تتواصل الجولة الملكية في شرق إفريقيا، وذلك بزيارة تنزانيا، المحطة الثانية في هذه الجولة بعد رواندا وقبل إثيوبيا. يؤكد عديد خبراء متخصصين في الشأن الإفريقي والعلاقات المغربية الإفريقية أن زيارة الملك لتنزانيا تكتسي أهمية استراتيجية واقتصادية بالغة. بداية، يجدر التنبيه إلى التحدي السياسي الذي تجسده هذه الزيارة الملكية لبلدان في شرق القارة الإفريقية، ذلك أن الأمر يتعلق باللقاء بدول، أغلبها لا زال يعترف ب "الجمهورية الصحراوية" الوهمية، أي الانتقال إلى الفعل داخل "ملعب" خصوم وحدتنا الترابية، ومن ثم، فالزيارة تعتبر في حد ذاتها، بالإضافة إلى مظاهر وصور الاستقبال، ومستوى المباحثات السياسية والاقتصادية بين المملكة وهذه البلدان، من مؤشرات تقييم النجاح، كما أن انطلاق هذه الدينامية الانفتاحية الجديدة تجاه البلدان الإفريقية الأنجلوساكسونية يتطلب تمتين منظومة المتابعة والحرص على تعزيز ما يتحقق وتطوير مرتكزات النجاح المغربي على هذا الصعيد. إن ملف استعادة المغرب لمقعده بالاتحاد الإفريقي، والمؤتمر المقبل لهذه المنظمة القارية يجسدان الموعد المناسب لقياس مستوى التقدم في العلاقات السياسية للرباط مع هذه الدول، علاوة على أن حضور المملكة هناك يجب أن يندرج ضمن هدفيَّة استراتيجية تستدعي التخطيط والعمل والتتبع لتكريس الدور المغربي، سياسيا وأمنيا وثقافيا واستراتيجيا، وسط هذه المنطقة عالية الأهمية والحساسية. من جهة ثانية، وبعد الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقعة مع رواندا، فإن الشق الاقتصادي في زيارة جلالة الملك لتنزانيا يعتبر أكثر أهمية ولا يخلو هو نفسه من قيمة استراتيجية على مستوى تنمية مبادلات المغرب مع شرق إفريقيا ككل. تنزانيا تمتلك مناخ أعمال إيجابيا، ولديها مقومات أساسية تحفز على تطوير دينامية اقتصادية مهمة، بالإضافة إلى مستوى مهم من الاستقرار، علاوة على ممكنات طبيعية وقطاعية من شأنها توفير مجالات عمل مشترك بينها وبين المغرب. مدينة مثل دار السلام، إلى جانب تقدمها العمراني وجاذبيتها، فهي أساسا تمثل الميناء الرئيسي لتنزانيا المطل على المحيط الهندي، وهو الثاني بمنطقة شرق إفريقيا كلها من حيث حركيّة النقل البحري، وهذا جعل البلد يمتلك موقعا استراتيجيا، ويتواجد ضمن ملتقى لأهم الطرق البحرية، وبات اليوم إحدى المحطات الرئيسية لحركة التجارة الإقليمية والعالمية. هذا المعطى الاستراتيجي والاقتصادي الجوهري يتيح للمغرب وللقطاع الخاص المغربي فرصا كبيرة لتقوية التواصل التجاري والاستثماري، ليس فقط مع تنزانيا، وإنما من خلالها مع عموم دول شرق إفريقيا. في مثل هذه المناطق لا يأتي التنافس من دول أو قوى إقليمية من داخل القارة (جنوب إفريقيا أو نيجيريا بالخصوص)، وإنما أساسا من الحضور الاقتصادي والاستثماري الضخم لقوى أسيوية عظمى (الصين أساسا)، وهنا يمكن للمغرب، وللقطاع الخاص المغربي أساسا، الاستفادة من دروس ونجاحات التجارب الآسيوية في هذه المناطق، واستثمار التجربة المغربية في باقي مناطق القارة وأيضاً نقائصها، وكذلك الشراكات الإقليمية والدولية، وكل هذا بغاية ترسيخ نماذج ناجحة لشراكة: رابح - رابح مع هذه الدول، وبلورة صيغ تنموية وتعاونية تحقق مصالح الطرفين. في تنزانيا يقدم الخبراء الفرص الكثيرة التي تتيحها قطاعات: السياحة، الفلاحة، الطاقة، البترول، الغاز الطبيعي، الثروة الحيوانية، البنيات التحتية، المناجم وغيرها، لصياغة وإنجاح مشاريع مشتركة، ولتفعيل شراكات منتجة ورابحة. يبقى، ترتيبا على كل ما سلف، أن المغرب مدعو اليوم لتطوير آليات التتبع لاتفاقاته ومشاريعه مع هذه الدول، في إطار منظومة إدارية وتجارية وقانونية ناجعة واستباقية وتتفاعل مع التطورات والمستجدات بسرعة واستمرارية، كما يجب على بلادنا الاهتمام بالفرق العاملة على مثل هذه الملفات، ديبلوماسيا واقتصاديا وإداريا، وتوفير موارد بشرية ذات كفاءات عالية ومناسبة لهذا السياق المتميز، وتتميز بالذكاء والقدرة على إبراز حضور مكثف واستباقي في تفاعلات هذه المنطقة التي يكثر عليها الطلب والإقبال من لدن قوى إقليمية ودولية ولوبيات اقتصادية متنوعة. الزيارة الملكية تفتح اليوم إذن الأبواب، ولكن المفروض عدم تضييع مكاسبها، والحرص على بلورة آليات عمل وخطوات ملموسة حتى يترسخ حضور المملكة بهذه المنطقة المهمة، ويستعيد المغرب دوره الإستراتيجي والتاريخي في إفريقيا والعالم. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته