الطالبي العلمي كاعي من البلوكاج لي داير لشكر لهياكل مجلس النواب واللي تسبب فتعطيل المؤسسة التشريعية    وزيرة : ليبيريا تتطلع إلى الاستفادة من التجربة المغربية في مجال التكوين المهني    "أحرضان" القنصل المغربي بهولندا يغادر إلى دار البقاء    عساكرية من مالي والنيحر شاركو مع البوليساريو فتمرين دارتو دزاير (تصاور)    نقابة تتهم حيار بتعطيل الحوار الاجتماعي ومحاولة تصفية وكالة التنمية الاجتماعية    تعزية لعائلة الجايحي في وفاة الحاج علال    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط نتائج بحث الظرفية لدى الأسر الفصل الأول من سنة 2024    "لارام" وشركة "سافران" تعززان شراكتهما بمجال صيانة محركات الطائرات    فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة    إسرائيل تقصف أصفهان بمسيّرات.. وإيران: لا تقارير عن هجوم من الخارج    رغم غلق الأجواء.. فريق مغربي يسافر في رحلة مباشرة إلى الجزائر    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    فضيحة فبني ملال.. التغرير بأطفال قاصرين بغرض تعريضهم لاعتداءات جنسية طيح بيدوفيل    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    أنباء عن انفجارات في إيران ناجمة وفق مسؤولين أميركيين عن ضربة إسرائيلية    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    سوريا تؤكد تعرضها لهجوم إسرائيلي    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    الهجوم الإسرائيلي على إيران يشعل أسعار النفط    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    هجرة .. المشاركون في الندوة الوزارية الإقليمية لشمال إفريقيا يشيدون بالالتزام القوي لجلالة الملك في تنفيذ الأجندة الإفريقية    دوي انفجارات بإيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائيلية    جورنالات صبليونية: هليكوبتر بالشعار الملكي والدرابو بالحمر حطات فمطار كاستيون    جنايات الحسيمة تصدر حكمها على متهم بسرقة وكالة لصرف العملات    حملة جديدة لتحرير الملك العام في مدينة العرائش أمام تغول الفراشة    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد شبار يناقش أفكار أحمد عصيد
نشر في التجديد يوم 12 - 03 - 2010

نشرت الجريدة الأولى في عددها 506 ، ليوم 12 يناير 2010 ، مقالة للسيد أحمد عصيد تحت عنوان (( أسئلة الإسلام الصعبة)) فيها جرأة زائدة لم تكتف بنقد مظاهر التدين والتجارب الدينية ، بل بدأت تتدرج إلى نقد الدين نفسه وكيل التهم والدعاوى لنصوصه و استعارة الأحكام الانتقائية الجاهزة التي كان يرددها خصوم الدين منذ قرون خلت من غير بينات علمية تسندها. هذا فضلا عن مغالطات و تشكيكات في تاريخ وحضارة المسلمين لا ترى ولا تنظر إلا إلى السلبيات و تعمل على تضخيمها وكأنها كل إنجاز وعطاء هذه الحضارة انفردت بها من دون حضارات وتواريخ الأمم والشعوب التي مهما كانت سلبياتها وأخطاؤها فادحة و فضيعة و نصوصها الدينية هشة أمام النقد التاريخي والعلمي ، فإنه يتم التستر عليها والتعامل معها بمنطق معكوس لمنطق التعامل مع دين وتاريخ وحضارة الإسلام. وهذه مقتطفات مما قاله ننقلها كما هي دون إخلال بمضمونها قبل الشروع في إبداء بعض الملاحظات والتوضيحات بخصوصها.
يقول السيد عصيد:
((إذا كان الإسلام دينا بريئا من كل النعوت السلبية وليس فيه مشكل في حدّ ذاته، فأين يكمن المشكل إذن، ما دام المسلمون يبررون كل مشاكلهم مع العالم ومع بعضهم البعض وكل أخطائهم انطلاقا من الدين ومن نصوصه؟)).
((إذا كان المشكل في المسلمين وليس في الإسلام ذاته، فهل المقصود هم فقط مسلمو اليوم أوالمسلمين منذ بداية الإسلام )) .
((إذا قام بعض المسلمين بالدفاع عن دينهم باستحضار نصوص ذات مضامين إيجابية، فإنّ بعضهم الآخر يرتكب الأخطاء الشنيعة اعتمادا على نصوص أخرى هي أيضا من القرآن والسنة، مما يطرح مشكل التعارض الصريح الموجود بين نصوص الدين الإسلامي ، والإرتباك في استعمالها، وهي تناقضات إن كان المسلمون يبتلعونها صامتين باللجوء إلى ألاعيب الناسخ والمنسوخ والضعيف والصحيح فإن باقي العالم لا يمكن له القبول بالتناقضات التي لا يستسيغها العقل السليم. ذلك أن القرآن إن كان يضم نصوصا منسوخة ومتجاوزة منذ 1400 سنة باعتراف الفقهاء أنفسهم فلماذا ظلت هذه النصوص موجودة ضمن الكتاب تحفظ وتروى وتشرح حتى الآن ؟ ألا يعني هذا في العمق أنها ليست منسوخة وأن من حق بعض المسلمين اعتبارها مرجعية لهم واعتمادها في سلوكاتهم ؟ ما هو الموقف الواضح والصريح من النصوص التي تستعمل في الإرهاب وإيذاء الناس والإضرار بمصالحهم ؟ ولماذا يطالعك المسلم بالآيات الإيجابية ويخفي غيرها عندما يكون في وضعية دفاع، ثم يفاجئك بعد ذلك بنصوص إرهابية المحتوى بمجرد ما يصبح في حالة قوة ؟)).
