شؤون الحج وأحكامه وأسراره ومقاصده

استضاف الموقع الإلكتروني لحركة التوحيد والإصلاح في لقاء الحوار الحي يوم الثلاثاء 6 دجنبر 2005 الأستاذ شفيق الإدريسي ليجيب عن أسئلة زوار الموقع حول شؤون الحج وأحكامه وأسراره ومقاصده. وقد تنوعت أسئلة الزوار حسب طبيعة السائلين. تعميما للفائدة ومشاركة في نيل الأجر والثواب تعليما وتفقيها في الدين، يسر جريدة التجديد أن تنشر النص الكامل لهذا الحوار الحي، مع تنقيح وتعديل طفيف.
بلحسين- طالب: السلام عليكم، الاستاذ المحترم، عند الاستعداد لموسم الحج، نلحظ اهتماما كبيرا عند حجاج بيت الله الحرام بالماديات، وبما ينبغي اصطحابه من أكل ولباس والقائمة طويلة... في رأيكم ما هو أفضل الزاد بالنسبة للحاج؟
بسم الله الرحمان الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين. يقول الله تعالى في آيات الحج في سورة البقرة: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوني يا أولي الألباب). الحج ركن الإسلام الخامس، وهو فريضة مرّة واحدة في العمر، كما أنه توبة العمر، فلا يُعقَل للإنسان أن يُقبِل على هذا العمل العظيم وهو غير مسلح بالعلم اللازم الذي يورِّثه حلاوة الإيمان ويذوقَ من خلاله طعم الإيمان من تفقه في أحكام وحِكَم وأسرار ومقاصد الحج. فشتان بين الذي يذهب إلى الحج وقلبه ممتلئ بالمعاني والعلم بالأسرار والعلم والحكم، وبين الذي قلبه فارغ من هذه الأسرار والحكم والعلم بالأحكام.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا عني مناسككم والأخذ لا يكون إلا بالعلم بالأحكام والحِكَم، كما أن الله تعالى قال: (وأتموا الحج والعمر لله)، والإتمام كذلك لا يكون إلا بالعلم أحكاما وحِكما. ولقوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ. إذن لابد من العلم بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعمل به ليكون العمل متقبَّلا.
طالب: السلام عليكم. شكرا للأستاذ المحترم، سؤالي هو من الأسبق: الزواج أم الحج؟
الحج أسبق لأنه ركن من أركان الإسلام، وإن كان الزواج كما ورد في بعض الأحاديث أنه نصف الدين، إلا أن الحج أسبق وهو مجلبة للرزق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة. وأسأل الله تعالى أن يوفقك للحج والزواج دفعة واحدة حتى يكون شهر عسلك هناك.
عبد الغفار: الأستاذ شفيق الإدريسي حفظه الله وتولاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو منكم أن تجيبوني على الأسئلة التالية:
.1 طائرتي بحمد الله وتوفيقه ستنطلق مباشرة إلى مكة المكرمة، وأنوي بحول الله أن أحج متمتعا، فهل من الضروري أن أعتمر إن شاء الله مباشرة بعد وصولي إلى الفندق ودخولي للمسجد الحرام ورؤية الكعبة المشرفة، أم يمكنني في حالة التعب أن أصلي داخل الحرم ثم أعتمر فيما بعد ؟
.2 بعد التحلل سواء بعد العمرة أو الحج ما هو الأفضل بالنسبة للحاج هل البقاء بثوب الإحرام أم ارتداء الملابس العادية؟
.3 بالنسبة للمرأة إذا كان أي لباس تتحقق فيه شروط الحجاب هو جائز، فهل اللون الأبيض في هذه الحالة أفضل أم كل الألوان سواء ( ليس المقصود الألوان مبهرجة والمثيرة للانتباه )
.4 هل المقصود بملازمة التلبية هو العج (بالعين وليس بالحاء) بها في كل وقت وحين، صباح مساء ؟
.5 أثناء أداء مناسك الحج، هل يجوز للحاج أن يغتسل ( مثلا في منى أو مزدلفة ) أم ينتظر حتى يتحلل؟ وجزاكم الله خيرا
الجواب على السؤال الأول: ليس من الضروري أن تعتمر مباشرة إذا كان عندك مانع كالتعب الشديد، أو حلَّ وقت صلاة الفريضة، فإنك تصلي ثم تشرع في عمرتك، أما إذا كنتَ قد أصابك التعب الشديد فاسترح حتى تقومَ للعبادة وأنت في كامل قوتك ونشاطك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليصل أحدكم نشاطه، وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم بالإبراد بالصلاة في الصيف حتى يُقبل على ربه في حالة خشوع ونشاط، أما إذا لم يكن هناك داع لتأخير مناسك العمرة فالأولى أن يبادر الإنسان بالإتيان بها فور وصوله إلى مكة.
