أخيرا وصلت إلى روسانو. أحسست بنشوة انتصار على الزمن و الفضاء تدب في كياني. قطعت أميالا و أميالا مستقلا خمس قطارات و ثلاث سيارات أجرة و حافلة و طيارة. المدينة مهجورة لا يبدو على محياها صخب أروبا عدا النظافة التي تؤتث شوارعها و أزقتها الضيقة. استوقفت فتاة أسألها عن أقرب ناد للأنترنت. ردة فعلها تخبرني أنها لم تفهم إنجليزيتي الماروكية. أعدت طلبي بأناملي كما لو كنت أنقر على لوحة المفاتيح. لا جدوى. تابعت المسير دون تغفل عيني عن محطة القطار و كأنها الوطن. تابعت المسير و أنا أقرأ خلسة محيا كل إيطالية أو إيطالي باحثا عن ما يوحي لي بواحد منهم يتكلم الإنجليزية أو الفرنسية. لا جدوى. الناس هنا في روسانو يتكلمون لا شيء غير اللغة الإيطالية او بالأحرى "الشينوية ديال اللغة الإيطالية". حاولت كم من مرة أن أسترشد باللوحات الإشهارية المنصوبة في الشارع أو في أعلى البوتيكات. أحسست بأنني شخص غير مرغوب في هذه المدينة الهادئة. قصدت لتوي فتاة كانت تكنس مدخل الفندق و أنا أمني النفس أني هذه المرة سوف تكون لي خير مرشدة إلى أقرب ناد للأنترنت. المسكينة أدخلتني إلى بهو الاستقبال و هي تشير لي لا بأس أن أستعمل حاسوبها. لم أفهم في البداية ماذا تعنيه و أنا واقف مسمرا في مكاني حاملا أغراضي كالبوهالي. برد في الدم و تيقنت أنه تابعني النحس حتال طاليان لما انقطعت الأنترنت بعد دقيقة أو أقل من استعمالها. "غادرت الفندق بعدما شكرت صنيعها بالكلمة التي لم أتعلم غيرها " Grazie". أحسست بيأس كبير يجتاحني و يعكر علي صفو تواجدي بأروبا و مايجي منها. المدينة لا تنجب غير البنات و لا تحتض غير الشيوخ. لم أعد أفتكر المسار المؤدي إلى محطة القطار بعدما حرصت كل الحرص على عدم ضياعها كنقطة ارتكاز. طلع علي شاب بأناقة رياضية. قصحت وجهي عليه أن يأخذني إلى ضالتي رجلي برجله, و لاسيما كان لسانه يداعب بعض كلمات فرنسية التي و جدت فيهن الخلاص. مشينا سويا قرابة ربع ساعة حتى وصلنا إلى سيبير الذي كان يصفر إلا من صاحبته. أخذت حاسوبا و كان لزاما علي أن أطلب كلمة المرور. أراك فراجا دابا. تكلمت كثيرا و هي تشرح لي ما الذي يجب علي فعله, و أنا بوراس داير راسي مركز و كانفهم. برد ليها الدم في الركابي لما قلتها أن تعيد ما قالت بلسان إنجليزي. تكرفسنا على لغة الإشارة شر تكرفيس. فجأة قفزت إلى حاسوبها الشخصي و خربشت بضع كلمات إيطالية على جوجل-ترجمة. إنها تقصد " I need your Passport". الله ميمتي شنو دارت. واش هاذا سيبير أو كومسيرية". سلمتها جواز سفري كما أرادت. كانت تريد أن تخلق كلمة مرور باسمي. تنفست بعمق و شعرت بارتياح أعمق. قضيت قرابة ساعة على الفايسبوك ليتحقق من هويتي. نزلت صورة على حائطي تؤرخ لوصولي لايطاليا قد فاجئت الأعداء قبل الأصدقاء, كيف حدث هذا و بوشعكاكة كان البارحة يقاطع الإمتحانات؟ بعدها ولجت إلى صفحة المنظمة التي تحتضن الحدث و أخذت عنوانها و أرقام هواتفها. خلت الأمر سهلا أني سأعثر على المقر انطلاقا من العنوان و بدأت أستوقف كل رائح. كلما مرة يشر إلي إن أصعد ذاك الجبل حيث يوجد وليهم الصالح سان نيلو كما هو مدون بالعنوان. اجتاحتني القنطة و رجعت أدراجي إلى محطة القطار أستأنس بشكلها العريق و فتية يلعبون بجانبها. ألم أقل أنها تشبه الوطن.