أدى التهميش الكبير الذي طال سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الاستفادة من كنز علمي تاريخي غني. و قد بينا فيما سلف كيف أن العلمانية تسعى إلى هجر الاحتكام بالكتاب والسنة والذي يعد من أصول هذا الدين، وقد أدى هذا إلى تجاهل مباحث عديدة تعتبر ذخائر يمكن للباحثين الاشتغال عليها خصوصا الذين يهتمون بدراسة التوقعات المستقبلية للعالم الذي نعيش فيه. و لعل من بين أهم المباحث التي نسيناها ولم نعد نهتم بها في عصرنا المادي هذا؛ مبحث نبوءات الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحاديث التي جاءت في وصف آخر الزمان. لقد شكلت هذه الأحاديث لمخيالنا الإسلامي لفترة طويلة – على الأقل في مخيالي – صدمات لا يمكن تفهمها، فالوضع الذي ستكون عليه المجتمعات في آخر الزمان وضع غريب عن الأخلاق الإنسانية وطبائع البشر السوية. أخلاق تجعلنا نفكر كثيرا في المسببات التي قد تدفع الحالة البشرية إلى تبني هذا السلوك الجماعي الرهيب، سلوك أقل ما يمكن أن يوصف به أنه ارتكاس إلى حالة البدائية. لن يستمر هذا الوضع الذي نعيشه اليوم إذن من تواجد للدين في المجتمعات، وسيشهد تراجعات خطيرة (بدأت معالمهما) ستشكل سببا لله عز وجل بأن يدمر الأرض ويعلن بدء الحياة الأخرى، الحياة السرمدية حيث لا عبادة ولا تكليف، بل عذاب أو تشريف. و قبل ذلك كله، لابد أن نشر إلى أن هذه المرحلة التاريخية التي نتحدث عنها لم تأت بعد، فهناك مرحلة أخرى سابقة لها نكتشفها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه المرحلة ليست إلا مرحلة تمكين الإسلام في الأرض. وهي المرحلة التي حدثنا عن رسول الله عز وجل في حديثه المشهور قائلا: " عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت، قال حبيب فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين يعني عمر بعد الملك العاض والجبرية فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه( رواه أحمد والطيالسي والبزار، وعزاه البوصيري لابن أبي شيبة وللطبراني في الأوسط مختصراً، وقال الحافظ الهيثمي: رجاله ثقات".و رواه أحمد في مسنده) . هذا الحدث يجعلنا نستبشر- دون تواكل - على أن الله عز وجل سيعيد لهذه الأمة أمجادها، وأن مشروع برنارد لويس زائل إن شاء الله تعالى، رغم ما يبدو من أن الأمور تسير ضد مجريات التمكين. و ما برنارد لويس هذا أولا؟ نحن الآن ست وخمسون دولة إسلامية، لكننا مرشحون لنصير أكثر، ليس بسبب دخول دول أخرى إلى الإسلام، بل يسبب التقسيم. لقد وضع المستشرق الأمريكي برنارد لويس (أستاذ وصديق محمد أركون) مخططا للبيت الأبيض الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، ويهدف هذا المخطط إلى تقسيم العالم الإسلامي إلى ثمان وثمانين دولة!! والمغرب بطبيعة الحال مهدد أيضا بالتقسيم ليصبح ثلاث دول: · دولة العرب. · دولة الصحراء. · دولة الأمازيغ: تشمل أيضا جنوب كل من الجزائر وليبيا، وشمال التشاد ومالي والنيجر. ولا أعلم كيف يمكن للمغرب أن يتناسى هذا الأمر أو يغض الطرف عنه، ولا أعرف هل إعطاء منطقة الصحراء حكما ذاتيا يعد اختيارا صائبا أم لا؟ خصوصا إذا استحضرنا استقلال منطقة القرم ذات الحكم الذاتي عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا، وكذلك اعتزام منطقة الباسك إجراء استفتاء أيضا للانفصال عن إسبانيا، كذلك منطقة كردستان العراق... فمقدمة الانفصال دائما هي الحكم الذاتي. قد يكون هذا مخطط الأمريكيين للمستقبل، هذه الدولة التي يبدو -ظاهرا- أن لنا علاقات جيدة معها، إها أمريكا المتشبعة بالعقلية الصهيونية والمدفوعة بلوبيات السلاح. هذه الأخيرة التي لا تفتأ تخلق النزاعات في العالم بأكمله قصد إنجاح أعمالها التجارية المبنية على السلاح وشركات الأمن الخاصة. ولقد رأينا حرب العراق الأخيرة ودونالد رامسفيلد وكولين باول، ورأينا كيف أن شركة الأسلحة التي يملكها رامسفيلد، وشركة النفط التي يملك باول حصة منها مع الرئيس جورج بوش كان لهما تأثير كبير لدفع الأممالمتحدة للموافقة على شن الحرب. هل هناك ما تحقق من مخطط برنارد لويس حتى الآن؟ بالنسبة للمغرب لي بعد، ولكنه كان قد رسم ذات يوم بقلمه على خريطة السودان خطوطا تقسمها إلى ثلاث دول: · دولة الشمال للمسلمين. · دولة الجنوب للمسيحيين. · دولة دارفور التي ستنفصل عن الشمال. و المطلع على مجريات الأمور يكتشف أن مخطط تفتيت السودان قد تم منه جزء كبير. هكذا إذن سنصل إلى مرحلة التشظي بعد أن كنا دولة إسلامية واحدة، ولكن هذا الأمر لن يستمر بنص الحديث السابق الذي مر معنا. يتبع....