((يعتقد جلّ المسلمين بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهم يقصدون بذلك إمكان تطبيق نصوصه وشرائعه في الواقع العيني المشخص في عصرنا هذا وفي المجتمعات الحالية، وكأن الزمن لم يكن، وكأن الحضارات لم تتعاقب وتنبن على أنقاض بعضها البعض على مدى قرون طويلة، وكأن أحداثا هائلة ومزلزلة لم تحدث، وكأن الإنسان لم يقم بثورات قلبت معارفه رأسا على عقب وجعلته يعي وجوده ووجود العالم بشكل مختلف لا نظير له في التاريخ ولا علاقة له بما كانت تقوله الأساطير والديانات المختلفة، فهل يمكن للمسلمين أن يبدعوا في الحضارة الحالية ويضيفوا إليها شيئا جديدا إذا ظلوا يعتقدون حقا بأنّ دينهم كما هو وكما فهمه السلف ما زال صالحا لكل شيء في الوقت الراهن ؟ هل يمكن لأي دين في عالم اليوم أن يزعم بأنه صالح لكل شيء وفي كل شيء ، إلا إن كان أهله يعانون من مشاكل نفسية وعقلية خطيرة)).
((يريد بعض المسلمين استعمال الدين في الحياة السياسية كمرجعية شمولية وكأحكام ومضامين أخلاقية وشرائعية وعقدية وككل غير قابل للتجزيء، ويريدون في نفس الوقت ألا يكون هذا الدين مثارا لأي نقد أوتقييم أومعارضة، يُرشحون الدين لأن يمارس وظائف سياسية في الدولة، ولا يقبلون في الآن نفسه أن يُنتقد في مضامينه ونصوصه التي يراد تطبيقها على الناس في حياتهم العامة والخاصة، وذلك بزعم أنها نصوص قطعية متعالية وسماوية المصدر، فهل يمكن استعمال شيء ما كأداة في السياسة دون تعريضه للنقد؟)).
((الإعتراف بأن المشكل ليس في المسلمين فقط بل يكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه، وأن عليهم إعادة القراءة والتمحيص والتفسير والتأويل من أجل التخلص من النصوص المتجاوزة والخروج من عنق الزجاجة إلى العالم الرحب، وهو مجهود لا يبدوأن لدى المسلمين لا القدرة ولا شجاعة القيام به في الوقت الراهن)).
((اللحظات التي تصور على أنها عصر ذهبي للإسلام والتي هي مرحلة النبوة والخلفاء الراشدين كانت أيضا مرحلة حروب فظيعة واقتتال شنيع وأحداث مهولة ولم تكن مرحلة سلم وحضارة وازدهار. بل إن الحضارة لن تبدأ إلا خلال القرن الثاني الهجري بعد أن تمّ نقل التراث الإغريقي واللاتيني والسرياني إلى العربية وهضمه بالتدريج، والتفاعل مع الحضارات الفارسية والهندية واليونانية واللاتينية. إذا كان المشكل في المسلمين وليس في الإسلام فلماذا نقدس أشخاصا أخطأوا منذ أربعة عشر قرنا وما زلنا نجني اليوم نتائج أخطائهم ؟ )).
((بعتبر المسلمون دينهم أفضل الأديان وأصحّها على الإطلاق، ويعتبرون ديانات غيرهم خرافية ومنحرفة ولا عقلانية، يقدسون الأنبياء الذين ذكرهم القرآن بتمجيد وتشريف ويؤمنون بمعجزاتهم الخارقة للطبيعة، ولكنهم يقفون موقف الكره والنفور من الأقوام التي اتبعت ديانات هؤلاء الأنبياء، باعتبارهم منحرفين عن هدي أنبيائهم الذي أصبح يتجسد في الإسلام، الدين الذي ظل وحده وفيا لمبدإ التوحيد الصحيح من عهد إبراهيم، وهم يتشبثون بهذه المواقف العدائية من منطلق قرآني حيث يعتبرون أن ذلك ما جاء به القرآن ولا يمكن تكذيبه، هل يمكن لقوم هذا اعتقادهم أن يكونوا في سلام مع العالم ؟ كيف يمكن للمسلمين أن يحاوروا غيرهم وهم المهتدون وغيرهم في ضلالة ؟؟ يقتضي الحوار الندّية والإحترام المتبادل، والحال أن المسلمين لا يحترمون غيرهم ولا يعتبرون أنفسهم مساوين لغيرهم، إذ هم الأفضل والأطهر والأهدى وغيرهم بشر من الدرجة الثانية، حتى ولو كان البشر الآخرون في غاية التقدم والرقي وكان المسلمون في الحضيض الأسفل من التخلف، لأنّ الإعتقاد هو أساس المفاضلة بين البشر عند المسلمين وليس الإنتاج والإبداع والحضارة ، ولا مجال عندهم للحديث عن المساواة التامة بين بني الإنسان من منطلق إنسانيتهم وحدها بغض النظر عن الدين والعقيدة )).
هذا معظم ما ورد في المقالة نقلناه بنصه ولفظه واعتمدناه وحده في الرد علما أن للسيد عصيد كتابات أخرى تكرر نفس الدعاوى بألفاظ أخرى قد تكون لنا إليها عودة أكثر تدقيقا واستيعابا إن شاء الله تعالى.