السؤال الثاني: الأفضل بعد التحلل هو أن يلبس الإنسان ثيابه العادية وإن كان الإزار والرداء هو لباس كذلك، إلا أنه إذا بقي الإنسان لابسا إزاره ورداءه لا يعتقد بذلك أنه لابس لباس الإحرام بل هو لباس كأي لباس.
السؤال الثالث: للمرأة أن تلبس الأبيض إذا كان لا يشفّ ولا يصف، خصوصا إذا صبت على رأسها من ماء زمزم لا يكون من شأن ذلك أن يصف رأسها وشعرها وأذنيها. فإن كان الأمر كذلك فلا بأس، بل الأفضل أن تلبس الأبيض أو أي لون شاءت، فليس هناك ما يدل على أفضلية لون من الألوان في الإحرام.
السؤال الرابع: نعم، المقصود بالعج (بالعين وليس بالياء) هو رفع الصوت بالتلبية وقد جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ذو الحليفة، فقال له امُرْ أصحابك ليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فلم يبلغوا الروحاء (50 كلم) عن ذي الحليفة حتى بحَّت أصواتهم، وقال عليه الصلاة والسلام: أفضل الحج العجُّ والثَّجُّ وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: كن عجّاجا ثجّاجا وقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الحاج أكثرهم لله ذكرا. والتلبية هي أفضل الذكر لأن فيها توحيد الله عز وجل. وقال عليه الصلاة والسلام: ما من ملبّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشمالِه من شجر وحجر ومدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا وقال أيضا: ما من ملبّ أضحى يلبي حتى تغيبَ الشمس إلا غابت ذنوبه وخرج منها كيوم ولدته أمه.
السؤال الخامس: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفي عُمَرِهِ أنه اغتسل أثناء الإحرام، فلا بأس للإنسان أن يغتسِل وهو محرِم، بل هو مستحب أن يغتسل لدخول مكة لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك في ذي طوى في حجة الوداع.
بعلا محمد - طالب: السلام عليكم ما رايكم استاذ فى الذين يحجون عاما بعد عام في حين أن هناك اعمال بر اخرى هي أولى كالصدقة و استثمار تلك الأموال في البلد وتشغيل ملايين المعطلين بدل إهدائها لوزارة السياحة السعودية.
وما رأيكم استاذ في تفسير قوله تعالى(....لمن استطاع اليه سبيلا) هل المقصود بها استطاعة الدولة و المجتمع وليس الأفراد، و في آثار السلف ما يدل على ذلك كمثال على ذلك حين فضل عبدالله بن المبارك مساعدة المرأة المحتاجة على الحج. وأستسمحكم على الإطالة وشكراً لكم.
يمكن للإنسان أن يجمع بين أعمال البر من التنمية في البلد وتشغيل الناس وحج التطوع، ذلك أن من باب فقه الأولويات تكون الأسبقية لإطعام الجائعين ومداواة المرضى وإيواء المشردين كما كان فعل عبد الله بن المبارك رحمه الله.
أما الاستطاعة المشار إليها في قوله تعالى: (لمن استطاع إليه سبيلا)، فهي تتعلق بالأشخاص وليس بالدول والجماعات.
مهدي - باحث: الحج كما يقال فرصة العمر لأن الله تعالى جعل لعباده محطات ومواعيد للمحاسبة و التوبة والإنابة والرجوع إلى السبيل القويم. فهناك الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، الحج إلى الحج سنويا. نود منكم أستاذنا الفاضل أن تنورونا بالمغازي والدلالات التي يجب على الحاج أن يستحضرها حتى يكون فعلا ممن دخل في حكم ( من حج ولم يرفث ولم يصخب رجع كيوم ولدته أمه) وهذا أضمن من أنبل الاهداف التي يجب على الحاج أن يسعى لها من خلال حجه. في نظركم ما هي أهم الأمور التي ينبغي على الحاج الحرص عليها استعدادا وأثناء الحج وبعده حتى يكتب حجه صحيحا.
حتى يكون الحج قد أدى أهدافه ووصل إلى درجة البرّ التي هي سبيل الجنة، لابد للإنسان أن يتفقه في دينه أحْكَاما وحِكَما، ولابد له قبل ذلك أن يجرِّد التوحيد لله تعالى في حجه، ولابد لهذا الحج أن يكون خاليا من الإثم وأن يكون من نفقة حلال، وأن يحذر من الشيطان لكي لا يختلِس منه ثواب ذلك الحج، ويدخل تحت طائلة حديث المفلس الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج وذكر، ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا وهتك عرض هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من سيئاتهم ثم طُرِحت عليه، ثم طُرٍح في النار. وعلى الإنسان أن يستحضر وهو يحج أنه يلبي نداء ربه على لسان نبيه إبراهيم وأنه يكمل ركنا من أركان دينه وأنه يطرق باب الجنة، وأنه يأتي بابا من أبواب الجهاد لأن الحج جهاد، وأنه كذلك يخطو على خطو الأنبياء كلهم وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبحجه هذا يُقيم التوحيد لله تعالى، وعليه أن يتذكر في سفره هذا إلى الحج بسفره الأخير إلى الله تعالى من تجرد من الملابس والتطيب وغير ذلك.
وعليه أن يستحضر أنه بتلبيته وطوافه إنما هو في تسبيح مع الكون كله، وإنما طوافه ذكر وحياة له. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت، والطواف ذكر لله كما ورد في الحديث. كما عليه أن يستحضر وهو في سعيه، سعي هاجر عليها السلام ويقينها في الله تعالى وتوكلها التوكل الإيجابي الذي جلب الحضارة إلى هذا الوادي غير ذي زرع.
كما أن وقوفه بعرفة وبالمشاعر المقدسة يذكره بالوقوف بين يدي الله عز وجل، خصوصا أن سورة الحج تبتدئ بمشاهد يوم القيامة، لقوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) وعليه أن يستحضر بترحاله، بين مكة ومنى وعرفات ومزدلفة ومنى ثم مكة ثم منى، أنه في هذه الدنيا غريب أو عابر سبيل.
كما عليه أن يستشعر وهو يقبل أو يشير إلى الحجر الأسود الذي هو حجر من الجنة عليه أن يستحضر أنه يريد بحجه بعمرته باستلامه أو بإشارته إلى الحجر العودة إلى موطن أبيه وموطنه الأصلي الذي هو الجنة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة.
عبدالواحد: مااالحكمة من تشريع الحج؟
الحكمة من تشريع الحج هو إقامة التوحيد لله عز وجل، فإن كانت الصلاة عبادة بدنية كالصوم، والزكاة عبادة مالية، فإن الحج يجمع بين العبادتين، والحج شُرِع لكي يحبِّس الإنسان نفسه وروحه لله عز وجل فهو سفر لله وانقطاع إليه، وطاعة واستسلام كاستسلام إبراهيم والأنبياء وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم القائل: قفوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم.
فإبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا، وهو الذي قال الله له تعالى أسلم، قال أسلمتُ لربِّ العالمين. فبالحج يتحقق الإسلام والاستسلام لله رب العالمين. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لعمرو ابن العاص: ألم تعلم أن الإسلام يهدِم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله، ثم إن الحج بالتلبية بالطواف، بالسعي، والامتثال لله تعالى يكون الإنسان قد دخل في التسبيح ولا يكون بذلك نبرة نشازا عن الكون. فالله تعالى يقول: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
فالذرة والإلكترون والأرض حول نفسها والمجموعة الشمسية، والمجرة، وبرج التبانة.. كلها تطوف كما يطوف الحاج والمعتمر. كما أن النطفة في الرحم قبل أن تصبح علقة تطوف كما يطوف الحاج.
ثم إن الطواف يحقق بكونه صلاة وِحْدةَ الأمة الواحدة في الصلاة الواحدة لله الواحد الأحد، والله تعالى قال لنبيه إبراهيم: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا)...
عبد الرحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جرت العادة أن أضع عند نومي أو مباشرة بعد تبولي - شرف الله قدركم - حائل (ورق صحي) بين فرجي وتباني خشية أن ينزل شيء من ودي أو قطرة من التبول حفاظا على نظافة ملابسي. فهل يمكن أن أضع الورق الصحي في حالة نومي إن شاء الله بمنى أو مزلفة تحت الإزار شكر الله لكم تعليمكم وتفقيهكم لنا.
لا بأس من ذلك إلا أني أرى أنه ليس من الضروري ذلك، إلا إذا كنتَ مصابا بمرض فلك أن تتحفظ من ذلك. واعلم أنه ليس من شروط الوقوف بعرفة أو المزدلفة أن تكون على طهارة.
عبد الله: إذا اغتسلت و صليت ركعتين بالمنزل ثم ركبت الطائرة ووصلت إلى الفندق بمكة، هل بإمكاني ان أعيد صلاة ركعتين وأغتسل مرة أخرى بعد أن أكون قد دخلت في الإحرام وأنا على متن الطائرة وذلك من السنة؟
إذا كنت تقصد بالركعتين ركعتي الوضوء فإن الركعتين اللتين صليتهما في المنزل مجزئتان، ولا حاجة لإعادتهما حين دخولك مكة، أما إذا كان القصد بالركعتين: الإحرام، فاعلم أن ليس للإحرام ركعتان، فإن الركعتين اللتين صلاهما النبي صلى الله عليه وسلم حين إحرامه كانت ظهرا وقصرا في ميقات أهل المدينة، وأن جبريل عليه السلام جاءه وقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك إذن، الركعتان هما للظهر، وبخصوص الوادي المبارك. ولك أن تصلي نافلة إذا وصلتَ إلى رابغ، ولكن ليس بنية الإحرام، بل بنية النافلة إذا كان الوقت يُسمح فيه بالنافلة.
كما يمكنك الاغتسال إذا دخلت مكة، فليس من مانع لذلك شريطة أن لا يكون في المواد التي تغتسل بها رائحة طيبة، فإنه من سنن دخول مكة الاغتسال لها.
سعيد - إمام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السؤال: هل يجوز استئجارشخص في الحج نيابة عن أحد الولدين إذا كان ميتا؟
الأولى على الأولاد الذين توفي والدهم أن يقوموا بالحج عنه إذا لم يكن قد حجّ حجة الإسلام، إلا أنه إذا كانت عندهم شواغل تمنعهم بذلك، فإن بعض الفقهاء ذهبوا بجواز أن تستأجروا من يقوم بهذا العمل، شريطة أن يكون هذا النائب قد حجَّ عن نفسه حجة الإسلام، والأولى أن يقوم أحدكم بالحج عنه.
ابن مبارك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيرا أستاذ وجعل عملكم في ميزان حسناتكم غدا يوم القيامة آمين.
