تتبعت كل تدوينات الذين يدافعون عن الولاية الثالثة لابنكيران، وقمت باختصار كل حججهم في قصة مختصرة، لمساعدة الذين يختلفون معهم، ويرفضون التمديد، لتصويب سهام النقد بدقة إلى الرأي القائل بالتمديد. كان يا مكان شخص اسمه بنكيران، انتخب في 2008 أمينا عاما للحزب، لمواجهة حزب آخر، جاء لابتلاع المشهد الحزبي، والتحكم فيه، فشمر بنكيران على ساعد الجد، وانطلق مناضلا مؤطرا للمئات من الناس، يشرح ويبسط عمق الازمة السياسية في المغرب، دون الانزياح عن خيار النضال من داخل المؤسسات والدفاع عن الملكية. هبت رياح الربيع الديمقراطي، وظل بنكيران هو بنكيران، لم يطالب في لحظة نزوة عابرة بالملكية البرلمانية كما فعل غيره من قادة حزبه، بل ظل مدافعا منافحا عن ما يؤمن به وكانه عقيدة راسخة لا تتأثر بتحولات التاريخ، وكان لموقفه هذا أن مكن الحزب من المساهمة في النقاش السياسي والمساهمة في تعديل الدستور، ثم جاءت الانتخابات وبوأت الحزب المرتبة الأولى 107 في نونبر 2011، وتشكلت الحكومة في ظرف 36 يوما بدعم ملكي واضح. كان الكثيرون يعتقدون أن شعبية البجيدي، ستندحر، كما تندحر شعبية كل حزب مشارك في التدبير الحكومي، بل شبه بنكيران ذلك بالمرأة قبل الزواج والمرأة بعد الزواج، لكن وقع ما لم يكن في الحسبان، أن البجيدي حطم رقما قياسيا في 4 شتنبر 2015، انتقل عدد مقاعد المستشارين في الانتخابات الجماعية من 1500 إلى 5000، وأصبح البجيدي يقود جهتين وأكثر من مدينة، ولعب بنكيران دورا محوريا في هذا النجاح، إذ لأول مرة في تاريخ حكم الملك محمد السادس، ظهرت ما يسمى "مهرجانات انتخابية" ضخمة لزعيم سياسي له خطاب يحشد الآلاف من الناس، حتى اصبح الناس يعرفون بنكيران أكثر من معرفة حزب البيجيدي. وكانت الانتخابات الجماعية تؤجل، في كل مرة، بقصد انهيار شعبية البجيدي، بانحيازه لسياسات عمومية غير شعبية، ومع كل ذلك خاب ظن خصوم البجيدي، وتكرر نفس السناريو في 7 أكتوبر 2016. قبل الانتخابات البرلمانية، افتعل خصوم البجيدي كل القصص التي تؤثر في مصداقية الحزب ورصيده الأخلاقي، وفجروا قصة "عمر وفاطمة" لكن الحزب حقق إنجازا غير متوقع يفوز ب125 مقعدا، وهزم حزب البام هزيمة واضحة، أربكت مشروع البام بكامله الذي خلق ليكون في الحكومة لا في المعارضة. وكان لابنكيران دور محوري في هذا النصر، عن طريق مهرجاناته التي يحضرها الآلاف ويتابعها الآلاف عبر شبكة الإنترنت. كان بنكيران – حسب الظاهر- عليه إجماع حزبي داخلي منقطع النظير، فمددوا له سنة كاملة، نظرا لشعبيته الكبيرة، ولتمكينه من رئاسة الحكومة لولاية ثانية، وهذا الذي كان، احترم الملك المنهجية الديمقراطية، واختار بنكيران رئيسا للحكومة لولاية ثانية. نحن إزاء سياسي، حطم أرقاما قياسية في زمن حكم الملك محمد السادس وجمع المجد السياسي من اطرافه، واصبح زعيما سياسيا لتيار واسع في المغرب، له ولايتان على رأس الأمانة العامة ومع التمديد سنة، وله ولايتان على رأس الحكومة. خصوم بنكيران، وليس البجيدي، تجندوا لإرجاع بنكيران إلى حجمه، ليكون مثل كل السياسيين المغاربة. حملوا حجرة كبيرة، وقذفوها فأصابوا رأسه، سقط من على فرسه، وأغمي عليه، وتم تشكيل حكومة أخرى بقيادة بيجيدي، في غمرة "دوخة حزبية" أو "سكرة حزبية" لازالت آثارها تظهر إلى الآن، في عز الربيع الديمقراطي، شكل بنكيران الحكومة فشل في تشكيل الحكومة بعد ستة أشهر، العثماني شكل الحكومة في أقل من اسبوعين، ومن ستة أحزاب! اغتنم خصوم بنكيران "الدوخة الحزبية" التي يمر بها الحزب، وأسرعوا بسرعة البرق في صناعة مشهد جديد، يعفى بنكيران الأربعاء يعين العثماني الجمعة..بالدارجة المغربية "زربوا عليهم". انتشرت الدوخة في الحزب، هناك من استيقظ وفقد ذاكرته، نسي شيئا اسمه البلوكاج الحكومي، ونسي أصوات المواطنين ونسي مسارا ابتدأ من 2011، وهناك من استيقظ وبدأ يتذكر تدريجيا ما وقع. تخيلوا معي شخصا ظل يصعد ثم يصعد ثم يصعد، وفجاة تم إسقاطه بالضربة القاضية، لو استيقظ إما سيهاجر أو سيمرض نفسيا أو سينتحر..، ما وقع لابنكيران أنه صعد إلى الأعلى وأسقطوه وأرادوا قتله سياسيا، لكنه قاوم وظل يتعافى تدريجيا، إلى أن استيقظ وقام على رجليه، وكأن شيئا لم يقع. أصحاب رأي التمديد، يقولون، هذا السلوك البطل في المعركة يستحق أن يتحول بنكيران إلى مرشد عام مدى الحياة، لان هؤلاء يقولون من النادر أن تجد سياسيا وصل إلى قمة المجد وأسقطوه بالضربة القاضية وعاد مرة ثانية، أي أننا امام رجل مقاوم شجاع صامد ليس في بطنه "العجينة". وعدم التمديد للرجل، يعني التحالف ضمنيا مع من أرادوا قتله سياسيا، وإنهاء مشواره. ويرد أصحاب التمديد، على القائلين بالشخصنة، بهذه الأسئلة: – أين كنتم حينما كان يعتلي بنكيران المنصات لوحده في 4 شتنبر و7 أكتوبر ويركض كالفرس على الركح في الحملات الانتخابية لوحده، لماذا لا تواجهوا المؤسسة الحزبية التي أسهمت في شخصنة التواصل المؤسساتي مع المواطنين، اين كنتم في ذلك الوقت؟ – أين كنتم يوم تم التمديد لابنكيران سنة، أين كنتم؟ – أين كنتم حينما يجلس بنكيران دون غيره من القيادات ويخطب لساعات داخل الحزب والجميع ينظر إليه بانبهار، ويتحدث بصيغة الآنا والحزب ديالي؟ – هل شخصنة المؤسسات ظهرت فقط الآن ألم تظهر شخصنة المؤسسات منذ سنة 1981 وكان لابنكيران دور مهم في هذا المسار؟ يحتج أصحاب التمديد، برأي يقول، إن القانون الذي وضع، وضع لتدبير وضع طبيعي وعادي، ونحن الآن، في وضع استثنائي، إننا نعيش زلزالا سياسيا، والقراءة ليست قانونية، القراءة سياسية، أن رمزا وطنيا أصبح يمثل تيارا، يراد له أن ينتهي فورا، ويتساءل أصحاب التمديد، لماذا قبلتم التمديد سنة لابنكيران وتجاوزتم ما عليه القانون؟! إن اصحاب التمديد، عاشوا قصة ابتدأت من 2008، وعاش المغاربة معهم هذه القصة منذ 2011 هذه القصة، ولا يمكن لمناقشة سؤال الراهن بعيدا عن رواية هذه القصة، وإلا فإن الحورا سيتحول إلى حوار الطرشان. هذا الذي يعتقده أغلب الذين يدعون إلى التمديد لابنكيران لولاية ثالثة..فناقشوهم فكرة فكرة، انتقدوا رأيهم القائل:"أن القائلين بالشخصنة يكيلون بمكيالين" مثلا، وهكذا.. ,في الأخير يقول بعض أصحاب التمديد:"نتصارع مع خصم لا يحترم قواعد اللعب فكيف نلزم أنفسنا باحترام قواعد اللعب وهو يريد قتلنا سياسيا، لماذا يريد أن نطبق الديمقراطية بقراءة مسطرية من دون قراءة سياسية، وهو لا يؤمن لا بدمقراطية ولا بما يقاربها، إنه يشيع ثقافة الفوضى والتسخار". والله أعلم" *أكاديمي مغربي