أما أسئلة الإسلام فأمر مختلف
لما قرأت مقالة السيد عصيد وجدتها دعا وى وأحكاما تعميمية وانتقائية، لا تحمل قيمة علمية ولا تلتزم حقائق ومقررات تاريخية في الأديان والحضارات . وكأن صاحبها كان يتكلف صوغ أسئلته لجعلها أكثر إقناعا ومعقولية تفرح المناصرين وتسوء الخصوم وكأنها فتح عظيم لم يسبق إليه أحد . وكي لا ينزلق هذا الرد التوضيحي المنزلق الدعائي الأحكامي نفسه ، اخترنا أن يكون ردنا على الأسئلة بما يكفي لدرء الشبه التي يمكن أن تشوش على بعض القراء، وأن يكون السيد عصيد نموذجا لتيار نود أن نطرح عليه بعضا من أسئلة الإسلام الحقيقية، تلك التي يطرحها الإسلام على المسلمين وعلى الناس أجمعين وليس العكس، وذلك ما حملنا على الكتابة والتوضيح. لأن ما يطرحه المسلمون أ وغيرهم من أسئلة على الإسلام هي أسئلة الإنسان سهلة كانت أم صعبة وليست أسئلة الإسلام. فأسئلة الإسلام ما نطقت به نصوصه وأحكامه وتعاليمه آمنا بها أم لم نؤمن.
ولا يختلف من وجهة نظرنا من يصادر حق النص في النطق والقول والإبانة لينوب عنه مدافعا كان أو معارضا، لأنه حينها يقدم لنا قوله وتصوره كوسيط غير علمي وغير موضوعي. وكل ما تقدم به السيد عصيد إلى الإسلام دعا وى لم يقم عليها ولا بينة نصية واحدة ناقشها نقاشا عقليا يبين تهافتها أ ونقليا يبين تعارضها . فما توجه به هو أسئلة إلى المسلمين في فهمهم وتمثلهم للإسلام كما يراهم رغما عنهم، وليس للإسلام نفسه وإن زعم أن المشكل في النصوص وفي الدين لأنه لم يناقش نصا، ولو فعل لوفر لنا قاعدة يكون النقاش على أساسها علميا وليس دعائيا .
فأنا مسلم مغربي لا أجد نفسي بتاتا في أي من الأسئلة المطر وحة التي تتحدث بالنيابة عني وهي أشبه ما تكون بالأنساق الدائرية المغلقة، تسأل فتجيب لوحدها وتطرح فتقرر لوحدها. مما يدعونا بد ورنا إلى التسا ؤل : هل طرح السيد عصيد علينا أسئلة ليشركنا في الاجابة عنها، أم طرح علينا أسئلة وأجوبة ليحملنا على الاعتقاد كما يعتقد والتفكير كما يفكر.
ولو أبصر قليلا لا نتبه إلى أنه ير وج خطابا ودعا وى يخالف بها اختيارا وإجماعا لأمة من غير بينة ولا دليل، وأن مساحة الحرية التي يتحرك فيها إنما يتيحها الدين الذي ينتقده .
ثم إن ثمة إشكالا آخر لا يقل خطورة، قصد ه الكاتب أو لم يقصد ه، يتجلى في إنتاج فكر عدمي منبن على رد ود الأفعال السلبية، غير قادر لا على البناء والعطاء ولا على الحوار والتعايش، بقدر ما هو جاهز للمفاصلة والرفض والتموقع في الطرف المقابل. فيكون السيد عصيد مساهما في إنتاج ما ينتقد عندما يصادر على قناعات ومعتقدات الآخرين. وتكون العدمية أحيانا حالة فكرية تشترك في صناعتها مواقف تختلف كل الاختلاف في التصورات والمناهج والمفاهيم، لكنها تشترك في النهاية في موقف واحد هو إنشاء الحالة أو الواقع الذي أريد إزالته. ذلك لان المنطق الخفي المحرك لتلك المواقف كان واحد رغم اختلاف أشكال التعبير عنه، منطق الإقصاء والإلغاء المتبادل والرغبة في التفرد بالرأي وهزم الخصم والانتصار عليه، والتموقع في أطراف الساحة وليس في وسطها، ولم لا الرغبة في التفرد بالوجود رغم مصادمة هذا المنطق لنظام الوجود القاضي بالاختلاف والتعدد . لذا فمواقف السيد عصيد، من وجهة نظرنا، لن تنتج إلا المزيد من الظواهر السلبية التي ينتقدها . والذين يسيئون فهم وإعمال النصوص ويشتطون في ذلك يصنعون السيد عصية ومواقفه. والأمة أحوج ما تكون إلى بناء ثقافي جديد تتكامل فيه الأفكار ولا تتقابل، يميز فيه بين الأصول البانية والفروع المبنية، تحترم فيه الجهود والاقتراحات المختلفة فيؤخذ بأمثلها وأصوبها....الخ. إذا أن ترسيخ هذه القيم في المجالات الدينية والثقافية واللغوية والحضارية.. وحده كفيل بإزاحة فكر المصادرة الأحادي إلى الظل وإحلال فكر المبادرة التشاركي محله .
