بعد الاعتقاد الجازم وغير القابل للتأويل، أو التبرير، لجرائم القتل المتعمد التي اقترفها الانقلابي السيسي في حق المئات من أبناء الشعب المصري الشقيق. وإجماع العالم الحر على إدانتها، وجنوح علماء الأمة، وعقلاء العَلمانيين من كل العالم إلى الإجماع على شناعة الفعل، وجٌرْمِيَّته، وانخراط بنكيران وصحبه في حملة الإدانة لهذه الانتهاكات غير المسبوقة؛ ينقلب السيد بنكيران بشكل فاجأ الجميع- الأتباع قبل الخصوم- 180 درجة بعد زيارة مُلْزِمَةٍ للانقلابي، ليشيد، في تصريح غير مُلْزِمٍ، بالدور الفاعل والكبير الذي يضطلع به الانقلابي القاتل في خدمة مصر والعالميْن العربي والإسلامي !! ، ويتبعه السيد الداودي (القشة التي قصمت ظهر البعير !)، بعد أيام قليلة، بتصريح مماثل لم يُبق للأتباع أي مجال للمناورة أوالتأويل. مما وضعهم، بالفعل والقوة، في موقف لا يحسدون عليه. ولعل من أغرب ما قرأناه حول تداعيات هذا الملف، ما كتبه أحد "فقهاء" الحزب، من هواة البحث في التراث الإسلامي، وهو يرد على أعضاء من الحزب انخرطوا في حملة الإدانة للسيدين بنكيران والداودي على هذا الانقلاب غير المفهوم في الموقف المبدئي للحزب والحركة من جرائم السيسي. حيث اعتبر هذه الانتقادات صادرة عن حديثي عهد بالحزب والحركة، ممن لم يستوعبوا بعدُ عمق المشاركة السياسية للحزب، وخلفياتها الشرعية والدينية( !!!). في حين اعتبر أن الإشكال في فهم تصرف السيد بنكيران مع السيسي، راجع إلى ضعف الزاد العلمي والأصولي لدى المنتقدين !!، وهو الإشكال الذي لا نجد له حضورا – حسب زعمه- في قناعة الرعيل الأول للحزب والحركة لتشبعه بعلوم الشريعة عقليها ونقليها. وهو التشبع – حسب مفهوم شيخ(نا) دائما- الذي يقي من هكذا سقوط في تجريم مواقف اجتهادية !، تستحضر فقه المقاصد والموازنات ومراتب الأعمال، خلال وأثناء، تقييم هكذا تبدلات في المواقف والقناعات!!. والحقيقة أننا لو لم نكن شهودا على هذه المرحلة التي سماها صاحبنا بمرحلة الرعيل الأول للحركة، لقدرنا – وبدون تردد- أن هذا الحزب، بهذه "المواقف" السابقة لمؤسسيه، حسب هذا الفقيه، والتي تجعل من قاتل خصومه السياسيين، مدبرا حكيما؛ حزب لا يستحق وسم" الإسلامية"، لأن الإسلام منه بريء. كما أن ادعاءه – في المقابل- أنه يمتح من المرجعية الإسلامية؛ ظلم مبين للإسلام ! لكن الحقيقة أن الذي عرفناه عن الرعيل الأول الذي شاركناه المجالس التربوية، والمواقف السياسية، أنه لم يكن يقبل الدَّنِيَّة في دينه أبدا. فقد كان يتعبد الله بكره من تلطخت أيديهم بالدماء، والدعاء عليهم، ونصرة المظلومين. بل كان لسان حال الواحد منهم ينطق، كلما سُئِل تنازلا في معتقده أو مواقفه من القتلة، من أجل مصلحة دينية أو دنيوية؛ واقعة أو متوقعة:" السجن أحب إلي مما يدعونني إليه" !. فلازالت تأصيلات القادة والشيوخ، للمشاركة السياسية في تدبير الشأن العمومي، والتي كانت تمتح من اجتهادات ابن تيمية ، وابن القيم، والشاطبي، والقرافي،... ترن في آذاننا. كما لازالت مواقف سلف هذه الأمة الصالح من أمثال سعيد بن جبير، وأبي حنيفة النعمان، والإمام مالك، وابن حنبل، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية،... في مجابهة الظالمين، والقتلة، تؤصل لمواقفنا التي لا تتبدل منهم. لأننا ندين بها الله عزوجل، ولا نقبل من أجلها الدنية في الدين ولا في الدنيا. والتي تؤصل كذلك، في اعتقادنا، لمواقف مئات المنتقدين، اليوم، من أعضاء حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، لصمت بنكيران وجماعة من أتباعه، عن أحكام الإعدام الجائرة التي صدرت عن القضاء