أوروبا تسعى لفتح الحدود بين المغرب والجزائر مرت عشرون سنة بالتمام والكمال على إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر، وهي أطول حدود برية مغلقة وثاني حدود زمنيا بعد كوريا الشمالية والجنوبية. وتشير كل المعطيات القادمة من الجارة الشرقية إلى أن الحدود البرية ستظل على ما هي عليه، بل قد نفاجئ بحواجز أفضع، خاصة في ظل تواصل إذكاء النظام العسكري الجزائري للتوتر الدبلوماسي، ورغبته الواضحة في إفشال جميع المساعي العربية والأوروبية والأممية لفتح الحدود. فالجارة الجزائر رمت حطب الشرذمة الانفصالية في نار التباعد من خلال الأوامر التي أعطيت لمحمد ولد عبد العزيز، منذ بداية شهر دجنبر الجاري، بخلع بذلته العسكرية وارتداء بذلة أنيقة يستعملها في ترأس ندوات مدفوعة الأجر، والتي يستدعى لها ما تبقى من جمعيات معادية لوحدة المغرب، بموازاة مع أوامر ضمنية بإقامة جدار سياسي، وإعلامي، ونفسي يصل إلى مستوى "عقيدة العدو الأبدي" التي طالما تغنى بها بوتفليقة في عز صحته وشبابه. إنها الصورة القاتمة التي طفت على نقاشات اللقاءات الدبلوماسية لوكالة المغرب العربي للأنباء، أول أمس الخميس، والتي دفعت سفير الاتحاد الأوروبي بالمغرب روبيرت جوي إلى التعبير عن أسفه، ثم عن استغرابه من إصرار البعض على مواصلة السير عكس متطلبات الحاضر والمستقبل. بغضب واضح، أضاف السفير أن "إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر يبقى وضعية شاذة تماما، يعيق الاندماج المغاربي الذي هو في صالح أوروبا." روبيرت جوي لم يكن، أول أمس، يعبر عن أحاسيس وقناعات شخصية، بل جاء للقاء من أجل نقل رغبة الاتحاد الأوروبي الذي وضع، السبت الماضي بالرباط، قضية فتح الحدود بين دول منطقة شمال إفريقيا، وخاصة بين المغرب والجزائر، على رأس أولوياته خلال السنوات الخمس المقبلة، في جعل المصالح الأوروبية ترتبط مع مناطق أكثر اندماجا بحدود مفتوحة. هذا وقبل أسبوع، وبمدينة الرباط، أكد المفوض الأوروبي المكلَّف بسياسة الجوار، يوهانس هان، في مداخلة أمام طلاب معهد الدراسات العليا للتدبير، أن الاتحاد الأوروبي "سيعمل في الفترة المقبلة، بكل الوسائل والإمكانيات لإقناع المغرب والجزائر بفتح حدودهما، نظرا للآثار الإيجابية التي تخلفها مسألة فتح الحدود على كل المستويات"، مشيرا إلى أن من "مصلحة بروكسيل أن تتعامل مع منطقة أكثر اندماجاً بحدود مفتوحة" بيد أن المسؤول الأوروبي سارع، على غرار ما فعله السفير روبيرت جوي، إلى التعبير عن تخوفه من تعثر الجهد الأوروبي، واصطدامه بعراقيل تحول دون بلوغ هذا الهدف الذي بات ملحاحا في ظل منافسة شرسة على المنطقة المغاربية من قبل كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين واليابان. تخوفات مردها "الأسوار الجديدة" التي ستؤخر تحقيق الحلم الأوروبي. فبالإضافة إلى الحواجز السلكية التي تنتصب في الحدود الشمالية بين المغرب والجزائر، بدعوى مواجهة الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات، يظل الحاجز النفسي أشد هذه الأسوار صلابة، بعد تعمد النظام الجزائري تجييش أحزابه ومثقفيه وإعلامه للنيل من المغرب، بل لم تسلم حتى شبكات التواصل الاجتماعي من التحريض لخوض الحرب على المغرب. الخوف الأوروبي مرده طبعا مصالحه وشراسة المنافسة على الكعكة المغاربية. لكنه خوف يعنينا أيضا، ويعني جيراننا الجزائريين الذين يبنون، مع الأسف، "حاجزا نفسيا" أخطر بكثير من "جدار برلين" نفسه.