وذلك سؤال من الأسئلة الصعبة التي يدعونا إليها الإسلام: كيف نتعارف ولو كنا مختلفين، ونتكامل ولو كنا متقابلين، ونتعا ون ولو كنا متفا وتين ..؟ وبعبارة أخرى كيف نحقق المعادلة الصعبة أ ونتحقق بها : الانزياح من الأطراف إلى الوسط المشترك بناء في الفكر والمعرفة وفهما في الدين والحياة. لسنا من دعاة الطوبا وية والمثالية، لكنها معركة البناء الحقيقية التي ينبغي أن يتوجه إليها الجهد ويحدث فيها التراكم المطلوب لإحداث التغيير المطلوب .
ولنبدأ بأسئلة الإنسان الصعبة التي عبر عنها السيد عصيد وبيان ما لحقها من آفات نلخصها في الدعا وى التالية :
1 دعوى تحميل الإسلام أخطاء المسلمين وادعاء التعارض بين النصوص
وهذا اتجاه معاكس تماما لمنطق النقد والمراجعة الذي يقضي بإرجاع المسلمين إلى فضائل ومكارم وقيم دينهم وليس إلحاق الإسلام بالمسلمين . ولا نرى أن السيد عصيد يقدر حقا جهود النقد والمراجعة والتصحيح كما ذكر، مادام يسحب من تحتها مرجع وأصل نقدها ومراجعتها وتصحيحها ويسمه بالاضطراب والتناقض.
هذا فضلا عما يعكسه السؤال من عدم إدراك لحقيقة الأزمة في بعدها التاريخي قديما وحديثا، تشخيصا للعلل واقتراحا للعلاجات المناسبة . ولو جاز أن ننسب خطأ كل إنسان في قوله أ وفي فعله إلى دينه وعقيدته ، لأ فضى ذلك بالبشرية إلى العدمية والعد وانية المطلقة. وهل جاءت الأديان إلا لإزاحة العدمية عن فكر الإنسان ببيان مبررات خلقه وغايات وجوده ومآله، ولإزاحة العد وانية عن سلوكه بتحسين أخلاقه وتصرفاته . ولقد رأينا أمما في الصين والهند لم ينزل فيهم أنبياء تشبثوا بأقوال وحكم حكمائهم وأنزلوها منزلة الكتب المقدسة كما أنزلوهم منزلة الأنبياء إشباعا للنز وع الفطري في الإنسان إلى التدين. إن آلة السكين قد يطعن بها إنسان إنسانا فيرديه قتيلا، وليس ذلك مبررا كافيا لسحبها من أيدي الناس للمنافع العظمى المترتبة عليها. وعلى رأي ابن رشد لا يشترط فيها كذلك أن تكون من موافق في الملة أ ومخالف إذا توفرت فيها شر وط التذكية ردا على الاتجاه المقابل في الرفض . فالمطلوب إذن ترشيد الاستعمال، وفي حالتنا مع النصوص ترشيد الفهم والإعمال. وهذا أيضا من أسئلة الإسلام الصعبة إلى الإنسان، دعوتة إلى التدبر والتفكير لحسن الفهم والتنزيل بما يحقق صلاحه وسعادته في دنياه وأخراه.
لكن يبد وأن للسيد عصيد استعدادا كبيرا لنقل الاختلاف في الفهم والتجارب إلى النصوص د ون تكليف النفس شيئا من التحقيق العلمي في أ وجه التعارض أو الاختلاف المزعومة، وهذا منهج انتقائي تجزيئي وتشكيكي نظري أكثر منه تطبيقي درج عليه باحثون ومفكر ون ذ وومرجعيات رافضة للدين والتدين أصلا. لا سند لها في ذلك إلا مزاعم استشراقية واهية تجا وزها التاريخ وما بقي منها إلا أثر يذكر، ككتابات جولد زيهر وشاخت ولامانس وجيب وكليمان هوار وماسينيون.. وغيرهم ممن اهتم بالقران خصوصا ككازيميرسكي ونولدكه وبلاشير وبيرك ...
كما تبقى التجربة الغربية عموما في تعاملها مع نصوصها المقدسة ذات تأثير استلابي قوي على نخبة من الباحثين لم ير وا سبيلا للنهوض والتحرر إلا هذه السبيل مع إصرارهم على عدم اعتبار الفوارق الدينية والتاريخية والثقافية وإن كانوا من كبار المثقفين والمؤرخين. وتلك ورقة ضاغطة ومؤثرة على كثير من الناشئة عندما تعرض عليها تلك التجربة وموقفها من الدين معز ولة عن سياقاتها وظر وفها وملابساتها والزج بها في مقارنات غير متكافئة بين واقع الأمة المتردي والمتشضي وواقع الأمم الأخرى التي قطعت أشواطا من النهوض والتقدم، فتترسخ فيها القابلية للاستلاب والتبعية أكثر مما تتسلح بمقومات وشر وط النهوض الحقيقي. لقد أضاعت الأمة قرنا وأكثر من نصف قرن تقريبا منذ ما سمي ب (عصر النهضة العربي) تيمنا بعصر النهضة الغربي وهي تتقلب من تجربة إلى أخرى يسارية وقومية وعلمانية وحتى إسلامية ذات نزعات معينة لا تعكس حقيقة التدين في شموله واستيعابه ووسطيته واعتداله... د ون الانتباه إلى إمكانات هذه الأمة وقدراتها الذاتية والتواصلية العميقة التي كان ينادي ويدعوا إليها جيل آخر من الرواد والباحثين .