مكان الملتزم من الكعبة الدعاء فيه مستجاب، وعمليا يصعب في الحج إيجاد مكان بالملتزم والالتصاق به، فمن خاف إذاية ضيوف الرحمان ورغب في الدعاء بعيدا عنه فهل يستحب أن يكون الدعاء بعد صلاة ركعتين أو بعد صلاة الفريضة أم يمكن أن يكون في أي وقت. وهل يمكن تكرار هذا الفعل (الدعاء في الملتزم) مرات عديدة؟
الملتَزَم هو تلك المساحة التي هي بين الحجر والأسود وباب الكعبة، وفعلا كما قلتم الزحام شديد، فالأولى للإنسان أن يذهب بعيدا مقابلا للملتزم ويدعو أثناء أو بعد الطواف، أو بعد الركعتين، أو بعد الشرب من زمزم، أو حتى ينتهي من عمرته، أو حجه، فالمكان فاضل، ويُجاب فيه الدعاء، سواء كان في الطواف أو خارجه أثناء أداء العمرة أو خارجها.
حسن-طالب: نحن الشباب، نسمع أحيانا بعض الأحداث السلبية التي تقع في الحج، مثلا وقائع الخصومات التي تحدث بين بعض الحجاج، فهل يجوز للحاج أن يرد على الاستفزازات ويدخل في خصومات قد يفعلها بدون علم ولا شعور؟
قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). والنبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وعندما سئِل عن البر في الحج، قال: لين الكلام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام وقال كذلك: أنا زعيم (ضامن) ببيت في رَبَضِ الجنة (حواشي الجنة) لمن ترك الجدال ولو كان محقا... وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خلقه. فالحاج لكي يكون حجه مبرورا عليه أن يكفَّ عن إذاية غيره وإن أوذيَ هو، بل هو مأمور بأكثر من ذلك أن يقابل السيئة بالحسنة بلين الكلام، وإطعام الطعام وإفشاء السلام. الله سبحانه وتعالى قال: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) بمعنى أن الذي نوى فيه الشر مجرّد النية، فإن الله تعالى قد توعده بالعذاب الأليم، وكيف والحال هذا أن الإنسان خرج من طور النية إلى الفعل السيء، ولكن، على أيّ، فإن الله تعالى يعذر الإنسان بجهله إذا كان لم يعلم هذه الأحكام والآداب التي يجب أن يتحلى بها الحاج حين حجه، ونسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وأن يرحم ضعفنا وتقصيرنا وغفلتنا.
بن مبارك: جزاكم الله أستاذنا الفاضل على جوابكم السابق. بقي هل يمكن الدعاء عند الملتزم مرات عديدة ولكم جزيل الشكر؟
نعم، يمكنكم الدعاء عند الملتزم ما بدا لكم، فإن لا يمل حتى تملّوا، فأكثروا من الدعاء فإن الدعاء هو العبادة.
أبو عبد الله: أستاذ شفيق السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
غالبا ما تكثر الأسئلة عن النساء حول ما ينبغي فعله إذا حاضت وهي تؤدي مناسك الحج أو حتى قبل ذلك، واستمر معها الحيض إلى حين دخول وقت مناسك الحج. فهلا بينتم لنا وللنساء المرافقات لنا مختلف الحالات المتعلقة بالحيض وما ينبغي فعله؟
إن الحيض مما كتبه الله تعالى على بنات آدم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله تعالى عنها حينما دخل عليها وهي تبكي قبل أن يدخلوا مكة في حجة الوداع. إذا حاضت المرأة قبل أن تُحرم فلها أن تغتسل للإحرام، وإذا وصلت إلى الميقات تحرم بمعنى تدخل بنيتها إلى نسك الحج أو العمرة، وتبقى على تلبيتها وحجها وتفعل ما يفعل الحاج والمعتمر إلا أنها لا تطوف حتى تطهر، بمعنى أنها تبقى في إقامتها إلى أن تطهُر، فإذا طهُرت، تغتسل وتذهب إلى الحرم لأداء مناسك العمرة، ثم تتحلل بعد الطواف والسعي بقصِّ قدر أنملة رأس الأصبع من شعرها.
