بيان اليوم تحاور ماري ناصف الدبس نائبة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ضرورة العمل على إعادة بناء حركة تحرر جديدة على صعيد العالم العربي بعد تمكن اليسار من بلورة وإطلاق إطار للنقاش، من خلال اللقاء اليساري العربي الذي التأم في دورته الخامسة بالرباط، هل يمكن الحديث عن بروز وعي يساري جديد في تفاعله مع القضايا والتحديات المطروحة؟ طبعا هناك تغييرات جدية منذ شهر أكتوبر 2010 حتى الآن، سواء من خلال النقاشات التي تتم بين قيادات الأحزاب، من جهة، أو من خلال التحركات التي تتم على صعيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومسألة الديمقراطية والتغيير والمسألة الوطنية في مواجهة المشروع الإمبريالي الحالي، من جهة أخرى. أعتقد أن اللقاء اليساري العربي ترك تأثيرا إيجابيا يتطور، ولو أنه ليس بشكل جذري حتى الآن، ولكن يتطور فعليا فيما يتعلق بالوصول إلى قواسم مشتركة فيما بين الأحزاب التي يتشكل منها، وفيما يتعلق بكيفية الربط بين المسألة الوطنية ومسألة التغيير الديمقراطي، أي مجتمع الحداثة اجتماعيا وسياسيا. هذا من جهة، بالإضافة إلى النقاشات الإيديولوجية التي من الممكن أن تغني ليس فقط اليسار العربي بل أن تفتح مجالا للنقاش مع القوى الأخرى منها ما هو ذو طابع إسلامي مختلف ومعتدل له علاقة بهذه المواجهة بشكل عام ، ومنها ما هو قوى ذات طابع قومي، وفي فترة معينة كانت في السلطة أو خرجت من السلطة وهي تبحث اليوم عن مقومات للعودة إلى العمل السياسي. ولكن المهم هو الظاهرة الأساسية في هذا اللقاء وتتمثل في الظاهرة الشبابية التي تكرست في اجتماعين كبيرين، عبر مخيمين للشباب شارك فيهما ما بين 50 و60 شبابا وشابة من أحزاب اللقاء ينتمون للبلدان العربية المختلفة، حيث ناقشوا قضاياهم والمشترك بينهم، كما ناقشوا تجاربهم، وفي نفس الوقت اتفقوا على برنامج للتنفيذ وعلى شكل من أشكال تعميم هذا البرنامج عبر إطلاق مدونة عبر الفيسبوك، والتي أصبحت معروفة بالنظر لعدد الزيارات التي تحظى بها، وهذا في اعتقادي شيء إيجابي لأن التغيير فعل شبابي خاصة بالنسبة لشباب اليسار في هذه المرحلة. من خلال تتبعنا للندوات التي نظمت في إطار الدورة الخامسة للقاء اليساري العربي، يلاحظ أن هناك نقاشات عميقة داخل المجموعة، وهو أمر إيجابي، لكن هل سيستمر اليسار في هذه النقاشات التي تمس أساسا المستوى الإيديولوجي تاركا الساحة للآخر الذي يعمل بشكل يومي وحثيث في الميدان خاصة وسط الشباب؟ نحن لا نعمل فقط على المستوى الإيديولوجي، بل نعمل ونعقد لقاءات سنوية، وحده اللقاء الذي كان مقررا السنة الماضية لم يعقد لأسباب مختلفة منها الأوضاع السياسية التي كانت سائدة في أكثر من بلد عربي، ولكن يجب التأكيد أن هذا النقاش نحن بحاجة إليه اليوم لأنه يجب أن نرسخ بشكل خاص خلفياتنا الفكرية التي ننطلق منها، فهناك يسار، وهناك تلاوين داخل هذا اليسار، وبالتالي هناك اختلافات فكرية وسياسية فيما بينها حول نفس التجربة، فمثلا تجربة المغرب يوجد اختلاف في النظرة لهذا بين حزب التقدم والاشتراكية الذي يقود هذه