هل كان من الصدفة أن تكشف وزارة الداخلية مؤخرا عن النتائج التفصيلية لنتائج اقتراع السابع من أكتوبر الماضي؟ هذه الأرقام تضع الأحزاب السياسية أمام حقيقة أحجامهم السياسية وأوزانهم الانتخابية، وتؤثر بشكل غير مباشر على المفاوضات الجارية من أجل تشكيل حكومة طال انتظارها.. لقد أظهرت الأرقام المعلن عنها تقدما كبيرا لحزب العدالة والتنمية في عدد من الدوائر الانتخابية، وخاصة المدينية منها، حيث حقق أرقاما قياسية في عدد الأصوات المحصل عليها في عدد كبير من الدوائر الانتخابية. ونظرا للأعطاب البنيوية التي تمس نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي وعتبة التمثيل، فإن الحزب لم يترجم عدد الأصوات المحصل عليها إلى مقاعده المستحقة، ومع ذلك فإن هذه النتائج غنية بالرسائل السياسية التي عبر عنها سكان المدن الكبرى والفئات المتوسطة وفئات مهمة من ساكنة العالم القروي، فقد حقق الحزب أعلى عدد من الأصوات في جهة سوس ماسة بحصوله على 203 176 صوتا بنسبة 37,47 في المائة، وتصدر جهة الدارالبيضاء سطات983 333 ب33.8٪وجهة فاسمكناس 338 201 بنسبة 27,4٪، وجهة الرباطسلاالقنيطرة ب 218 235 أي ما يعادل 29.69 ٪ بالإضافة إلى جهة درعة تافيلالت، حيث جاء متقدما على باقي الأحزاب ب835 82 بما يعادل نسبة 24,49٪. كما حصدت لوائح «المصباح» المرتبة الأولى في 40 دائرة على المستوى الوطني من أصل92 وحازت على أكثر من 50 في المائة من الأصوات في 11 دائرة من الدوائر الأربعين التي حصل فيها على المرتبة الأولى كدائرة طنجة أصيلا التي حصل فيها الحزب على 62 ألف صوت بما يعادل نسبة 54.59 في المائة، ودائرة إنزكان- آيت ملول ب40245 صوتا..كما تجاوز نسبة 53٪ في كل من دائرة سيدي يوسف بن علي بمراكش، وفاس الجنوبية، و دائرة الحي الحسني بالدارالبيضاء بنسبة 52.88 ٪ ودائرة المنارة بمراكش ب 51 ٪، ودائرة سلاالمدينة على 50.22 في المائة. وحل حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثانية على مستوى 6 جهات، وهي مراكشآسفي والداخلة واد الذهب وطنجةتطوان، بالإضافة إلى جهة الشرق وجهة كلميم واد نون وجهة بني ملالخنيفرة. الخلاصات السريعة التي لا يمكن تجاوزها أن حزب العدالة والتنمية نجح في الحفاظ على ثقة الناخبين الذين صوتوا له يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وأضاف لها آلاف الأصوات الجديدة، كما أقدم الحزب على اختبار أدائه بترشيح وزرائه ورموزه مستعرضا حصيلته الانتخابية ومستعدا للمحاسبة الشعبية، وقد نجح في الامتحان بحيث حصلت لوائح أمينه العام وباقي الوزراء وقيادات الحزب أرقاما قياسية في دوائرهم الانتخابية، بينما افتقد خصومه إلى الشجاعة لترشيح قيادات سياسية معروفة واكتفوا بترشيح جملة من الأعيان المحليين المستقطبين من أحزاب أخرى.. من أهم الدروس أيضا التي يمكن استخلاصها أن روح الحراك الشبابي الذي انطلق قبل 5 سنوات لازالت موجودة، وقد عبرت عن نفسها بدعم خيار الاستمرار في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل الاستقرار ومن خلال المؤسسات القائمة..هذه المرة ليس بواسطة الشعارات والاحتجاجات في الشارع، ولكن بواسطة الصوت الانتخابي الذي بدأ الوعي بقيمته يتزايد شيئا فشيئا وهو ما يفسر محاولات زرع الإحباط في نفسية من شاركوا في اقتراع السابع من أكتوبر، عبر الإيحاء بطرق ملتوية بأن الحكومة القادمة ستكون بعيدة عن إرادتهم الحرة المعبر عنها في الانتخابات الأخيرة...! لقد كان الصوت الانتخابي حاسما في إفشال مخطط النكوص الديمقراطي الذي كان يستعد للإجهاز على الديموقراطية المغربية الفتية، وبالفعل، أكدت نتائج اقتراع 7 أكتوبر أن خيار الإصلاح في ظل الاستقرار أصبح خيارا راسخا في وعي العديد من الفئات المجتمعية المختلفة، وأن تملك المجتمع لهذا المنهج هو الذي دفعه للتصويت بكثافة لفائدة حزب العدالة والتنمية رغم جميع المحاولات التضليلية التي وصلت إلى درجة شن حملات إعلامية وسياسية منسقة.. لقد فشلت هذه الحملات في تضليل الناخبين، بل كانت لها مفاعيل عكسية، وساهمت في إيقاظ الوعي السياسي والثقافي للناخب المغربي الذي اختار التصويت بكثافة ضد هذه الحملات، محطما بذلك جميع التكهنات التي كانت تراهن على إغلاق قوس الربيع الديمقراطي والعودة إلى مربع التحكم.. لقد لعب الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي دورا حاسما في فضح هذه الحملات والكشف عن خلفياتها المهددة للمسار الديمقراطي، كما كشف عن حجم المصالح التي تختبئ وراءها ونوعية العلاقات المشبوهة التي تربط بين بعض مراكز النفوذ وبين صحافة التشهير التي فقدت مصداقيتها وفقدت إمكانيات التأثير أمام عمق التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي وتغلغل الإعلام الجديد في أوساط الشباب وفي العالم القروي ووسط الإلترات الرياضية وغيرها من الفئات غير المؤطرة حزبيا والتي كانت كلمتها في الانتخابات الأخيرة حاسمة.. الدرس الكبير الذي يمكن تأكيده، هو وعي المواطن بقيمة صوته الانتخابي، وإدراكه العميق لأهمية المشاركة الانتخابية في الدفع بعجلة التطور الديمقراطي إلى الأمام.. كل هذه المعطيات، تجعل الاقتراع غير قابل للنسيان، ومن الصعب على من فشلوا في الانتخابات أن يحققوا ما أرادوا بالمفاوضات... فحذار من لعبة تجاوز الأرقام، فالأرقام لا تكذب..