التدين باعتباره فطرة، يُجمع علماء الاجتماع على أنه حاجة إنسانية مشتركة، وأنها ضرورة يحتاج إليها الإنسان في فترة ما من فترات حياته، حتى إذا زاغ عنها أو نسيها أو تناساها، وهذا التدين مقيد بقيد هو انضباطه بالوحي، فحينما نتحدث عن التدين، فإننا نتحدث عن علاقة بين الخلق والخالق، وهذا يقتضي بالضرورة أن تقوم هذه الرابط على أساس ما أراده الخالق، قال تعالى في سورة الداريات "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". وعلى الإنسان الذي كرمه الله، وميزه عن سائر مخلوقاته، بأن حباه بالعقل، أن يحسن استخدمه، وأن يعمل فكره في إطار الوحي. فحقيقة التدين تقتضي بالضرورة، أن يكون المتدين على بصيرة من دينه، أي: على بينة مما يمارسه من عبادات، ولقد عبر الفقهاء عن ذلك بقولهم، إن هناك أمورا يجب معرفتها من الدين بالضرورة. إذن التدين مرهون بتوجه، يقتضي أن يمارس التدين انطلاقا من معرفة حقيقية لمسائل هي من الوحي، وهذه المعرفة أساسية في التدين، والله تعالى يحب أن يعبد عن علم، لذا فالمفروض على كل متدين عابد أن يعرف لماذا يفعل؟ وماذا يفعل؟ وما الغاية من الافعال التي يقوم بها؟ ثم إن التدين له جانبين، الأول نظري وهو المعرفة الضرورية، التي يجب أن يتحلى بها العابد المتدين، الثاني وهو الجانب العملي التطبيقي، ويتجسد في الثقافة التي تجعل جوارح المتدين، في إطار ما هو مباح شرعا. أما عن المهام الأساسية للعلماء فمعروف أنهم لم يرثوا من جانب النبوة إلا الدعوة والمعرفة وتبليغ المعرفة الحقيقية المستمدة من الوحي، من هناك ضرورة أن يقوموا بالمهام التي يقوم بها الأنيباء، ويمكن تلخيصها في خمس نقاط أساسية، النقطة الأولى وهي ربط الناس بالأسس المؤصلة للتدين والتحضر والترقي والريادة والتي هي خصائص هذه الأمة. النقطة الثانية أن على العلماء أن يواجهوا سنة التدافع الفكري والمنهجي والحضاري، فمعلوم أن ما من نبي ولا مصلح ولا داعية جاء إلى قوم إلا أوذي، فالذي يقتحم نشاط التوجيه والإرشاد والتدبير السياسي، لابد أن يستحضر أن هناك سنة كونية ربانية وهي هذا التدافع. أما النقطة الثالثة فهي تنقيح المنقول وابتكار المعقول، والتفاعل مع ما هو معروف في الواقع تأثرا وتأثيرا، وعلى العلماء من هذه الناحية أن يستوعبوا ما نقل لهم من فكر وعلم وفقه، ثم أن يحسنوا هضمه ليتجلى في سلوكهم، وينعكس على مشاعرهم وأحاسيسهم وعلى جوارحهم، ثم يؤدي هذا الانعكاس إلى أن يتأثر الأخرون بهم، لأنهم قدوة، ولأنهم يحملون رسالة وأمانة، وأن يبتكروا للناس الوسائل التي تربطهم بدينهم. أما النقطة الرابعة فعلى العلماء اكتشاف أسباب الضعف والتخلف والاختلاف والاستيلاء وأن يضعوا لهذه الأمراض دواء، فيما تتجلى النقطة الخامسة في البحث عن الحلول للقضايا الشائكة تأصيلا وتجديدا. إذن فالعلماء مسؤولون والمسؤولية جسيمة لأنهم قدوة، ومطلوب منهم أن يرشدوا الناس في دينهم. وخلاصة هذه المهام هي أن على العلماء ألا يخضعوا في مسيرتهم الترشيدية للمجتمع للضغوطات السياسية، ولا للإكراه البدني والمادي، فالذين أسسوا للحركة الوطنية وقاوموا هم العلماء دون خضوع أو خوف، وذلك حين كانت تصدر القرارات والتوجيهات من داخل القرويين ومولاي يوسف.