التجربة بنجاح، ويواجه من خلال عمله الاجتماعي وبين الجماهير، ومن خلال المواقف السياسية التي يتخذها، وبين بعض الأطراف أعضاء في اللقاء اليساري التي تتخوف من إمكانية احتواء هذه التجربة وما يمكن أن تتركه من تأثير. أنا في رأيي النقاش مهم، لسبب أنه على الأقل يطرح القضايا بعمقها، ويطرح وجهات النظر المختلفة، وربما من خلال هذا التفاعل والنقاش نصل إلى نوع من الخلاصات المشتركة، إنما في المقابل نحن نعمل أيضا كل في بلده بشكل عام على تجميع القوى ذات المصلحة في التغيير، مثلا في لبنان، ولنأخذ تجربتنا كمثال، فنحن نقود منذ ثلاث سنوات تجربة جدية في إطار فرز حركة نقابية من نوع جديد، هذه الحركة النقابية المبنية انطلاقا من نظامنا الذي يقسم الناس إلى طوائف، نسعى إعادة تجميعها على أساس برنامج اقتصادي اجتماعي من أجل التغيير، وهذا ما نجحنا فيه وسنطرح بالمقابل الموقف السياسي الذي يتمحور حول كيفية الخلاص من هذا النظام الطائفي الذي يحد من الإمكانيات الكبيرة للشعب اللبناني في إطار التغيير. ونجد نفس الشيء فيما يتعلق باليسار في مصر، وبالنسبة لرفاقنا في السودان فهم في معركة واسعة وطرحوا برنامجا جديا في لقاء لكل القوى الديمقراطية والتقدمية، واليوم يقودون معركة في مواجهة السلطة القمعية التي باشرت الاعتقالات في صفوفهم لمنع تنفيذ هذا البرنامج الجدي الذي يهدف إلى الخلاص من نظام البشير ووضع نظام ديمقراطي مكانه. فنحن نعمل على الجبهتين، طبعا ليس لدينا نفس الإمكانيات المتوفرة للقوى الإسلامية، إنما نحن فعليا بصدد خوض تجربة يكون فيها دور للقاء اليساري العربي لحماية هذه التغيرات التي تتم في كل بلد على حدة، وفي نفس الوقت الانفتاح على تجارب أخرى والتعاطي معها من منطلق أن المشروع الإمبريالي واحد بالنسبة لكل العالم، ويجب أن تكون مواجهته بمشروع موحد آخذين بعين الاعتبار خصوصيات كل بلد، وقضيتنا الوطنية في إطار مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد على صعيد منطقتنا في المشرق والمغرب العربيين. بخصوص مشروع مكونات اللقاء اليساري العربي، ما هي أعمدته الأساسية لإقراره وبالأخص لتنفيذه؟ نحن اتفقنا منذ ثلاث سنوات أن الوجهة والشعار الأساسي بالنسبة لنا يتمثل في إعادة بناء حركة تحرر جديدة على صعيد العالم العربي، بعد أن انهارت حركة التحرر السابقة بفعل القيادة القومية البرجوازية الصغيرة التي قادت بنا إلى حروب لم تؤد إلى نتيجة تحت حجة تحرير فلسطين. عمليا حركة التحرر هذه وضعنا لها أفقا اشتراكيا بمعنى أن التغيير يجب أن يكون تغييرا ماديا باتجاه ديمقراطي فعلي وليس بتغييرات فوقية في إطار الانقلابات، لذاك نحن نسعى إلى حركة ديمقراطية بشكل عام. وتحت هذا الشعار العام، لدينا برامجنا المرحلية في كل بلد عربي على حدة، أما البرنامج العام الأساسي الذي نتعاون من خلاله فيتم تحت الشعارات الأساسية التالية: أولا، أن التناقض الرئيسي اليوم ما زال يتمحور حول التناقض مع المشروع الإمبريالي، ومع وجود الصهيونية فوق الأراضي العربية واحتلال فلسطين... ثانيا، التغيير يجب أن يعتمد فعليا