إننا لو طبقنا منهج السيد عصيد على كل نص اختلف فيه وحيا كان أ وبشريا لما صح في الأذهان والأعيان شيء. ونحن نتساءل كم درجة الاختلاف في النصوص الماركسية والليبرالية والقومية والعلمانية والأمازيغية وفي اليهودية والمسيحية وغيرها من الديانات، إذ نجد داخل كل تيار ودين الغلاة والمعتدلين، الوسط والأطراف.
لكن الذي ينبغي الانتباه إليه أن ثمة اختلافات حقيقية تكشف عن أوجه تعارض معينة بين النصوص المؤسسة في أصولها وفر وعها، وثمة مساحة اختلاف في الجزئيات والفر وع تسمح بها تلك الأصول. أما الاختلاف في الفكر والنصوص البشرية فأمر بديهي وطبيعي إذ لا يمكنها مهما بدت متماسكة أن تتحول إلى مطلقات مستوعبة للزمان والمكان. لكن الاختلاف في النصوص الدينية يحتمل أمرين: إما اختلافا في الأصول والكليات والمبادئ العامة بحيث يناقض ويضرب بعضها بعضا ، وهذا يدل على أن ثمة تغييرا طرأ على بنية النص جزء أ وكلا. أو اختلاف في الفر وع والجزئيات كما سلف ترد إلى أصولها وكلياتها وتنضبط عندها.
ولقد كتب كتاب يهود ونصارى قديما وحديثا عن التناقض والاضطراب والاختلاف الموجود في نصوصهم الدينية المقدسة إلى درجة تعددها وتعديلها التاريخي المستمر. لكن لم نسمع ولم نقرأ إلى الآن لأحد قام بعمل علمي يثبت لنا التناقض والاضطراب والاختلاف بين آي القرآن تشريعا وأحكاما ، وقصصا وأخبارا ، ولغة وبيانا ... بحيث يخرق لنا نظام الحفظ الإلهي لهذا النص ويأتي بما عجز الأ وائل والأ واخر عن مثله . فمنزل الكتاب سبحانه يقول (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، ويقول : ( ولو كان من عند غير الله لوجد وا فيه اختلافا كثيرا) وتحدى بأن يؤتى بآية أو سورة من مثله تحمل كل أضرب وأوجه الإعجاز التي يحملها.
ما وجدناه هو بعض الأفهام السقيمة والعليلة للنص تضر به أكثر مما تكشف عن أ وجه الخير والنفع فيه . أو محاولات تشكيك وتقليد تحمل على الشفقة والرثاء أكثر مما تستدعي من النقد والمراجعة. وزعم السيد عصيد بأن هناك من يعمل نصوصا تكون لصالحه ويهمل أخرى لا يراها تخدم أغراضه ومطامحه ، فهذا تقام عليه الحجة بإعمال النصوص وليس بإهمالها . أما إدراجه للنسخ والصحة والضعف والقطع والظن... في اعتبار النصوص أو عدم اعتبارها، فذلك تلويح بعنا وين وتلبيس على القارئ لإيهامه بأن اللجوء إليها إنما هو نتيجة الاختلاف والتناقض في النصوص. هذا علما أن هذه المباحث يكون الاشتغال عليها علميا بعد إيراد النصوص ودراسة متونها وأسانيدها وهو ما لم يفعله الكاتب، فذلك أمر يستدعي استيعاب مناهج العلماء المسلمين أصوليين ومحدثين في هذا الفن.
إننا نعتقد إلى جانب هذا أن ثمة د وائر كثيرة في القران الكريم ما تزال مهملة أو لم تنل حظها من البحث كما نال غيرها، وخصوصا دوائر العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والكونية. إذ إن للقرآن الكريم فلسفة عامة تؤطر أحكامه وتشريعاته، والمعرفة والقيم والمبادئ التي يحملها لا بد أن يتكامل فيها عالم التنزيل الغيبي وعالم التلقي الإنساني وعالم الاستخلاف الكوني. فالنص والعقل والواقع مصادر تحتاج إلى الاستحضار الدائم لجدلها التكاملي في إنتاج العلم والمعرفة، دفعا لآفة التحيز والتمركز والنزعات المدمرة عندما يتم العد ول عن بعضها انتصار للبعض الآخر . فلا فرق بين النزعات النصوصية المغلقة التي تلغي العقل الاجتهادي والواقع التنزيلي وبين النزعات المادية (الواقعية جدا) التي تلغي د ور الوحي في الهداية والإرشاد ود ور العقل في الاجتهاد.
هذا أيضا من أسئلة الإسلام الصعبة ، كيف نبني معرفة وعلوما تهتدي وتسترشد بنور الوحي، وتبدع وتجدد بنور العقل، وتتكيف وتواكب تحولات واقعها ومحيطها. وذلك خير إسهام يمكن أن يسهم به المسلمون انطلاقا من القرآن الذي يوفر لهم هذه الأرضية لفائدة البشرية تحريرا لها من هيمنة الفلسفات المادية والعلمانية الشاملة على العلوم والمعارف والكون والطبيعة والكرامة والكينونة الإنسانية.
