بكثير من الإبهار، تواصل المنتخبات الأفريقية تقديم عروضها القوية فوق الملاعب الغابونية، ملاعب جميلة لكن أغلبها بعشب سيء في حاجة للكثير من الترميم، حتى يكون صالحا لإجراء مقابلة في كرة القدم، وفق الشروط المتعارف عليها دوليا، وليس قاريا. فالسينغال، وغانا، والكامرون، وبوركينافاصو، ومالي، وتونس، منتخبات أكدت علو كعبها، وحتى بالنسبة لتلك التي لم تعلب سوى مقابلة واحدة، أظهرت كل المؤشرات أنها فرق تتوفر على إمكانيات مهمة تسمح لها بالذهاب بعيدا خلال النسخة الواحدة والثلاثين. ويلاحظ من خلال أسماء المنتخبات التي خصصناها بالذكر، وجود منتخب عربي واحد ألا هو "نسور قرطاج"، نظرا للمستوى الرائع الذي ظهر به، خصوصا خلال اللقاء الثاني أمام منتخب الجزائر، بينما انهزم في المباراة الأولى ضد السينغال بهدفين لصفر. ولا ينتظر المتتبعون مستوى أفضل من "أسود الأطلس" ومن "محاربي الصحراء"، بالرغم من أن المنتخبين معا يتوفران على لاعبين جيدين، لا يكونون، مع ذلك، مجموعة قوية. نفس الشيء يقال تقريبا عن منتخب مصر، الذي اكتفى بتعادل بشق الأنفس مع نظيره المالي. وإذا نظرنا إلى سجل المتوجين بالكأس القارية، فإننا نجد سجلا ضعيفا للمنتخبات شمال أفريقيا. فالمغرب فاز مرة واحدة وكانت سنة 1976 بإثيوبيا، وعجز عن الفوز وهو ينظم على أرضه نسخة سنة 1988. والجزائر، من جانبها، فازت بالنسخة التي نظمتها سنة 1990، نفس الشيء بالنسبة لتونس سنة 2004، أما ليبيا فبلا لقب، ويتميز التأهيل للأدوار النهائية بعدم الانتظام. كل هذا يؤكد الصعوبة التي تجدها دول المغرب العربي في منافسة باقي منتخبات القارة، والأسباب نجدها متخلفة ومتعددة، منها الصعوبة التي يواجهها لاعبو المنطقة المغاربية في التأقلم مع حرارة الطقس وارتفاع الرطوبة، خصوصا وأن أغلب هذه المنتخبات بدأت تعتمد كليا خلال السنوات الأخيرة على لاعبين ازدادوا بأوروبا، وتكونوا بمراكز الأندية التابعة لها، وبحكم تفورهم على تقنيات فردية، ويميلون بالفطرة لاستعراض الفرديات، فإن سوء أرضية الملاعب، بأغلب بلدان القارة لا تسمح لهم بذلك، وهذا العامل يؤثر بالضرورة على عطاءاتهم سواء كأفراد أو مجموعة. على مستوى الأندية، فإن الإنجازات تعد قليلة خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من حضور لاعبين ينتمون لدول جنوب الصحراء، وهذا يتأكد كذلك على مستوى الفئات الصغرى إناثا وذكورا، حيث يحضر ثقل عامل البنية والقوة الجسمانية والنفس الطويل، وهذه عوامل لا يستهان بها على مستوى العطاء الرياضي. إلا أن هذا العامل الطبيعي والموضوعي، لا يلغي نهائيا تفوق هذه البلدان في مسألة التكوين، الذي يساعد في تطوير الإمكانيات الطبيعية للوصول إلى إبراز نجوم تسطع بقوة على صعيد الاحتراف الأوروبي، وعلى هذا الأساس فإن منتخبات دول المغرب العربي أصبحت تجد صعوبة كبيرة في منافسة دول القارة، وما عليها إلا البحث عن طرق أخرى للإعداد والتكوين منذ الصغر وعلى صعيد الأندية المحلية بالذات، أما الاستمرار في البحث عن عناصر جاهزة من الخارج، فقد أكدت التجربة أنها ليس بالحل الأمثل، والتجربة أكدت ذلك، فالمغرب لم يحقق مثلا تأهيله للمونديال منذ سنة 1998 بفرنسا، حيث كانت تتكون التشكيلة من لاعبين محليين ومحترفين، وأغلب العناصر التي كانت تمارس بالخارج خرجت من البطولة الوطنية...