من المؤكد أن نزول آلاف العمال إلى الشارع بالدارالبيضاء ضمن مسيرة احتجاجية للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وانتهاء التظاهرة، التي دعت إليها مركزيات نقابية، بلا أي مشكلات، أمر يبعث على التفاؤل ويجدد الأمل في رؤية الدارالبيضاء تستعيد مجدها النضالي العمالي، وفي تقوية الفعل النقابي ضمن المسار النضالي العام لشعبنا. وعليه، فإن القوى المرتبطة عضويا وتاريخيا وفكريا بالطبقة العاملة لا يمكن إلا أن تحيي الشغيلة وممثليها النقابيين على نجاح أي مبادرة نضالية أو تعبوية. في المقابل، المسيرات الاحتجاجية والإضرابات والوقفات لا تقام من أجل استحضار الذكريات، وإنما للدفاع عن مطالب وللضغط من أجل تحقيقها، ولهذا يعتبر الورش الاجتماعي اليوم على رأس أولويات الإصلاح في بلادنا، ولابد من خطوات شجاعة وإجراءات عملية ملموسة بشأنه لتحسين الأوضاع المعيشية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا ولتحسين دخلها ولتقوية ضمانات مستقبلها عبر إصلاحات جذرية وحقيقية ومضاعفة في قطاعات التعليم والصحة والسكن والتشغيل، وأيضا بخصوص الصناديق الاجتماعية والتقاعد وغيرها من الرهانات الاجتماعية المطروحة اليوم على بلادنا. ومن باب الموضوعية، لا بد من تسجيل الجهد المهم والواضح الذي بذلته الحكومة الحالية على الصعيد الاجتماعي، وأيضا وضوح اختياراتها الإصلاحية، وذلك برغم تنامي المطالَب وتراكم العجز ما يستوجب جهدا أكبر باستمرار، وهو ما يجب الانكباب عليه اليوم صيانة لاستقرارنا المجتمعي وتطويرا لمسارنا التنموي العام. ومن جهة أخرى، من الضروري بلورة الرؤى والمطالب ضمن تصور واقعي يأخذ بعين الاعتبار اكراهات البلاد وسياقات محيطها، وذلك بدون اللجوء إلى السقوف العالية المعلقة في الهواء أو إلى المعجم الشعبوي الفج أو إلى تغليف المواقف السياسية بمطالب نقابية، وهنا لا بد مثلا من الوعي باستعجالية إصلاح أنظمة وصناديق التقاعد وتغيير المنظومة العامة لقوانين وتشريعات العمل وعلاقات الحقل الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن ضرورة تمتين شروط وأسس دولة القانون والمؤسسات ليس فقط في المجال السياسي، وإنما كذلك في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وكل هذا يحتم انخراطا قويا وجديا ومسؤولا للمركزيات النقابية الحقيقية وإسهامها العملي والتعبوي لإنجاح الإصلاحات الشجاعة التي تتطلبها المرحلة اليوم. مسيرة الدارالبيضاء بقدر ما أكدت حاجة بلادنا إلى حوار اجتماعي حقيقي وناجع، وهو ما يجب الشروع فيه في أقرب وقت، وأبرزت أيضا محورية الإصلاحات الاجتماعية وضرورة تحسين ظروف عيش شعبنا، فهي كشفت كذلك عن مهام أخرى ليست اقل إلحاحية، وتعني النقابات نفسها، أي الضعف العام للتنقيب وسط الشغيلة واستمرار التشتت النقابي وضعف إقبال الشباب والأطر على الانخراط في النقابات، وتواصل نفس الشعارات ومنهجيات التفكير والتأطير والتعبئة كما كانت طيلة عقود، وهذه كلها قضايا سجلها عدد من مناضلي النقابات أنفسهم على هامش المسيرة ودعوا إلى تغييرها والانكباب عليها، فضلا على ضرورة التفكير ملئ الوطن وبحجم رهاناته الكبرى. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته