من عروض المهرجان العربي السابع للمسرح بالرباط اختتمت مؤخرا بالرباط، فعاليات الدورة السابعة للمهرجان العربي للمسرح، الذي سهرت على تنظيمه الهيئة العربية للمسرح بشراكة مع وزارة الثقافة، وتميزت مجموعة من عروضه بطابعها التجريبي، وانفتاحها على تحولات المجتمع العربي، وفي ما يلي قراءة في بعض هذه العروض. "ليلة إعدام: من الهم ما يضحك ارتكز العرض المسرحي "ليلة إعدام" الذي عرضته فرقة تعاونية كانفا الجزائرية، على تقديم فرجة أكثر مما كان همها إيصال رسالة ذات حمولة فكرية. لقد كانت فرجة هذه المسرحية التي تولى تأليفها وإخراجها سفيان عطية وساهم في تشخيصها ممثلين اثنين فقط، كانت الفرجة هي التي تتحكم في تقنيات العرض، سواء من حيث الكتابة المسرحية أو الإخراج أو الأداء، لقد شاهدنا كيف أن فضاء الركح يسير في نفس سياق مكونات العرض المسرحي، إلى حد أنه لا يمكن تخيل فضاء مغاير غير ذلك الذي أبدعه السينوغراف. لقد أرادت هذه المسرحية إبراز تلك الحالة النفسية التي تعتري الإنسان حين إحساسه بدنو أجله، والوقوف كذلك على حقيقة أن الحياة البشرية قائمة على اختلاف الأفكار، وأنه في الوقت الذي يمكن أن يتوقف فيه هذا النوع من الصراع، لا بد أن يحدث هناك خلل في الطبيعة. لقد كان هذا العرض حابلا بالأسئلة القلقة، ذات النفحة الوجودية بصفة خاصة. تم الاعتماد في هذا العرض المسرحي على اللغة العربية الفصحى، لكنها ليست تلك اللغة المقعرة التي قد تستعصي على التجاوب معها، بل تم الحرص على أن تكون لغة بسيطة، في مستوى بساطة الأفكار التي طرحتها والتي كانت تصب في مجملها في قلق انتظار الإعدام والموت. اختيار اللغة البسيطة في هذا العرض، قدم لنا قناعة مفادها أن قوة أي عرض مسرحي لا تكمن بالضرورة في قوة اللفظ، بل في قوة البناء الدرامي ككل. طغت على هذا العرض محدودية الحركة، بحيث يمكن اعتباره عرضا ساكنا، وهذا أمر طبيعي، على اعتبار أن وقائعه كانت تدور داخل زنزانة، لقد حرص المخرج على تضييق فضاء الركح إلى حد بعيد، من أجل جعل المتفرج يحس بدوره أنه داخل السجن، بكل ما يمثله من رعب، وأنه هو كذلك جزء من هذه اللعبة المسرحية. هناك سجين وسجان، والتفاعل بينهما قائم أساسا على استنطاق المسكوت عنه. ومن أجل كسر رتابة العرض وخلق متنفس، سيما وأن المسرحية تدور في فضاء ضيق، تم اللجوء إلى الغناء والمواقف الساخرة، وهذه المواقف رغم أنها كانت عابرة، ولا تأخذ حيزا زمنيا كبيرا، إلا أنها كانت منسجمة مع المقولة المأثورة: من الهم ما يضحك، سيما وأننا كنا أمام سجين في ليلة إعدامه. الرابوز: نفس جديد للحلقة يمكن اعتبار هذا العرض استثنائيا بين مختلف عروض هذه الدورة، ويبرز ذلك بالخصوص، في كونه لم يقدم فوق الخشبة، بل داخل حلقة وسط الجمهور، بشكل يماثل ما يعرض من حلقات الحكواتيين في الساحات العمومية، هنا كانت ساحة جامع الفنا حاضرة بقوة، من خلال استحضار مجموعة من منشطيها سواء الأحياء منهم أو الأموات: فليفلة، الصاروخ، بقشيش، بوحمامة، جالوق، وغيرهم. تسعى فرقة فيزاج المغربية من خلال هذا العرض المسرحي الذي يحمل عنوان "الرابوز" والذي تولى تأليفه وإخراجه أمين غوادة، إلى إعطاء نفس جديد للحلقة، باعتبارها شكلا ما قبل مسرحي، سيما وأن هذا الفن مهدد بالاندثار. ولعل الاختلاف القائم بين هذه المسرحية وبين مختلف المسرحيات المغربية التي وظفت الحلقة، يكمن في أن مسرحية الرابوز، شكلت في حد