يرى الأستاذ عباس الجراري أن التغيير لغة يعني الاتيان في الشيء بما يعارضه أو يضاره ويناقضه. والتغيير اصطلاحا هو التبدل الذي تتعرض له مختلف البنى الاجتماعية، والذي يمس جميع أنواع الفعاليات، وما يرتبط بها من التزامات تقتضي إعادة النظر في الوسائل والإمكانات، وكيفية استعمالها وتوظيفها، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يكون جزئيا، بل لابد أن يكون شموليا وكليا، حتى ولو بدون قصد إلى ذلك، لأن أي تغير يحدث في بنية ما من المجتمع، ينعكس تلقائيا على بقية البنيات. كيفية الإصلاح والإصلاح: هو رد الشيء الفاسد صالحا، ويكون إما بالتطوير، أي تطويرعناصر الصلاح، وإما بالتغيير، أي باقتلاع عناصر الفساد واجتثاثها من الجذور، وهو أقوى من التطوير وأبعد أثرا منه. والحاجة إلى الإصلاح تظهر حين يتم الشعور بالفساد ومعاناته، وحين توجد الرغبة في إزالته، أما حين لا تكون الرغبة، مع وجوده واستفحاله، إما قصدا أو جهلا، فتلكم لا شك أعلى درجات الفساد وأخطرها، إذ تقترن إذ ذاك بالمكابرة أو انعدام الوعي. ولكي تكون هذه الكيفية صحيحة وإيجابية لابد من أمورأهمها ثلاثة: :1 تحديد رؤية فكرية واضحة لهذا الاصلاح تبرز منظوره وتخطط له. 2 وجود إرادة سياسية لإنجاز التغيير. 3 تهيئ وسائل تنفيذ هذه الرؤية وما تخطط له. وإجراء هذا التغيير منوط بطرفين، أحدهما مكلف بالتصور، والثاني مكلف بالتنفيذ، أما التصور أي الرؤية والتخطيط، فذلك ما يجب أن ينهض به المثقفون في توفيق محكم بين الحلم والواقع، وبإشراك جميع فئاتهم، بعد أن تعود الثقة بينهم قبل أن تعود فيهم، وعلى أن يكون المنظور قائماعلى إقامة دعائم جديدة لإشاعة العدل والمساواة والحق والحرية، والتأمل بذلك لانفتاح سليم على العالم والتفاعل معه ومع مستجداته. وأما التنفيذ فيقع على عاتق القائمين بالشأن العام من مسؤولين وحكام، وفي تجاوب مع الهيآت السياسية، ومع مكونات المجتمع المدني بمختلف أفراده، حتى يتجاوبوا ويثقوا ويساندوا ويساهموا بحرية، ويخرجوا بذلك من اليأس والإحباط واللامبالاة، ومن حالة الاغتراب، بعد أن يكونوا قد شعروا بقيمتهم وبإمكان أداء دورهم، ويفتح المجال لهم كي يصبحوا فاعلين مؤثرين بأعمالهم وأفكارهم، التي لا ينبغي أن تبقى عندهم حبيسة الحذر والخوف، وأن من شأن ذلك أن يتيح فرص الاستقرار الداخلي نفسيا وواقعيا واجتماعيا، و يمكن من تحقيق التنمية والازدهار. الثقافة المطلوبة للإصلاح يؤكد عباس للجراري أن الثقافة منظومة متكاملة يتداخل فيها الوعي مع المعرفة في مختلف أنماطها وأشكالها، ومع عدد من القيم التنويرية والأدوات المسعفة في الفعل، أي ما تكون له قوة وتكون له مصداقية، وفعالية، أي تأثير إيجابي، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، ووفق هذا المفهوم للثقافة المطلوبة للإصلاح والتغيير يصبح ممكنا إبلاغ ثقافة جديدة متحررة من التناقضات مع الذات والآخر، ومن سلبيات التراث، ومن الإغراق في الخصوصيات المحلية، ومن شتى التشنجات التي تعتمل في النفوس. وبهذا يتاح للمثقف أن يخرج هو ويخرج غيره من التيه، الذي تعيش فيه الأنظمة والشعوب، كما يتاح له أن يتحول من مشكل وعائق إلى أداة ناجحة لحل جميع المشكلات والأزمات، ومواجهة مختلف التحديات.وذلكم ما يستوجب تحرير العقل، ثم تنظيم فعله والتخطيط لعمل بنيوي أساسي، في إطار المتطلبات الوطنية والتطلعات العربية والإسلامية، وكذا الأهداف الإنسانية، مع إدراك واع لموقعنا في التاريخ وفي العصر، وفي ما نتوق إليه في المستقبل القريب والبعيد. إن تجاوز التخلف يقتضي منا تغيير الرؤى والأفكار، وما يرتبط بها من نظم اجتماعية وغيرها، وتبديلها بأخرى تكون مبنية على رؤية بعيدة للمجتمع: كيف نريده؟ وكيف ينبغي أن يكون؟خلاصة إن كل من يتأمل الأزمة التي يعانيها المسلمون اليوم ينتهي إلى أنه لا مخرج منها ولا حل لمشكلاتها الشائكة إلا بالإصلاح. وقد أصبح هذا الإصلاح قضية حتمية، ليس فقط بحكم ناموس الحياة القائم على التطوير الدائم لهذه الحياة، ولكن كذلك، لأن واقع الشعوب الإسلامية بحكم تلكم الأزمة غدا يوجب ويفرض هذا الإصلاح.