون ان كل سلطة هي مغتصبة من قبل القوى الاجتماعية فلا يمكنهم فهم ذلك و يعتبرون ذلك الركوع للسلطان بمثابة خنوع وخضوع لسلطة مغتصبة والكثير من لايدرك أن تقاليد الانحناء وتقبيل ايادي الملك هي تقاليد عائلية عريقة عند شعوب المنطقة المغاربية فنحن في الجزائر مثلا مازلنا نستعمل ألقاب سيدي ولالا لما نخاطب الاب أو العم أو الخال و الأمهات والعمات والخالات ونقبل أياديهم وهي تقاليد مازالت موجودة لدى الكثير من الاسر الجزائرية وهي تدل على ان التقاليد الملكية هي في الأصل تقاليد عائلية مورثة. المغرب بلد التقاليد مثل ما أن بريطانيا بلد التقاليد . و في المغرب مازلت الألقاب لها بعض الأهمية فمولاي والشريف وسيدي كلها عبارات تشير الى مكانة الأشخاص في الماضي لما كان المجتمع تراتبيا أما اليوم تستخدم تلك الالقاب للتعبير عن الاحترام بين الأشخاص فقط. وفي بريطانيا مازالت الألقاب تحفظ كلقب سير و مستر وحتى في محطات القطار لما تريد ان تشتري تذكرة يطلبون منك ان تختار اللقب الذي يناسبك سواء سير او مستر رغم ان بريطانيا بلد ديمقراطي المغرب بلد التقاليد والأعراف مثل ماهي بريطانيا كذلك فيها اشخاص يحبون العائلة المالكة التي مازالت تحافظ على التقليد وكذلك في المغرب كل مايصدر عن القصر هو محل متابعة من قبل الناس الذين يقلدون افراد العائلة المالكة. هناك من يعادي التقاليد خاصة من ذوي الاتجاهات الماركسية والحداثية التي ساهمت في احتقار التقاليد واعتبرتها ظواهر أيله للزوال مع الوقت وازدياد وتيرة التحديث. واليوم لدينا اتجاه صاعد في الاقتصاد يعرف بالاقتصاد المؤسساتي يركز على دور القواعد والأعراف ( المؤسسات غير الرسمية ) في الازهار الاقتصادي للأمم مما يعني ان كل المجتمعات اعتمدت على التقاليد والأعراف من اجل التطور الاقتصادي. القواعد والأعراف والطقوس لم يخترعها احد ولكنها نتاج تطور طويل وعفوي وغير مخطط له مكن في الأخير بعض القواعد والأعراف والتقاليد من الاستمرار في الوجود لان الجماعات وجدت انها ضرورية لاستمرار التعاون بين البشر وهذه هي نظرية النظام التلقائي التي اكتشفها فريديرك هايك الحاصل على نوبل في الاقتصاد في 1974 . ستستمر التقاليد والأعراف والقواعد غير الرسمية في تنسيق المعاملات الاقتصادية والسياسية ولكل مجتمع تقاليده والطرق الخاصة به للتعبير عن مشاعر الحب والولاء والاحترام وتجديد العقد الاجتماعي.و المغرب بلد ملكي له تقاليده التي لها جذور عريقة ولها دلالات محددة. بدأت بعض الأجيال اليوم من الشباب العربي مع موجات التحديث أصبحت لاتفهم كيف ان تقاليد عتيقة مازالت موجودة و لماذا هي موجودة ومادلالاتها . ان هذه التقاليد هي جزء من التنوع الحضاري للمجتمعات البشرية وهي تقاليد اكثر عراقة وأصالة من التقاليد التي فرضها بعض العسكريين في الجمهوريات التي تأسست منذ الثورة الفرنسية التي كانت اول ثورة عنيفة ضد الملكية