ذاتها حلقة، بكل مكوناتها وأجوائها التي تحاكي الواقع، على امتداد الزمن المسرحي، في حين أن المسرحيات الأخرى، سواء في تجربة الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج وغيرهما، كانت الحلقة مجرد أداة تقنية للربط بين مشاهد المسرحية. وبالرغم من أن مسرحية الرابوز، طغى عليها الارتجال، من خلال تفاعلها المباشر مع المتفرجين، دون إفراغ المسرحية من جوهرها، وهذا شيء طبيعي، باعتبارها حلقة، وسط جمهور، بالرغم من ذلك فقد كان هناك خيط حكائي ناظم بين مختلف مشاهد المسرحية، ويتجلى هذا الخيط الناظم، في قصة رجل غريب فاقد للذاكرة، يتيه عن أهله وبيته ويجد نفسه في ساحة جامع الفنا، ويستفز منشطي الحلقة في هذه الساحة، يتعاطف معه بعضهم، ويحاولون مساعدته على استرجاع ذاكرته، عن طريق إشراكهم في الحلقة. ومن هنا جاءت رمزية الرابوز، باعتبارها آلة نفخ، تشعل الجمر، وتزيل الرماد. الرابوز هنا هو أداة لإشعال الذاكرة، إشعال فتيل موروث شعبي هو الحلقة. طقوس الأبيض: ثنائية الموت والحياة حبل العرض المسرحي "طقوس الأبيض" الذي عرضته فرقة مسرح الشارقة الوطني الإماراتية، بالكثير من الرموز، التي تصب في ثنائية الموت والحياة. تم تقديم هذا العرض الذي ألفه محمود أبو العباس، وأخرجه محمد العامري، بلغة شاعرية، مما حتم على الممثلين أن يكون إلقاؤهم متناغما مع الصور الشعرية التي يقترحها النص، ويجعل العرض قابلا لعدة تأويلات. يتأسس هذا العرض على مجموعة من التناقضات، التي تخلقها الصفة المهنية لبطليه، المتمثلين في حفار القبور وزوجته التي تقوم بتوليد النساء، هناك من جهة من يدفن الموتى، ومن يهب الحياة، وهذا التضاد هو ما سيولد مجموعة من الأسئلة الوجودية القلقة، ويخلق الصراع الدرامي. ولأجل خلق فرجة مسرحية تم اللجوء إلى مشاهد ترتكز بصفة أساسية على الغناء، الذي يتناغم مع هذا النوع من الصراع الذي يتشكل من ثنائية الموت والحياة، ولهذا كان من الطبيعي جدا أن يكون الغناء ذا طابع روحاني. السحور: تكريما لرمز ثقافي من المعروف عن المخرجة المسرحية نعيمة زيطان، تناولها لقضايا وهموم المرأة في جل أعمالها، غير أنها في عرضها المسرحي "السحور" الذي قدمته فرقة مسرح أكواريوم، عالجت ظاهرة اجتماعية تتمثل في السحر والشعوذة، أسبابها، أصولها، من خلال اشتغالها على نص للكاتب المسرحي الطيب الصديقي، ويدخل هذا الاختيار في سياق الاحتفاء برموزنا الثقافية. قامت مخرجة العرض نعيمة زيطان على إقحام أسئلة مرتبطة بالتحولات الآنية التي تمس الجوانب الاجتماعية والسياسية، بالرغم من عدم ورودها في النص الأصلي الذي اعتمدته كمنطلق لإخراج عملها المسرحي هذا، كما أنها تخلت عن المقاطع الغنائية الواردة في النص، التي كانت تشكل الخيط الرابط بين مشاهد المسرحية ، سيما وأن هذه المشاهد مستقلة عن بعضها البعض، واعتمدت على تقنية قريبة من طرق اشتغال السينمائيين في تقطيع النص. مسرحية "السحور" ذات صلة وثيقة بالتراث، غير أن المخرجة ارتأت أن تقدم هذا التراث برؤية حديثة، دون أن تتخلى عن العمق التراثي، الذي يتجسد في أصالة المعمار واللباس التقليدي وغير ذلك من العناصر التراثية. لقد كان السعي من وراء هذه المسرحية محو تلك الصورة الخاطئة عن بلدنا بكونه بلد السحر والشعوذة، للوصول إلى أن الظاهرة هي عامة في كل البلدان وفي كل العصور ومختلف الحضارات، وأنه يتم اللجوء إليه في لحظة ضعف بحثا عن سند روحي.