فإذا جاء الحيض وهي في عرفات أو مزدلفة، أو منى فإنها كالحجاج تفعل ما يفعلون، تُحرِم وتقف في المشاعر كلها، إلا أنها لا تصلي ولا تطوف طواف الإفاضة حتى تطهر بمعنى لها أن ترمي الجمرة وأن تهدي وتقصَّ من شعرها بل هناك من الفقهاء من أجاز لها السعي للحج.
فإذا افترضنا أنها لم تطف طواف الإفاضة لأنها حائض، وحان أوان انصرافها ولم يكن بد من ذلك، فإنها تغتسل وتستثفر وإن كانت حائض، لأن الله تعالى يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ووافقهم الشيخ القرضاوي في أنها تطوف والحالة هذه وليس عليها فدية، لأن الحج عبادة فيها رفع الحرج.
وللمرأة التي خافت هذه الحالات أن تأخذ حبوب منع الحيض ولكن شريطة أن تستشير الطبيب ويأذن لها في ذلك.
عبد العلي- مستخدم::هل يمكن لكم أن تذكر لنا باقتضاب الاختلافات الموجودة في مناسك الحج عنها في العمرة؟ مثلا في العمرة يتم تقديم شرب ماء زمزم على السعي في حين يقدم السعي في الحج على الشرب. فهل هناك اختلافات أخرى حتى يسهل على الحجيج استيعابها وفهمها (الاختلاف المقصود من غير الذهاب إلى منى ومزدلفة ورمي الجمرات ما إلى ذلك) شكرا لكم.
ليس فيما أذكر اختلافات أخرى كالتي ذكرتها في شأن التقديم والتأخير في الشرب من زمزم قبل أو بعد السعي باختلاف الأمر بين العمرة والحج.
عبد الله: من خلال تجربتكم أستاذنا الكريم، ما هو الوقت الأفضل الذي يجمع بين أداء هذه الشعيرة على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين تفادي الازدحام ؟ وما ينبغي فعله في الحجر الأسود حتى نتجنب إذاية الناس باعتبار حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة مكة؟ -هل من نصائح عملية أخرى يمكن أن نستفيد منها ؟
للإنسان أن يؤدي مناسك عمرته وحجه إما في صحن الكعبة، أو في الطابق العلوي إذا كان الطابق العلوي أخف ازدحاما ثم إن استلام الحجر الأسود وتقبيله سنة من سنن الطواف، والأولى عدم المزاحمة عليه وإذاية الناس، لأن الذي يتحاشى ذلك لاتقاء إذاية الطائفين يكون له من الأجر والثواب إن شاء الله أكثر من الذي يزاحم لاستلام وتقبيل الحجر وإذاية المؤمنين.
واستحضر أنك ضيف عند الله تعالى في بيته وفي شهره الحرام، فتخلقْ بأخلاق الضيف عند ربه.
عبد الغني محمد: الأستاذ المحترم جزاك الله خيرا على الإفادات التي قدمت في هذا الحوار، وأريد أن أستفسر عن الآتي:
هناك الكثير من الناس من يخلطون أموالهم الحلال بأموال غير طيبة مثل المتاجرة في الخمور وبيع الدخان بالجملة والتقسيط، والقمار. ماهي شروط المال الحلال الذي يجوز به الحج وهل الاقتراض من أجل الحج جائز، ففي السنوات الأخيرة تجرّأت شركات القروض بالفوائد وأعلنت عن قرض الدخول المدرسي بالفائدة، وقرض رمضان بالفائدة، ثم قرض عيد الأضحى بالفائدة، وأخشى أن تعلن عن الحج بالفائدة. فهل الاقتراض من أجل الحج جائز؟
أولا إن الله تعالى لا يقبل لعبده إلا الطيب ويكره له كل خبيث، وإن كان الأمر كذلك فإنه من باب أولى أن لا يقبل أن يفد إليه الوافد حاجا أو معتمرا بالخبيث من المال، لأن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين وقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء يارب يا رب ومعطمه من حرام وملبسه من حرام، وغُذي بالحرام فأنَّى يُستجاب له، وذكر عليه الصلاة والسلام كذلك أن الذي يضع رجله في الغرز وماله حرام يقول له الملك لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به.
