كانا مغربيِّيْن.. كانا فعل ماض تام في حالتهما، وناقص كذلك في صنيعهما.. وكذلك لأن المجلس الأعلى كان قد حكم أن المغربي يزداد ويموت مغربيا. منذ أول وهلة التقيا فيها في باب إقامة فخمة، في حي راقٍ من أحياء الرباط، لم يستلطف أحدهما الآخر. رغم غيابهما الممتد على فترات طويلة في السنة. كانتْ ربما ضغِينةَ أغنياءَ جُدُد حين يتفرس أحدهم في جارهِ فيستشف حداثة عهده بالشِبع والترف، كمثله تماما، فيكرهه لذلك. أف! ها هو ناجٍ آخر من بحر البؤساء المحيط بالمدينة، أتى يزاحمه في المدخل والمخرج وفي موقف السيارات الفخمةِ الفخمْ. لم تطل الهدنة الخفية بينهما كثيرا. سرعان ما دقت طبول الحرب. كان ذلك في ضحى يوم نسِيا فيه نحاس أسلاكهما النفسية عاريا فوقع تماس وتكهرب التحاسد وتطاير. مع أنهما من نؤومي الضحى كعادة أمثالهما، لكن لم يُجْدِ طول النوم في تلافي الشجار.. جلالة أحدهما كانت بالأمس قد ركنَتْ سيارتَها في مكان جلالة الثاني فتلبدت العلاقات الدبلوماسية. أخرج الأول رأسا مسدس لغة العام سام بينما أشهر الثاني سيف لغة روسو. لا مكان للغة بحر البؤساء المحيط. كانا قد واريا لغتهما الأصلية الثرى وصار كلاهما يصرخ لغةَ وطنه الناسخ المنسوخ.. الأول صار أمريكيا يردد دُبُر كل جملة "ماظر-ف***" بينما الآخر صار سويسريا ينعت الآخر في كل آونة "بورديل-دو-***".. الأول يطالب بالتبجيل والاحترام المطلوب والواجب أمام مواطن أمريكي قد تفْسِدُ حياةَ من يعادية سفارةُ بلاده الرهيبةِ المهيبةِ الجانب في العالم كله. وما أدراك ما سفارة اليو-إس-إي. والآخر يطالب بتوقير مواطن سويسري له ما لسويسرا من حقوق التوقير والتعظيم وهي بنك الدنيا ومستودع نفائسها. سواء تلك التي من عرق الجبين أو من عرق الجبناء المقهورين في الآفاق المخدوعين.. أخرج الأول جوازه الأمريكي كدليل ولسان حاله يقول "هاهو جوازي على ما أقول شهيد" وشهر الثاني جواز الكونفدرالية الهلفيتيكية ومضى كل منهما يُدِل على الآخر بموطنه البديل. استعرت الكلمات وحمي الوطيس. هل يستمر العراك مغربيا بالكلمات فقط والوعد والوعيد. أم يمران إلى الفعل و"الأكشن". فعلا كانت قد بلغت منهما جنسيتهما مبلغا كبيرا، ولما لم تجْدِ الكلمات والصراخ.. ولم يحدث توازن رعب ولا تعايش، وكانت الحرب غير باردة انتقلا إلى المبارزة والمقارعة عساها تبل غصة الضغينة الدفينة.. تناول أحدهما الآخر بيديه فتكادَما وتلاكما وتخامشا وتهارشا.. وعلى شفاههما المكدومة التي كانت تسب وتلعن بلغتين من لغات الحداثة، سال دمهما المغربي الأصيل..