في مثل هذا اليوم من سنة 1983 رحل المفكر البارز والمناضل الفذ الفقيد عبد العزيز بلال. رحيل بلال نزل كالصاعقة، لا فقط لأن موته لفته ظلال من الغموض المريب، حيث وقعت الفاجعة بأحد فنادق مدينة شيكاغو الأمريكية، زعيمة الامبريالية العالمية فيما كان الراحل أحد القادة المنظرين لإشكالية التخلف في بلدان العالم الثالث، بل، أيضا، لكوننا فقدناه وهو مازال في أوج عطائه الفكري والسياسي والأكاديمي. نزل موته كالصاعقة أيضا لكونه كان قدوة في مجال تسيير وتدبير الشأن العام والمحلي، ومنارة على المستوى الفكري، لا سيما فيما يخص تشخيص أسباب تخلف المجتمعات وبلورة آفاق التطور والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. رحل بلال بينما كان قد حل بالولايات المتحدة في مهمة باعتباره نائبا لرئيس بلدية عين الدئاب حيث كانت المناسبة هي المشاركة في احتفالات التوأمة بين مدينتي شيكاغو والدار البيضاء. تقول البيوغرافيا إن الراحل ولد في 23 ماي سنة 1932 وسط عائلة متواضعة. خبر الرجل صعوبات الحياة منذ نعومة صغره إذ توفي والده وهو لا زال في سن الثامنة. لكنه واجه الصعوبات وثابر وتابع دراسته الابتدائية بامتياز بمدينة وجدة. التحق، بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، بجامعة الرباط لمتابعة دراسته ليحضر إجازته في العلوم الاقتصادية، ويلتحق فيما بعد بإحدى الجامعات الفرنسية حيث نال دبلوم الدراسات العليا سنة 1956. ورغم الغوص عميقا في معالجة إشكاليات التخلف وعوائق التنمية وتطور المجتمعات العالمثالثية لم يتوان لحظة في دخول غمار الحياة السياسية والحزبية من بابها العريض. وضع عزيز بلال لبنات مدرسة اقتصادية وعلمية قائمة بذاتها، ولا عجب إذا كانت أطروحاته وأفكاره مازالت تتمتع بقدر كبير من الراهنية. كان بلال أول اقتصادي أعطى أهمية التي تستحق للرأسمال غير المادي. هذا الرأسمال الرمزي ومكانته في تنمية المجتمعات الذي أصبح اليوم موضوع بحث ونقاش عام، أي بعد أزيد من خمسة وثلاثين سنة عن تطرق الراحل إليه في مؤلفه حول « العوامل غير الاقتصادية للتنمية « الصادر سنة 1980، حيث دعا إلى تجديد أدوات التحليل الاقتصادي والاجتماعي في مقاربة إشكالية التنمية والتخلف. أهمية هذا الرأسمال غير المادي طورها أيضا في أطروحاته «الاستثمار في المغرب 1912- 1964 «، الصادر سنة 1976، و» تكوين التخلف: الماضي، الحاضر والمستقبل» على سبيل المثال وليس الحصر. رفض عزيز بلال ارتداء ربطة العنق مثلما رفض اقتناء مسكن فاخر يليق بمركزه الاجتماعي. وقد كان بإمكانه ذلك. كان يعيش حياة متواضعة لكنه تواضع الكبار. عبقرية بلال كانت تتجلى في فكره وفي أسلوب تدبيره للشأن العام والمحلي، وأيضا في نضاله السياسي واعتناقه لهموم وقضايا الكادحين ووفائه لحزبه الذي كانت مساهمته كبيرة، إلى جانب رفاق آخرين، في ترسيخ هويته المذهبية وخطه السياسي حتى يتموقع كحزب «للطبقة العاملة وعموم الكادحين». يخيل للباحث في سيرة عزيز بلال وللمتفحص لعطاءاته وإسهاماته الفكرية والسياسية أن الرجل عاش قرنا ونيف من الزمن. رحل بلال وعمره لا يتجاوز الخمسين سنة ، نصف قرن كان عبارة عن ورش من العمل الفكري والسياسي فلا يمكن لرجل بهذه الخصال والكفاءات إلا أن يظل قدوة على مر الأجيال ومنارة لا تنطفئ .