ثانيا، لا يجوز للإنسان أن يقترض بالربا لأي شأن من شؤون حياته لأن ذلك يفتح على الإنسان حربا من الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الأمر كذلك، فإنه من باب أولى أن يكون الاقتراض بالربا للتقرب إلى الله تعالى صياما أو حجّا حرام من باب أولى وأحرى.
أما ذكرك القرض بالفائدة فإن هذه المفردة في الحقيقة ليس فيها من الفائدة إلاَّ الاسم، فالفائدة الوحيدة إن صحّ التعبير من هذا الاقتراض هو الحرب من الله تعالى.
ثالثا، إذا كانت للإنسان أموال مرجوة مستقبلا إلا أنه لم تكن له من السيولة التي تمكنه من الحج، فإنه يجوز له أن يقترض للحج إلى أن يبيع عقاره أو يأتيه مال مرجو الحلول مستقبلا.
حسن صابر - أستاذ التعليم الابتدائي:
في الأدبيات التي تتحدث عن ركن الحج الأكبر، وفي القصص التي يرويها كثير من ضيوف الرحمن، أجد أنهم يتفقون على شيء من بين عدة أشياء، لكن هذا الأمر أثارني وجعلني أتوقف طويلا كلما سمعت مثل هذا الحال، ألا وهو تغير النفس وهي مقبلة على البيت المحرم، ونسيان كثير من الأمور الشخصية مثل الحاجات اليومية وحاجات الأهل والمشاغل والآمال والأحلام الدنيوية، فكأنما يتم تفريغ نفس الحاج من الدنيا. أستاذنا الكريم وفقك الله، كيف تفسر لنا هذا الشعور الغريب علينا نحن الذين ننتظر دورنا في رؤية كعبة البيت العتيق والطواف حولها والسعي بين صفاها والمروة. اشفوا غليلنا وارووا ظمأنا قبل أن تجف حلوقنا يرحمكم الله.
اعلم رعاك الله أن الحج انقطاع إلى الله تعالى من أجل توحيده وعبادته والسفر إليه والانقطاع عن الأهل والمال، لأن الإنسان يخوض طيلة عمره في الدنيا، ويكون شغله الشاغل هو الأولاد والأموال، وأمور الدنيا عامة.
فمن رحمته سبحانه وتعالى أن جعل الحج لله تعالى مرة واحدة في العمر، فليس غريبا أن يكون الحاج وهو في ضيافة ربه، وهو في هجرته إليه وفي جهاده هذا (لأن الحج جهاد)، أن ينقطع الإنسان بروحه عن الدنيا ويكونَ لربه كما يكون المعتكف في معتكفه في رمضان أو غيره، خصوصا أن أشهر الحج وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة تأتي مباشرة بعد رمضان الذي يكون الإنسان فيه قد استعد باعتكافه بصيامه لربه أن يكون وقْفا لله تعالى في حجه، واعلم أن الأمر الذي ذكرتَ ثمرة دعاء إبراهيم عليه السلام حيث قال: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)، وينقل عن الإمام الغزالي رحمه الله أنه قال: مكة تبكي على من لم يراها، فمن رآها فهو الذي يبكي عليها فأسأل الله تعالى أن يُيَسّر لك سبل الحج المبرور ويزيدك شوقا وعلما حتى إذا حججتَ ذقتَ بذلك حلاوة الإيمان، والأنس بالله تعالى