2 دعوى عدم صلاحية الدين لكل زمان ومكان
وهذه الدعوى بالرغم مما تحمل من خطورة تشكيكية في عقائد المسلمين . إذ لا ندري بأي حق يشكك السيد عصيد في اعتقادات وقناعات الناس في الوقت الذي يحتفظ فيه باعتقاداته وقناعته ، وكأن ليس لهم حق الاختيار كما له وإن كان لا يمثل فيهم شيئا . فإننا نود أن نقول بخصوص بعض الشعارات التي ترفعها كثير من الحركات والاتجاهات الإسلامية متأثرة في ذلك بقوى يسارية وقومية سابقة في طرق احتجاجها ونضالها، والتي فيها من الكلام والجدل أكثر مما فيها من العلم والعمل ، نقول إن الشعارات لا معنى لها ما لم تثمر واقعا يستفيد منه الناس . ولهذا فشعار (الإسلام صالح لكل مكان وزمان) لا معنى له إذا لم يتحقق أهل كل زمان ومكان بكسبهم من الإسلام ، وبقوا عالة على جهود سابقيهم دون إضافات واستدراكات مواكبة لتحولات زمانهم ومكانهم . وقس على ذلك شعارات (الإسلام هو الحل، ودولة الإسلام ..) ما لم تكن هناك حركة اجتهادية مطردة تجد الحلول المناسبة للحوادث والنوازل الجديدة وترسي قواعد وأصول الوحدة والتنمية والاستقرار . إذ تبقى في صورتها التجريدية شعارات نفسية تعويضية عن مطالب غير متحققة في الإصلاح والنهضة والتنمية والتحديث ...
لكن الذي نستدركه على السيد عصيد هنا هو أن عدم تحقق جيل أوأجيال بكسبها من الإسلام ليس معناه استحالة التحقق أومبررا للتشكيك في أصل الصلاحية. فمن المعارك الخاسرة البين خسرانها، تلك التي يواجه فيها أناس ما حقائق كونية لا يمثلون بالنسبة لها شيئا، كذاك الذي يعمل جاهدا على إزالة الدين والتدين من المجتمع . فالتجارب قابلة للنقد كل النقد، لكن النقد التقويمي البنائي وليس الهدمي الإلغائي .
فكون الإسلام صالحا لكل زمان ومكان ، من السنن الكونية التي لا يملك كائنا من كان تجاهها شيئا (إن الدين عند الله إسلام ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ولمن شاء أن يختار ما شاء، لكن أن يغير من واقع السنة فهو كمن يحاول إزاحة الأرض عن مدارها أوالشمس عن مركزها وأنى له ذلك (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).
أما الرسالة ونصوصها فنحن لم نستثمر بعد إلا جزاء يسيرا من إمكاناتها التي تتيحها. وحبذا لو وظفت عقول لها قدرات فلسفية وتأملية وعلمية في بلداننا طاقاتها في استخراج مكنون هذا الكتاب لكان ذلك أنفع وأهدى لها ولأمتها. لكن ما تزال حالات الاستلاب والاستتباع التي تمارسها النماذج الغربية تدير تلك العقول في هوامش مفرغة هي أشبه بحواشي بعض المتون التي تجتر وتكرر من غير إضافة ولا بيان مفيد، وإن كان بعضها الآخر لا يخلوا من فائدة ، أومختصرات مستغلقة هي ألغاز وأقفال . فنأسف كما تأسف العلامة الحجوي رحمه الله على ما يهبه الله تعالى لعباده من قدرات وأعمار يصرفونها في فك تلك الألغاز وفتح المستغلق منها، في حين لو أنه اتجه إلى الأصول المؤسسة والبانية وصرف فيها الذي صرفه هنالك بالعدة والعتاد اللازم، لعاد قطعا بالنفع العميم والخير الوفير الذي ينفع البلاد والعباد. فتلك تجربة كررها ويكررها باحثون محدثون ومعاصرون وإن كانوا من أشد نقادها لأن العبرة بالنتائج والخلاصات والآثار الواقعية . فلا معنى لمشاريع قراءات حداثية ومعاصرة تنتهي صلاحيتها قبل الانتهاء منها، لأنها من موقع تبعيتها تقلد فكرا ليست أصوله أصولا لها ولا اختياراته اختيارات لها . كما لم تحسن اختيار مداخل ودوائر التفاعل الإيجابي وضوابط النقل والاستعارة التي تضعها الثقافات والحضارات والأديان على تخومها وحدودها بما يحفظ كياناتها في علاقاتها الغير أيا كان هذا الغير.
فما الفرق إذن بين النموذجين إلا إلغاء دور العقل في الاجتهاد والإبداع بما يحقق كسبه الذاتي لزمانه ومكانه وتفويت فرص البناء والنهوض المتاحة بين يديه . وأما ما تحدث عنه السيد عصيد من توظيفات سياسية للدين أودينية لسياسة وإخفاء نوايا مبيتة وإظهار أخرى ، فهذا أعرضنا عنه جملة إذ آثرنا مناقشته باحثا وصاحب رأي وذلك مجال اهتمامنا. إذ يمكن لأصحاب هذه النوايا المبيتة أن يعكسوا الآية ليتهموا السيد عصيد بمثلها، وتلك معارك خاسرة أيضا تضيع طاقات وجهود الأمة فيما لا فائدة تجنى من ورائه إلا إستدامة روح النزاع والصراع .