على الجماهير بأن نطور مفهوم الديمقراطية وشكل الانتخابات، حتى نفتح المجال أمام هذه الجماهير لفهم آليات التغيير. ثالثا، للوصول إلى ذلك يجب أن نعتمد على أساس تعليمي مختلف، وبالتالي أتوقع أن تكون هناك معركة مع بعض القوى الإسلامية، فيما يتعلق بمسألة التعليم ودوره في المرحلة القادمة. رابعا، مسألة قضية المرأة العربية ودورها، ثم مسألة القوى العاملة الكادحة ذات المصلحة في التغيير ودورها، وكيفية تأطيرها في إطار برنامج بعيد عن الانقسامات الطائفية والمذهبية وغيرها... وبالتالي لدينا هذه المفاتيح الأساسية للبرنامج الذي نخوض من خلاله نضالنا على صعيد كل بلد وعلى الصعيد العربي العام، واليوم يمكن لنا القول إن هناك أقليات موجودة بيننا في إطار العالم العربي وليست عربية، ويجب بحث كيفية التعاطي معها، وبالتالي فنحن نطرح وسنبحث إمكانية تغيير اسم هذا اللقاء ليشمل كل هؤلاء في المشرق والمغرب، بمعنى في اتجاه تطوير هذا اللقاء ليصبح لقاء فعليا للكادحين وذوي الدخل المحدود والأشخاص الذين يريدون التغيير في المشرق والمغرب على حد سواء دون التفرقة بين عربي وغير عربي، خاصة وأن وجود إسرائيل كدولة وكيان مصطنع في قلب العالم العربي يحاول استغلال هذه التقسيمات الإثنية بالإضافة إلى التقسيمات الطائفية والدينية حتى يستفيد ويتمدد أكثر فأكثر تحت الشعار المطروح اليوم وهو "تحويل إسرائيل إلى دولة اليهود في العالم". كيف ينظر الحزب الشيوعي اللبناني اليوم للأوضاع داخل البلاد والأحداث الإقليمية المحيطة؟ لبنان مختبر فعلي للشرق الأوسط لأن فيه من التناقضات والإشكاليات ما يؤهله لذلك، ففي كل مرة نخضع لتجارب إيجابية وسلبية بشكل عام، يعني يوجد لدينا اليوم مليون و700 ألف سوري، و500 ألف لاجئ فلسطيني، وهناك إسرائيل على حدودنا والمعارك التي تدور، ليس فقط على حدودنا، بل في فترات على أراضينا بين داعش وقوات السلطة السورية في إطار من يحتل الأرض وكيف سيتم بناء الوضع الجديد في سوريا. وانطلاقا من ذلك، نحن نعتبر أنه يجب أن يكون هناك تزاوج ما بين القيام بتحرك جدي لمقاومة إسرائيل والعدوان الإسرائيلي من أجل الوصول إلى تنفيذ القرارات الدولية التي تقضي بحق العودة للشعب الفلسطيني وبناء دولته المستقلة، ومن جهة ثانية نرى أنه لا يمكن الوصول إلى إنهاء أو تصفية هذا الوجود الإرهابي على صعيد المنطقة دون معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهي مسألة طويلة بالنسبة لنا وللمنطقة. ورغم ذلك، نرى أنه يجب أن تتحضر شعوب المنطقة لمواجهة هذه التحديات بما يفسح المجال أمامها لوضع أسس تغيير جدي، علما أن الوضع ليس سهلا بالمطلق، فهو صعب ومعقد جدا. وبالتأكيد ستتخلله حروب وتفجيرات، خاصة وأن لبنان مفتوح، وبالتالي تدخله الرياح من كل جانب، وبوجود اللاجئين الذين يستغلون وتستخدم مخيماتهم لتواجد خلايا نائمة للإرهاب بشكل أو بآخر، فهناك الكثير يجب أن يأخذ بعين الاعتبار، وفي نفس الوقت يجب العمل مع هؤلاء الأشخاص في اتجاه الحفاظ على كرامتهم، وبالتالي منعهم من الانزلاق مع الإرهاب الذي يحاول التغلغل وسطهم.