يتواصل الجدل حول النتائج التي أفرزتها الانتخابات المهنية وسط النقابيين، وقد بلغ الأمر ببعض الخاسرين أن اتهموا الحكومة ورئيسها بالتدخل وتزوير النتائج، من دون أن يقترن اتهامهم بتقديم حجج ملموسة أو سلك مساطر الطعن التي يكفلها القانون. وبرغم ما سبق، فإن الثابت اليوم أن الاقتراع الأول ضمن المسلسل الانتخابي الذي ستشهده بلادنا هذا العام جرى وأفضى إلى ما أفضى إليه، وكل المعنيين به مطالبون باستخراج الخلاصات وفهم الدروس التي كشف عنها. في البداية، ورغم اللغط النقابي والسياسي المنبعث من هنا أو من هناك، فان الحصيلة النهائية تبين أن حوالي 50 في المائة من المقاعد فاز بها غير المنتمين نقابيا، وأن ما تقاسمته النقابات الفائزة مجتمعة لا يزيد عن النصف. وحتى إذا استحضرنا كون نسبة المقاعد التي فاز بها غير المنتمين في 2009 بلغت 55 في المائة، ما يعني حدوث تراجع طفيف هذه المرة حيث النسبة لم تصل إلى 50 في المائة، فمع ذلك النسبة لا زالت كبيرة، وعلى النقابات كلها مضاعفة جهودها أكثر في الميدان ووسط الطبقة العاملة والموظفين للرفع من منسوب التنقيب الذي لا يزال هو أيضا ضعيفا في بلادنا. أما المعطى الثاني، فيتعلق بكون المركزيات المنخرطة في الحوار مع الحكومة والباطرونا والمنتصرة لخيار الشراكة والتشاور والتدرج في تحقيق المطالب:"الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل/العزوزي/"، بالإضافة إلى الاتحاد الوطني للشغل، نجحت كلها في تحسين نتائجها قياسا إلى 2009. وهذه رسالة قوية تحث على أهمية تعزيز الاستقرار والسلم الاجتماعي وتطوير منظومة الحوار الاجتماعي والشراكة بين النقابات والحكومة وأرباب المقاولات من أجل تقدم البلاد وتحقيق مطالب الأجراء وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية. المعطى الثالث الذي يمكن استخراجه من نتائج انتخابات مناديب الأجراء وأعضاء اللجان الثنائية، يتركز حول النقابات التي دخلتها منقسمة على نفسها وتتجاذبها تيارات داخلية متطاحنة فيما بينها، حيث أن ذلك كان كافيا لينفض الناس من حولها، ولتصفعها صناديق التصويت بقرار صارم وقاسي يقضي بإخراجها من دائرة التمثيلية وحجب العتبة عنها، والدرس هنا أن النقابات الحقيقية تكون قوية على قدر قوة وحدتها الداخلية ومتانة هيكليتها التنظيمية. النقابات الخاسرة في الاقتراع عليها إذن أن تبحث في السبب هنا بالذات، أي في ذاتها التنظيمية أولا، ثم في قبولها أن تستغل حزبيا ويتحول خطابها وعملها ووجودها بالكامل إلى العمل الحزبي الفج بدل التركيز على اختصاصها الوحيد، أي العمل النقابي. نتائج الانتخابات المهنية منحت مركزية الاتحاد المغربي للشغل صدارة الترتيب من جديد، بل إن نتائجها انتقلت من 13.22 في المائة في2009 إلى 17.6 في المائة هذا العام، ما يجعل من حقها أن تعلن أنها انتصرت، وأنها أكدت مرة أخرى ريادتها في الحقل النقابي الوطني، ومن ثم فإن خيار المركزية النقابية الوحدوية المستقلة عن الأحزاب والحاضنة لمطالب الشغيلة بغض النظر عن الانتماء السياسي والمرتبطة بنضالات القوى الوطنية والديمقراطية هو الذي انتصر، وهو الذي يطالب به الأجراء المغاربة. الوقت الآن لبقية المسلسل الانتخابي، وأيضا لضرورة استثمار مؤشرات النتائج التي أفرزها اقتراع المناديب من أجل صنع وقائع جديدة وخريطة نقابية واجتماعية مختلفة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته