لم يسبق لي أمي أن زارت مدرسة إلا في مناسبة الانتخابات, و يوم نودي عليها من قبل جمعية الآباء لاستلام نتيجة ابنها و حزمة من الكتب كجائزة، و التي كانت من شأنها أن تُفرح امرأة أمية و تجعلها تختال بها أمام مثيلاتها. لما سمعت جدتي رحمها الله بالخبر, بدأت تنط و ترقص فرحا و دعتني إلى جمع أغراضي لنقصد قرية أخوالي كما وعدتني سلفاً. إنها تخفي نيتها بان ترسلني إلى المسيد قصد تعلم القرآن و حفظه حتى أصير فقيها و عالما مثل أبيها. نسيت المسكينة أن العلم سيصبح جريمة مثل الحشيش يطالها القانون، و كان سيكون جميلا لو طلبت من خالي أن يصنع لي كمنجة و أتعلم كيف أسقط اللحم و الشيكات السمينة مع كل جرة. لم يستهويني المسيد. أنا طفل المدرسة الذي لم يسبق له أن اعتاد أن يجلس مربعاً لساعات طوال. مع كل غفوة تأخذني, تصلني عصا الفقيه محدثة فلقة مجنونة. وددت حينها لو اشتد عودي فأقسم عصاه على ظهره. هجرت المسيد رغم محاولات خالي و الفقيه على ثنيي على قراري. العنف يولد النفور يا سادة. بضع أيام كانت كافية لكي تجتاحني القنطة. فالقرية تبدو خالية إلا من شمسها الحارقة و نباح الكلاب بين الفينة و الأخرى. بعيد كل صلاة العصر، أنطلق مسرعا نحو الشانطي حيث وصول العربات التي نقلت بكرةً شابات و شبان القرية بما فيهم أبناء و بنات أخوالي للعمل في حقول الأرز. فغالبا ما كنت أصادفهم و هم يصلون دفعة واحدة, كما لو أنهم بصدد إنزال عسكري لاجتياح الدوار. كان الوقت مساء, ذهبت بمعية ابن خالي يوسف إلى إحدى مقاهي الشانطي لمشاهدة أفلام ماد ماكس. لما هممنا بأخذ كراسينا، دخل علينا رجل لا يبدو من روادها. أشار إلى ابن خالي فحدثه عن أمر ذي شأن مستعملا أوداجه و أطرافه و كأن الرجل به جذام. ما إن انصرف الرجل حتى فاجأني يوسف بسؤاله: "واش تخدم؟ إن أرباب الحقول هذه الأيام يبحثون عن الخدامة بالريق الناشف". فرحت بالعرض و إنْ لم تكتمل فرحتي نظرا سأشتغل في فوج غير فوج أبناء أخوالي. أخبرت جدتي فأعدت لي جراب المؤونة من ماء و شاي و كسرة خبز مع طاسة حبلى بالزعلوك ..صراحة صراحة الزعلوك شحال بنين و كايحمقني لمشرمل لاخر, و لكن معرفش علاش سمية ديالو خايبة و كمّارتو زرڭة