في هذا الوقت من كل سنة، يعود أفواج من الحجاج بعد أدائهم مناسك الحج بالديار المقدسة، حيث يستقبلهم أهلهم استقبال العائد من رحلة العمر، التي دأب المجتمع المغربي على استقبال حجاج بيت الله الحرام بها. وعرف المغاربة تاريخيا بتكريم الحاج بعد عودته لأهله، بالاحتفال به، والتجمع في بيته لاستقباله، وعيادته في بيته، وهي مظاهر أصيلة في المجتمع المغربي تتنوع بتنوعه. تحبيب الحج للقلوب ومما عرف في الأسر المغربية، أن يجتمع الحاج مع أهله وذويه، ليحكي لهم عن رحلة حجه، التي لا زالت تعتبر عند المغاربة رحلة ليست ككل الرحلات. وفي هذا الصدد، يقول شفيق الإدريسي واعظ وخطيب جمعة، إن عودة الحاج من ذلك المقام المبارك فرصة جيدة ومناسبة جدا لتشويق أهل بيته لذلك المقام المبارك، من خلال حديثه إليهم عن تجربته في الحج، و عن رحلته الروحية هناك، و مشاعره و هيبة الأماكن المقدسة التي زارها، لنقل شوق زيارة ذلك المقام لأهل بيته صغيرهم وكبيرهم، ويورث حب الحج لغيره من الأجيال ليبقى حاضرا في أذهانهم فريضة يتطلعون ويدعون الله عز و جل أن ييسر لهم سبل آدائها. الفرح.. حول فرح المسلم بأخيه المسلم القادم من مناسك الحج، يقول الدريسي إن الأصل في أمور العادات هو الإباحة حتى يأتي ما يدل على المنع، والشرع هنا لا يمنع، بل نصوصه تسير في اتجاه الاحتفاء بالحاج واستقباله عند العودة، فذلك من حق المسلم على أخيه، وهو من التبادل والتزاور والتجالس الذي يكون بين المسلمين. ويؤكد الإدريسي أن هذه المناسبة معدودة من مناسبات الفرح، حيث أن سفر الحاج وأداءه للحج وعودته سالما تعد من بين النعم التي يحق له ولأهله أن يفرحوا بها. ويستحضر المتحدث في حديثه ليومية "التجديد" حادث نذر امرأة في المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إن عاد عليه السلام من سفره سالما أن تضرب بالدف فقال لها أن تفي بنذرها، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع من حج أو عمرة ذبح لأصحابه بقرة فأطعمهم، مضيفا أن هذا الاحتفال بهذه المناسبة يعتبر كذلك فرصة للتزاور الذي تحث عليه القيم الاسلامية، إذ تأمر المسلمين أن يتزاوروا ويتكافلوا ويتفقد بعضهم بعضا في الأفراح والأحزان من غير إسراف أو تبذير. فضل ومحاذير! وفي وقت تعتبر عودة الحجاج الميامين من الديار المقدسة حدثا هاما للمجتمع المغربي كله، يذكر الإدريسي، أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه حديثا لغير الحاج يقول فيه: "إذا لقيت الحاج فصافحه وسلم عليه و أمره أن يستغفر لك قبل أن يدخل إلى بيته فإنه مغفور له"، لذلك يستقبل الحاج ويحتفى به ويصافح، وتقام له وليمة معقولة من حيث الكم و الشكل، لأنه واحد من مظاهر تحفيز الناس على محبة الحج أكثر وصلة الأرحام. ويحذر الإدريسي من المشكل الذي يقع فيه المجتمع عندما تتحول فرصة استقبال الحاج إلى عدد من السلوكات الغير شرعية، كتقبيل الحاج لغير محارمه ومعانقتهم، ويكون الحاج حديث عهد بالتوبة فهذا لا يجوز ويجب الانتباه إليه. وفي حديثه عن المحظورات في استقبال الحجاج، يقول الإدريسي إنه يقع أن يستقبل الحاج بسهرات بغير ما يرضي الله وهو عائد منرحلة ثوبة العمر، في حين يجب أن يستقبل بقراءة القرآن ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك هذه العادات الحميدة الأصيلة في المجتمع المغربي يجب أن تستمر بالجانب الإيجابي فيها، على أن نتفطن لما يتعارض مع قيم الإسلام في الاحتفال باستقبال الحجاج. ويذكر الإدريسي بابن عاشر عندما أراد أن يختم منظومته التي تتحدث عن الحج قال "وادخل ضحى واصحب هدية السرور إلى الأقارب ومن بك يدور"، وبالتالي على الحاج أيضا أن يلتفت للاحتفال والاحتفاء بمن يدور به بعد عودته من الحج، بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية والعادات المغربية التي لا تتعارض مع القيم. ويذكر الادريسي الحجاج بأن ذهابهم في بادئ الأمر كان هجرة إلى الله، وبالتالي يجب أن يستحضروا الحفاظ على المبادئ الإسلامية في فرحهم مع أهلهم، ويضيف المتحدث أن "العادات والتقاليد محمودة ما لم تخالف وتصادم الهوية الإسلامية، ما لم تحمل تبذيرا أو إسرافا، وما لم تدخل في المباهاة، والخروج عن الشريعة، ودخلت دائرة المحرمات، أما كل فرح يحترم الشرع فهو محمود، لأن الأصل في الأعراف و التقاليد تعزيز العبادة، فكل تحقيق لها للمصالح فهو محمود وإذا خرجت عن مقاصدها تكون مرفوضة".