لم يكن جزء من جمهور الرجاء فقط، من رفعوا شعارات مؤيدة لداعش، بل هناك تلاميذ يافعون بهوامش مدينة أكادير اتهموا كذلك بالتعبير صراحة عن «انبهارهم» بهذا التنظيم الإرهابي وبالفكر المتطرف عموما. حتى وإن بدا من خلال ما نشر من أخبار حول الحادث أن هؤلاء المراهقين يحاولون الظهور بأنهم واعون تماما بما أقدموا عليه من تنكيس للعلم المغربي ومن كتابات متطرفة، فإن ذلك الذي يسكن أعماقي يُلح عليّ أنهم غير واعين بما يقومون به أو على الأقل، لا يدركون تمام الإدراك خطورة تلك الأفعال وخطورة ما ترمز إليه. وهذا ما يرعبني كثيرا. فهؤلاء التلاميذ مازالوا كائنات طرية ولم يشتد بعد زغب وجوههم، وما قاموا به يدخل، على الأرجح، في إطار نوع من التعبير عن «ثورة المراهق» على النظم التي تحيط به في محاولة منه لإثبات الذات في «عالم الكبار» الذي أخذوا يتلمسون بداية الطريق إليه. إن ما أقدم عليه هؤلاء التلاميذ يُعد بالنسبة إليّ نوعا من «اختبار المرور إلى عالم الكبار» (épreuve d'initiation)، الذي سيُظهرون من خلاله أحقيتهم بالانتماء إلى هذا العالم الذي يغري غريزيا المراهقين. وهنا، في تقديري، يكمن الخطر الكبير الذي يتربص بهذا المجتمع الذي يوفر دوما على هوامشه تربة خصبة للأفكار المتطرفة. فاقتداء هؤلاء المراهقين وغيرهم بفكر داعش الإرهابي وبالفكر الظلامي عموما واعتبارهم أن تبنيه بشكل عفوي وساذج هو الذي سيعبد الطريق إلى عالم الكبار يُحوّل هؤلاء إلى وقود احتياطي في يد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تلجأ إليه عند الحاجة. كما يفسح المجال لتسلل الفكر المتطرف إلى تربة المجتمع المغربي من خلال تسربه إلى عمق نفوس هؤلاء التلاميذ وكثير آخرين لا يستبعد أن يقتدوا بهم في مناطق هامشية أو أقل تهميشا ببلادنا. والأكثر خطورة في تقديري هو نجاح فكر داعش الإرهابي في أن يصبح مغريا وجذابا لفئة من اليافعين الذين يبحثون عن إثبات الذات في بلد يصر على اعتبارهم مجرد قاصرين وعاجزين في حاجة دائمة إلى يد الأستاذ/ المراقب، وصوت الأب/الضابط، وضوابط المجتمع/الديكتاتور.. ويصير في نظرهم تلك «المحجة» الكفيلة بأن توصلهم إلى الهدف الأسمى لكل المراهقين، أي تحقيق الذات. وما أخطر أن يغدو الفكر المتطرف هو السبيل نحو تحقيق الذات بالنسبة إلى المراهقين في بلد يشكل فيه اليافعون قاعدة عريضة في هرمه الديمغرافي، وسيشكلون مبدئيا قوته النشيطة والمنتجة في بضع سنين. إن ما وقع في صفوف جزء من جماهير الرجاء وما أقدم عليه عدد من تلاميذ تلك الثانوية بهوامش أكادير، قد يبدو ظاهريا أنه التهابات معزولة على جلد المجتمع المغربي، ولكنها في الواقع تُؤشر على وجود خلل ما في عمق هذا المجتمع لا يجب الاكتفاء بعلاجها بما تيسر من مرهمات أمنية محدودة المفعول، بل يتعين فحصها بمسبار التحليل الدقيق، ووضعها تحت مجهر البحث الرصين لتشريحها، لعل ذلك يساعدنا في إيجاد العلاج الفعّال قبل استفحال المرض.