3 دعوى التشكيك في العصر الذهبي للإسلام
وذلك بإرجاع أصول الحضارة الإسلامية إلى الحضارات السابقة عليها . وتلك أطروحة من أطروحات خصوم الإسلام التقليديين قديما وحديثا من المستشرقين والقوى الاستعمارية التي لم تكن ترغب في منافس ديني أوعلمي أوحضاري . ومن ثم جندت سلطاتها عسكرية وإعلامية وسياسية، كما استأجرت أقلاما باسم العلم والمعرفة لتزيف وقلب الحقائق . فقدمت صورة عن الإسلام تخيف بها رأيها العام وتبرر بها واقع الهيمنة والاحتلال. فأنتجت صورا عن الشرق والإسلام لا علاقة لهما بها. أوبتعبير الناقد ادوار سعيد قامت ب (شرقنة الشرق) أي إنتاج شرق آخر غير الشرق الحقيقي في عمل أشبه ما يكون ب(المسرح التمثيلي). ولو على حساب العلم والمعرفة والقيم الإنسانية الدينية والحضارية المشتركة . وهو أمر ما يزال متسمرا إلى الآن مع قوى السلطة والمعرفة الجديدة . فما يزال الشرق خاضعا للتعديل الديني والثقافي والحضاري ...
واحدة من أبرز هذه التشكيكات التي تناقلتها أقلام عربية لها من المواقف أكثر مما لها من البحث، هي سحب كل إبداع علمي أوحضاري أوفلسفي من تاريخ الإسلام والمسلمين وإلحاقه بأصول أخرى غير الأصول الإسلامية . هذا في الوقت الذي نجد فيه منصفين من المؤسسة الاسشراقية نفسها يؤكدون تلك الحقائق على نحو ما فعلت زغريد هونكة أوما فعل اندريه ما يكل ومونت غمري وات.. وغيرهم. أما منطق إفراغ الشبكة من كل صيد على نحو ما فعل رينان وهانوتو ومن تلاهم إلى برنار لويس مؤسس ومروج نظريات الصدام والتمايز العرقي والإثني والملي والديني. فهو أبعد ما يكون عن روح الإبداع الفلسفي والحضاري . وإذا كانت مواقف أولئك مفهومة باعتبارهم (آخر) يدافع عن كسبه الفلسفي والحضاري، فغير المفهوم هو ما يفعله أبناء هذه الفلسفة والحضارة ممن تقع على كاهلهم إعادة بنائها وتجديدها . فالانحطاط والتخلف ليس مبررا للتبعية والإمعية. والانحطاط الغربي في عصوره الوسطى كان أسوأ بكثير مما عليه الانحطاط الإسلامي ، وإنما كانت النهضة أوالميلاد الغربي الجديد من الذات الغربية نفسها بعد مخاض التحولات العسيرة على أكثر من صعيد، ولا يضر بعد ذلك استلهام واستعارة ونقل كل ما من شأنه أن يساعد على النهوض ، من حضارة المسلمين أوغيرهم . فالنهوض أمر وإمكان ذاتي وليس غيريا ، ولا يمكن لأمة أن تنوب عن أخرى في هذا الأمر إلا أن تكون إحدى توابعها وهامشا ومن هوامشها، شأن المركزية الغربية مع ملحقاتها اليوم .
عنصر آخر من عناصر التعديل لتاريخ الإسلام التي مارسها الاستشراق والتيارات الانتقائية ، هو تضخيم بعض الأحداث إلى درجة جعلها تحتل كل مساحة الانجاز في هذا التاريخ، والنظر إليها بمنظور سلبي وليس إيجابيا كالخلافات والحروب التي عرفها صدر الإسلام . وكأنها استثناء من تواريخ الأمم والشعوب . ولسنا ندري ما تساوي حرب الجمل وصفين أمام الحروب الرومانية والاضطهاد المسيحي والحروب الغربية الحديثة والمعاصرة.؟! ورغم ذلك نقول إنه باستثناء عطاء النبوة تبقى مرحلة الصدر الإسلامي الأول مرحلة بشرية بالمقاييس الدينية، ولهذا خلد القرآن نفسه أحداث هذه المرحلة إيجابية وسلبية، انتصارات وهزائم، في واقعية منعدمة النظير ، ليعتبر اللاحق بالسابق ويجتهد في التعرف على سنن البناء والتعمير والنصر والتمكين . ثم إن هذه المرحلة هي مرحلة نموذجية بالمقاييس البشرية في البذل والعطاء والقيم والأخلاق والعلم والعمل . ولكم أن تقيسوا حجم ومدة البناء والتأسيس في عقيدة وفكر وسلوك الإنسان الجديد الذي أخرجتة الرسالة مع هوامش الخلاف والنزاع التي انقلبت أصلا والأصل فرعا .
وهل من الواقعية والتاريخية في شيء أن نطلب من القرن الأول انجازات حضارية ظهرت في القرون اللاحقة بدعوى التلاقح الذي تم بعد مع الفلسفات والحضارات الخارجية؟!
وكأنها تمت خارج دائرة الإسلام وأمة الإسلام متغافلين عن التحديات التي عرفها الدين الجديد والجماعة الأولى من الأقارب والأباعد!
ولسنا ندري لماذا انتظرت القبائل العربية وغير العربية حتى جاء الإسلام لتنبثق منها حضارة وتتفاعل مع الحضارات الأخرى ؟ فباسم من ثم نقل تراث اليونان والإغريق وتمت الترجمات ونقل الخبرات والتجارب ؟ أليست تلك إمكانات أتاحتها عالمية الإسلام الأولى تبعا لعالمية رسالته وكونية خطابه ؟
أين نحن من مشروع الإحياء لعالمية مستوعبة تؤمن بالتعايش والتعدد والاختلاف، وتحكم العلم والمعرفة والقيم. تسهم فيها هويات مختلفة تؤمن بغيرها إيمانا بنفسها، أمام الأطروحات والقراءات الجزئية والانتقائية التي تتم باسم الدين أوخارجه ؟ ذلك أيضا سؤال من أسئلة الإسلام الصعبة تجاه المسلمين وغيرهم ممن لا يرى إلا نفسه فحسب .
