من المؤكد أن انتخابات الجمعة الماضي شابتها خروقات في عدد من المناطق، وعدد من أعوان السلطة ومسؤولون محليون تابع الكثيرون "على عينك يا بن عدي" صولاتهم وجولاتهم يحشدون الأصوات للون حزبي معلوم، ويحثون الناخبات والناخبين على التصويت لفائدة مرشحي اللون ذاته، وكل هذا يقول به اليوم أكثر من مراقب حزبي أو إعلامي، كما تجري بتفاصيله كثير ألسن. ومن المؤكد كذلك أن تفاعل سياقات متداخلة أفرز النتائج المعروفة، ولا يمكن أن تستثنى منها العوامل الذاتية المرتبطة بهذا الحزب أو ذاك، ومن ثم حاجة حقلنا الحزبي والسياسي إلى قراءات هادئة وعميقة للحصيلة وللتداعيات، بدل طيش الكلام الذي ينبعث هذه الأيام من هنا أو هناك. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، منظومتنا السياسية والانتخابية والحزبية والمؤسساتية في حاجة إلى تفكير جدي وقراءة تقوم على العقل، وعلى بعد النظر، كما أننا، كبلد وكشعب، في أمس الحاجة إلى تجديد استحضار البديهيات التي يبدو أن بعض سياسيينا وإعلاميينا و"محللينا" يمسحونها بجرة... طيش، وبخفة قول. هل وحدها الانتخابات من شأنها أن تحكم على مصداقية حزب وقوته السياسية وضرورته المجتمعية؟ هل يمكن لصيرورتنا الديمقراطية الوطنية أن تتقدم وتتطور بلا أحزاب حقيقية ومستقلة وذات عمق وأصل ومرجعية؟ هل يمكن، في هذا الزمان وبعد كل الهزات في الشرق والغرب، أن تنجح العمليات القيصرية لاصطناع أحزاب أو افتعال حياة سياسية بموجب رغبات الذات والأمزجة؟ الحاجة لتعميق تفكيرنا الجماعي في مثل هذه الأسئلة والسعي لصياغة أجوبة واعية وناضجة لها ولامتداداتها الواقعية، من شأنهما بلورة استفهام مجتمعي كبير نطرحه علينا جميعا، ومؤداه: ماذا نريد لبلادنا بالضبط؟ وكيف يجب أن نسير بهذه البلاد نحو صيانة وحدتها واستقرارها، ومن أجل تكريس مقتضيات الدولة الديمقراطية الحديثة، ولتأمين العدالة الاجتماعية والتقدم والمساواة لشعبها؟ لن يتحقق هذا من دون وضوح نظر بشأن البديهيات الكبرى المومأ إليها في الأسئلة أعلاه، ومن دون إصرار جماعي على الالتزام بالاختيارات الأساسية المنسجمة مع ثوابت الدولة والمتصالحة مع مقتضيات الديمقراطية كما هو متعارف عليها في عالم اليوم، وبلا أي ارتهان لعقليات ماضوية لم تنجح أصلا في زمانها، فكيف أن تنجح اليوم والعالم لم يعد يستسيغها كمنطق أو أفق؟ شعبنا اليوم يريد فتح نوافذ التفاؤل ومعانقة المستقبل، وهذه مسؤولية الطبقة السياسية بكاملها، أي أن تجد المخارج والحلول للمشكلات والمنغلقات، وأن تعيد للسياسة جديتها. بلادنا لديها مصلحة أساسية وإستراتيجية في تقوية شروط التعددية السياسية في المجتمع، وأن تكرس حياة سياسية تقوم على أحزاب وطنية لها مصداقيتها وجديتها وتميزها، وأساسا تمتلك استقلاليتها، أي أحزاب حقيقية خرجت من رحم هذا الشعب، وليست مصطنعة أو جرى إحداثها وفق حسابات الذات والأمزجة. ولهذا، فهذه الأحزاب الوطنية الحقيقية يجب أن تستمر قوية وموحدة، وفقط أعضاؤها وهياكلها التنظيمية من يمتلكون حق التقرير، بشكل حر وديمقراطي، في حاضرها ومستقبلها، أما استهدافها، عبر الانتخابات أو خارج ذلك، فهذا لن يفيد البلاد قطعا، ولن ينجح. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته