المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة 19 أبريل 2024    مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط نتائج بحث الظرفية لدى الأسر الفصل الأول من سنة 2024    "لارام" وشركة "سافران" تعززان شراكتهما بمجال صيانة محركات الطائرات    إسرائيل تقصف أصفهان بمسيّرات.. وإيران: لا تقارير عن هجوم من الخارج    برنامج الجولة 27 من البطولة الاحترافية ومصير مباراة الرجاء وبركان    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    أنباء عن انفجارات في إيران ناجمة وفق مسؤولين أميركيين عن ضربة إسرائيلية    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    سوريا تؤكد تعرضها لهجوم إسرائيلي    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    الهجوم الإسرائيلي على إيران يشعل أسعار النفط    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    عُلبة كبريت بدلاً من ملعب.. صورة قديمة للناظور تُعيد إحياء ذكريات سنة 1947 وتشعل النقاش على الفيسبوك    دوي انفجارات بإيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائيلية    اعتقال مشتبه به في بني ملال بتهمة التغرير بقاصرين لتعريضهم للاعتداءات الجنسية    جورنالات صبليونية: هليكوبتر بالشعار الملكي والدرابو بالحمر حطات فمطار كاستيون    ڤيتو أمريكي حبس عضوية فلسطين فالأمم المتحدة    هجرة .. المشاركون في الندوة الوزارية الإقليمية لشمال إفريقيا يشيدون بالالتزام القوي لجلالة الملك في تنفيذ الأجندة الإفريقية    جنايات الحسيمة تصدر حكمها على متهم بسرقة وكالة لصرف العملات    حملة جديدة لتحرير الملك العام في مدينة العرائش أمام تغول الفراشة    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    نظام العسكر حاشي راسو فنزاع الصحرا.. وزير الخارجية الجزائري تلاقى بغوتييرش وها فاش هضرو    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    بوريطة: الهوية الإفريقية متجذرة بعمق في الاختيارات السياسية للمغرب بقيادة جلالة الملك    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    إعادة انتخاب بووانو رئيسا للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية للنصف الثاني من الولاية الحالية    النواب يحسم موعد انتخاب اللجن الدائمة ويعقد الأربعاء جلسة تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    لماذا يصرّ الكابرانات على إهانة الكفاح الفلسطيني؟    مجلس الحكومة يصادق على مشاريع وتعيينات    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخليل النحوي يكتب : عذرا يا طارق ..
نشر في التجديد يوم 22 - 07 - 2016

ما اعتدنا أن نغلق أبوابنا أمام أي طارق، فالخيمة الموريتانية بطبيعتها مفتوحة، وفي كل دار موريتانية خيط فأكثر من خيوط تلك الخيمة وظل من ظلالها.نعم، اعتدنا أن ندعو الله تعالى فنقول "اللهم إنا نعوذ بك من كل طارق إلا طارقا يطرق بخير"، وما ظنناك إلا طارق خير. ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا. وحدهم بعض غلاة المتصهينين والمتعصبين في الغرب يفتشون في جيناتك الوراثية عن عرق ينزع بك من جدك (وأي عار في ذلك؟).
لقد "شيطنك" بعضهم في فرنسا لأن خطابك المنافح عن الإسلام لا يروق لهم، ولأن لديك مفهوما للمواطنة يحرج بعضهم، ولأنك فضحت هوامش الحرية المنقوصة أو المغشوشة في بعض بلدان الغرب، ولأنك طرحت ذلك السؤال الذي لا يريد بعضهم أن يسمعه: ما هو الخطاب الذي تريد فرنسا توجيهه للمسلمين؟ هل تقول لهم إنّكم لا تزالون أجانب في فرنسا بالرغم من أنّكم فرنسيّون لا لشيء إلاّ لأنّكم مسلمون؟، وهو سؤال مطروح على كل الدول الغربية التي تنتشر فيها حمى الإسلاموفوبيا.
لكن ما لنا ولهؤلاء؟لماذا لا تتسع صدورنا، على الأقل، لمن نتقاسم معه الكثير، كما اتسعت صدورهم لمن يخالفهم، فرغم كل ما تقوله مما يزعج المتعصبين ضد الإسلام، لا فرنسا، ولا الدول الغربية الأخرى (باستثناء الولايات المتحدة أيام بوش) سدت أبوابها دونك يا طارق، وأنت المنافح عن الإسلام في ردهات وغرف البرلمان الأوروبي.
من حقك – والحال هذه – أن تتساءل وأن تعجب: كيف تسد الجمهورية الإسلامية الموريتانية أبوابها دونك؟نعم، قد يكون هناك منا أو من بني جلدتنا أو من غيرهم من يريبه حضورك، في مكان معين وزمان معين، لأسباب ليس من همنا هنا أن نستكنهها، لكن كان بإمكاننا أن نقول لهؤلاء وأولئك أن "البعبع" الذي تمثله ليس هيكل لحم ودم، بل هو فكر، وإن الفكر – اتفقنا معه أو اختلفنا – لا يقف عند بوابات المطارات، وإنه لا مصلحة في أن نوقفك ونوقف الكريمات اللاتي يصاحبنك من أفراد أسرتك بعد أن حللتم بأرضنا؛ ولا مصلحة من باب أولى في أن نترككم في قاعة انتظار طيلة الليل، خصوصا إذا كان هذا كله لا يجدي نفعا في تجفيف منابع الفكر الذي تحمل أو في منع رسالتك من الوصول إلى أسماع الناس، والمفترض أصلا أنها رسالة لا تزعج إلا الغلاة في هذا الطرف أو ذاك.
كان بإمكاننا أن نقول لمن يهمه الأمر إن موريتانيا ليست، أو لا ينبغي أن تكون "تيبة" التي تغلق زريبتها على الغربان، وأن هناك أساليب حضارية أخرى أقوم وأكرم للتعامل مع ضيف من هذا العيار طرق بابنا بدعوة من بعض أبنائنا وبتأشيرة من جهاتنا المختصة.كان بإمكاننا، ونحن نستعد لاستقبال القمة العربية، أن نتذكر ونذكر إخواننا بأنه ليس من شيم العربي ولا المسلم أن يطرد ضيفا طرق بابه، أحرى إذا كان قد جاء بدعوة، وجاء مصحوبا بأفراد أسرته، وجاء بعدة علمية وفكرية بإمكانه – وقد فعل – أن يوصلها عن بعد، بل إن منعه حسيا من إيصالها عن قرب في ساعة أو ساعتين من الحديث المباشر، سيفتح له أبوابا معنوية واسعة لإيصالها عن بعد وفي آماد زمنية أوسع؛ أبوابا لا تستطيع الشرطة إيصادها.
كان بإمكاننا أن ندع ضيفنا يدخل ليتحدث إلى ألف أو ألفي شاب حديثا علميا فكريا كالمعتاد، بدل أن ندفعه إلى أن يبث رسالة سياسية، لا تخدم بلدنا، وصلت في غضون بضع ساعات إلى نحو 200 ألف شخص، ولا ندري إلى كم تصل في غضون بضعة أيام أو أسابيع أو أشهر.كان بإمكاننا أن نستقبل ضيفنا ببعض ما عُرفنا به من كرم الضيافة، ثم نطلب منه، برفق، إن كان ولا بد، أن لا يحرجنا – إن كان في الأمر حرج ما – كما فعلنا ذات يوم، فيما سبق، مع كارلوس، يوم كان المطلوب الأول في العالم؛ همسنا في أذنه، بحكمة ورفق، فانسحب راضيا وبدون ضجيج، وجنبنا بلدنا مشاكل نحن في غنى عنها .
عذرا يا طارق...نعلم أنك لست كارلوس، وأن من حقك أن تخاطب موريتانيا بلسان شاعرها فتقول:
نزيلك فأمني أبدا أذاه *** نزيل غير مرهوب المصال
ضعيف لا يخاف البطش منه *** عفيف لا يسب على النوال
قراه إذا ألم بأرض قوم *** مفاكهة اللبيب من الرجال
نعلم أنك، وأنت تحمل "مفاتيح التعايش"، لم تأت حاملا حزاما ناسفا، ونعلم أن كريمتيك مريم ونجوى وحرمك إيمان وصهرك علي لم يأتوا ليشهدوا تفجيرا انتحاريا. وكم يؤسفنا أن لا تجد في جعبتنا البارحة من رصيد مروءاتنا ما نمهد به لهؤلاء الكريمات غطاء ووطاء وكأس شاي بالنعناع، وجرعة من حليب الإبل في فندق أو تحت خيمة أو على تلة من تلال نواكشوط الذهبية.كم يؤسفنا أن تطرقوا بابنا ونقول لكم "ارجعوا"، فما ذلك لنا بخلق.
أتفهم الصدمة التي يمكن أن تكون أصابتك وأنت تطرق أبوابنا، فلا نستقبلك بالطريقة التي استقبلناك بها قبل سنين، وأنت تحل بالبلد في زيارة خاطفة.أتفهم المرارة التي تشعر بها، ذلك أنك وأنت تدير مركزا لدراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، وأنت تؤلف عن الأخلاق، وعنها تحاضر، كان من حقك تماما – ومن حقنا – أن تتصور، خطأ أو صوابا، أنه إن يكن في العالم بقية أخلاق ففي هذا البلد الذي يباهي أهله بأنهم مسلمون جميعا، لا يغيب عن عامتهم أحرى أولى النهى منهم قول من بعث ليتمم مكارم الأخلاق – صلى الله عليه وسلم – "من كان يومن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"؛ بلد يتربى النشء فيه على قول المقنع الكندي:وإني لعبد الضيف ما دام نازلاوما لي سواها شيمة تشبه العبدا!
ومع ذلك، فلا نملك إلا أن نقول لك: عذرا! فلا تجد علينا في نفسك، ولا تتعجل في الحكم على بلد يقدر لك الكثير من مواقفك المشرفة في محاورة المتعصبين في الغرب بلغتهم؛ بلد يتطلع شبابه إلى أن يسمع منك، وإلى أن تسمع منه أيضا.أكيد أنك تعلم أن الشباب الذين دعوك ما أخلفوا موعدك بملكهم. كانوا حقا يتطلعون إلى أن يسمعوا منك في بلد المحاضر (الجامعات الشعبية المفتوحة)، كما سمع منك أضرابهم من الطلبة والأكاديميين والمثقفين في جامعات بريطانيا والولايات المتحدة والمغرب وقطر واليابان وماليزيا، وفي مواسمك السنوية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء التي لقيتك فيها أول مرة، ورأيت تأثير كلمتك الطيبة المغموسة بالحكمة على الشباب والمثقفين.ولعل هؤلاء الشباب يظفرون منك بما أرادوا، ولعل موريتانيا تكشف لك، في قابل الأيام، عن وجه آخر، هو وجهها الحق.عندئذ ستسمع صدى آتيا من وراء القرون، ومن أعماق الأعماق، يقول:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله *** ويخصب عندي والمحل جديب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.