4 دعوى التسوية بين الديانات
يكرر السيد عصيد هنا دعوى لطالما رددها باحثون قبله مند عقود خلت ، وليس رائدهم في ذلك إلا إزاحة القدسية والعصمة عن النصوص الدينية ، وهم يعتبرون أن القول بوجود نص مهيمن ومصدق لم يطله تغيير نوع من المصادرة والتشكيك في النصوص الأخرى ، ومدخل للقطيعة مع أهل تلك الديانات ، ويتغافل هؤلاء على أن الذي يقومون به هو عين المصادرة فتجد هم أشد حرصا وغيرة على نصوص غيرهم من أصحابها وأشد طعنا وتشكيكا في نصوصهم (إذ يصرحون بالانتساب إليها)من غيرهم .
فلسنا ندري من المخول للحديث عن النصوص وما أصابها تصويبا وتقويما صاحبها الذي أنزلها أم البشر الذين أنزلت عليهم ؟ فالله تعالى الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن هو من يجعل بعضها مصدقا لبعض أومهيمنا عليه . ولتعاقب الرسالات منطق يحكمها يتجلى في الاصطفاء ألحصري العمودي الممتد من آدم إلى عيسى عليه السلام ، وفي الاصطفاء الكوني الأفقي الشامل الذي ختمت به تلك الرسالات مع نبينا الكريم المزودة بكل عناصر الحفظ والبقاء الذاتي وليس الخارجي شأن ما تقدمها من رسالات . إن هذا النمط من المصادرة الذي يريد أن يسوي بين كل النصوص يتجاهل تاريخ كل نص وحركة النقد والمراجعة التي كشفت عن الاختلالات الكامنة في النصوص السابقة على القران .
ولسنا ندري لفائدة من يقع التشكيك في نص توافرت كل الدلائل على حفظه وصونه وسلامته، منذ نزل وهو يتلى كما نزل بلغته وبيانه. والدفاع في المقابل على نصوص توافرت الدلائل الكثيرة من أصحابها على تأكيد اختلالاتها ، فهي لم تدون إلا بعد قرون من فقدان أصولها، وتدحرجت في ترجمات متعددة ومجامع كانت لها كل صلاحيات التعديل .
وبالرغم من ذلك كله نجد القرآن وهو يؤكد أشكال التحريف والتبديل في الكتب السابقة، لا يدعو إلى قطيعة وإنما إلى كلمة سواء وجدال بالتي هي أحسن. أما أصول تلك الديانات فهي من الهدى والنور والإسلام الذي تجتمع وتتوحد عليه . وإشارة القرآن تلك دعوة إلى تفعيل وتقديم دائرة المشترك فيه على دائرة المختلف فيه التي يسارع إليها كثير من الناس للأسف فيفسدون أكثر مما يصلحون . أما نزعات التكفير فلا معنى لها في روح الإسلام والقيم السلمية التواصلية التي يحملها. ترى من يعامل الآخر بازدراء واحتقار ويخل بواجب الندية والاحترام المتبادل في الحوار ، المسلمون وإسلامهم أم الغربيون بمسيحيتهم ويهوديتهم ؟ أين نشأت النظريات العرقية التجريمية والعنصرية والطبقية .. وغيرها من أشكال التمييز بين الإنسان وأخيه الإنسان؟ فهل يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟! أليست تلك إحدى الثلم العميقة للنموذج العلماني الغربي الشرس الذي تجرد من كل قيمة أخلاقية وفضيلة دينية فاستباح البلاد والعباد؟! ولم لا تستدعى هنا النماذج الحية في التعايش التي عرفها تاريخ الإسلام وحضارته مشرقا ومغربا انطلاقا من نصوصه ! لماذا يتم تضخيم وتغليب المحطات السلبية في تاريخ الإسلام وحضارته على المحطات الايجابية ويفعل العكس في تاريخ الغرب اليهودي والمسيحي مهما كانت الجرائم والفضائح؟! أتلك مقدمات ممهدات للنهوض أم لمزيد من السقوط والتبعيةّ!.
إن الأسلوب التعميمي الذي تحدث به السيد أحمد عصيد فيه من الخلط والخبط ما يجعله يجمع كل المساوئ فينسبها لكل المسلمين، وهو يتناسى، في سياسة جلد الذات هذه، أنه جزء من منظومة الحضيض والتخلف وأن الاغتراب الفكري والزماني لا يغني شيئا عن الانحطاط الواقعي والمكاني، وأن الخروج من ذلك إنما يكون بالبناء لا بالهدم. وإذا عاب على المسلمين ضيق الأفق والنظر والانغلاق والتحجر والرغبة في التفرد بكل شيء.. فما نراه أخط واحدة من تلك الآفات في تشنيعه الكلياني على الإسلام والمسلمين . وذلك أيضا من أسئلة الإسلام الصعبة ، كيف تعيش وتترك مساحة لعيش الآخرين؟ كيف تفكر وتترك مساحة لتفكير الآخرين ؟ كيف تعتقد وتحترم اعتقاد الآخرين ... إلخ. ذلك ما يعلمنا إياه الإسلام العظيم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.