بمناسبة تخليد اليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف تاريخ 18 دجنبر، وفي ظل الاعتراف الدولي بأهمية اللغة العربية ودورها التواصلي والثقافي والمعرفي، يحق لنا أن نتساءل: متى يُصحح المسؤولون الخطأ التاريخي الفادح بوأد اللغة العربية رغم أنها لغة حيّة؟ فقد كان لها شأن كبير عندما كانت الحضارة الإسلامية في ريادتها، وكانت العلوم والمعارف والآداب والفنون تُترجم من العربية إلى اللغات اللاتينية، وعندما تخلّف العرب والمسلمون عن الحضارة الإنسانية، فُرضت عليها لغات أخرى، ووُئدت لغتهم الأم.. والموؤودة أصلها اللغوي: وَأَدَ يئِد وأْداً[البنت] دفنها وهي حيّة، وكان ذلك يقع في الجاهلية قبل دخول الإسلام، ومن هنا جاء الاقتباس، لقد وئدت العربية رغم أنها من اللغات العالمية الحية، من طرف أبنائها، الذين يُفترض فيهم حمايتها وتطويرها حتى تواكب العلوم والفنون المعاصرة. وتأسيسا على ما سبق، فإن اللغة الوطنية هي المحدد الأساسي في هوية أي مجتمع إنساني، وهي ليس فقط أداة للتواصل وتبادل المعرفة، وإنما هي حاملة للفكر والثقافة والحضارة، فقل لي ما هي مكانة لغة قوم في التداول المجتمعي، أقل لك درجة تحضرهم أو تخلفهم، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم دون أن يعتمد اللغة الأم في جميع المؤسسات العامة والخاصة، لذلك، فإن المجتمعات المتخلفة لا تولي أهمية تذكر للغتها الأصلية، بل تستعير لغة الأمم الأخرى، في محاولة لتعويض النقص والعجز عن تطوير اللغة الأم، وتحيينها لتصبح لغة العلوم والمعرفة، في حين نجد جميع الدول التي نهضت من تخلفها اعتمدت على اللغة الأم في جميع مؤسساتها. وبعيدا عن السجال الأيديولوجي والسياسي، الذي يثار عادة كلما طرحت قضية اللغة التي ينبغي أن تكون لغة التداول الرسمي، داخل المؤسسات التعليمية والتربوية والتكوينية والإدارية، فإن هناك حقيقة تاريخية لا يمكن أن يختلف عليها اثنان، وهي أن المغرب لا زال يدفع ضريبة الاستعمار الفرنسي، حيث لم يستطع التخلص من النفوذ الفرونكوفوني داخل مؤسساته الرسمية والخاصة، وبالأخص التأثير في ثقافة وفكر النخب المغربية، ومن تجليات هذا الاستلاب الثقافي والفكري لهذه النخب، دفاعها المستميت عن لغة الآخر/المستعمر، على حساب اللغة العربية (الفصحى والعامية) التي شكلت عبر تاريخ المغرب، اللغة الوطنية الرسمية المتداولة، والتي كانت ولا زالت عامل تماسك ووحدة بين المغاربة، إلى جانب الدين الإسلامي الحنيف. وعند الحديث عن اللغة الأم، التي يجب أن تكون سائدة ورائدة في جميع المجالات، فإنه يجب التنويه إلى أنها اللغة التي يتكلم بها جميع المغاربة، هي اللغة العربية، والتي ولدت منها اللهجة الدارجة المغربية، وبذلك تعتبر الفصحى أما للعامية. وإن من نتائج الاختراق الثقافي للمجتمعات العربية، تهميش اللغة العربية من التداول اليومي سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، حيث أصبحت اللغة الفرنسية هي السائدة، حتى في التواصل بين الناس، خاصة في المؤسسات التعليمية الخاصة التي أصبحت تلقن أبناء المغاربة لغة موليير بالدرجة الأولى، لأنها للأسف فُرضت على الأسر المغربية، لأنها المهيمنة على المجالين العلمي والعملي، في حين تحولت العربية الفصحى والدارجة، إلى لغة منبوذة ومعطلة في جميع المؤسسات الخاصة والعامة، لأن النخبة المغربية في عمومها تلقت تعليما فرونكوفونيا، وبالتالي فاقِد الشيء لا يعطيه، لذلك لم تعد لها قيمة في المجتمع، بسبب غياب الوعي الهوياتي والغيرة الوطنية لدى معظم النخب السياسية والثقافية، على اللغة الرسمية للمجتمع والدولة، بل أصبح هناك داخل هذه النخب من يعلن صراحة مناهضته للغة العربية، من خلال الدعوة إلى اعتماد اللهجة العامية في التعليم الأولي، في محاولة مكشوفة لوأد اللغة العربية في آخر معاقلها وهو مجال التعليم. وبدون مبالغة، إذا كانت اللغة العربية، هي لغة جميع المغاربة، فإن قضية الدفاع عنها تتحمل مسؤوليتها جميع الفئات المجتمعية، على اختلاف ألوانها السياسية والإيديولوجية، لأنها مرتبطة بالتاريخ والحضارة والهوية المغربية، وإن النخب التي تسعى لإقبارها، سواء من خلال فرض لغة أجنبية على الشعب، أو تسويق اللهجات المحلية وتمويل تداولها في الإعلام والتعليم.. هي نخب خارج التاريخ والجغرافيا المغربية، وتعمل ضد المصلحة العليا للوطن، لأن هذه المصلحة تقتضي الابتعاد عن الأغراض والمنافع الشخصية الضيقة، وإعادة النظر في السياسة اللغوية ببلادنا، من أجل تجاوز المزايدات المقيتة حول الهوية اللغوية، وإثبات حضورنا بين الأمم من خلال الاعتماد على اللغة التي يتحدث بها جميع المغاربة، والتي وحدتهم عبر العصور، وجعلتهم جزء من الأمة العربية والإسلامية.