المصري في حق الرئيس المصري المنتخب، والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وثلة من خيرة العلماء والشباب المشهود لهم بالوسطية والاعتدال، ونبذ العنف،... كل هذا بفعل "الشحنة التأييدية" التي تلقاها السيسي من المنتظم الدولي، والدول العربية المشاركة في القمة الأخيرة، وبعض رموز التيار الإسلامي "الإخواني"، من أمثال السيد بنكيران الذي قابل السيسي، وأشاد بإنجازاته الاستثنائية في خدمة الأمتين العربية والإسلامية،... !! واليوم يلوذ – مع جماعة من إخوانه مِمَّن استهوتهم الكراسي المِلاح- إلى الصمت، وسط هذا المهرجان التنديدي العالمي ضد الحكم بإعدام مرسي وإخوانه، والذي يشارك فيه إلى جانب الإسلاميين ( ومنهم أغلبية إخوان بنكيران في الحركة والحزب)؛ عَلمانيون، ويساريون. كما يشارك فيه سياسيون، في الحكم وخارجه. لكن من السذاجة المُرَّة أن يعتقد البعض أن تحركات العالم الحر لإدانة الإعدامات التي تصدر من القضاء المصري "الشامخ"، ستجد لها آذانا صاغية من النظام العسكري الانقلابي الذي يحكم اليوم مصر. فقد عودتنا مثل هذه الأنظمة بأحكام لا ترد ولا تناقش، مهما كانت تداعياتها الجرمية في حق شعوبها. لأن غاية ما تخافه الأنظمة المدنية، تدخلات الأغيار في شؤونها الداخلية؛ أما هذه، فيدها على الزناد دائما وأبدا، ولا تجد راحتها إلا بين أزيز الرصاص، وهدير المدافع، وقصف الطائرات !!. فما الذي سيخسره السيسي من إعدام الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي؟ !. فقد عودتنا أنظمة العسكر التي حكمت مصر منذ الهالك عبد الناصر، أن آخر ما تفكر فيه هو لوماً يأتيها من صديق، أوتهديداً من عدو. فقد أعدم عبد الناصر العشرات من علماء الإخوان وسواهم، بأوامر عبر الهاتف من قصر القبة، إلى " كومبارس" القضاء المصري "الشامخ"، ولم يلتفت- البتة- إلى نداءات العالم، أوتدخلات "أهل الحقوق"، والديبلوماسية. فقد أعدم المفكر الإسلامي سيد قطب – رحمه الله- رغم تدخلات العالم من جكارتا إلى الرباط. واليوم يواصل خلفه غير الصالح، نفس النهج، فيقرر فَضَّ اعتصاميْن سلمييْن، بكل ما تحمله أدوات الفض الهمجي من السحل، والقتل، والإحراق، دون أن يرف له جفن… وليذهب العالم- بعد ذلك- إلى الجحيم !!. فقد يكون لحضور العرب إلى القمة العربية المنعقدة في القاهرة، نَوْعَ تأييدٍ للسيسي في مساره الإبادي ضد الإخوان، وقد يكون للقاء بنكيران "الإخواني" به، وتصريحه المشيد بإنجازاته العظيمة في خدمة مصر والأمتين العربية والإسلامية،... شحنة معنوية في جعبته الاعتبارية الفارغة؛ لكن، كما يقول المثل المغربي،:" اللِّي فْرَاسْ جْمَلْ فْرَاسْ جَّمَّالْ". فالسيسي العسكري لا يحتاج إلى إشادات أو تأييدات ، كما لا يحتاج إلى تنبيهات أو تحذيرات من أحد، حتى ينفذ قراراته التي يرى فيها "قشة البقاء" التي دونها؛ زوال الملك، وذهاب الريح. لذلك فمن السذاجة أن نعتقد أن السيسي يمارس الآن مسرحية قضائية لاستدرار الانتباه، وربما التأييد والاعتراف. فتنفيذه لأحكام الإعدام في حق خصومه، وعلى رأسهم الرئيس المنتخب (رمز أحرار الأمتيْن العربية والإسلامية، وليس رمزا للمصريين، أو الإخوان فقط، كما يريد أن يوهمنا به من ينقم علينا هذا الاهتمام، ويزايد علينا في "تمغربيتنا"؛ في الوقت الذي يتخذ له رموزا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. من مهاتما غاندي إلى تشي جيفارا !!)، سارٍ على كل حال، إلا أن يشاء الله خلاف ذلك. فلا مجال - ياسادة - للقراءات المتفائلة التي لا زالت تعتقد أنها تخاطب نظاما يقدِّر المصالح؛ فيَرُدُّه حوارٌ. أو يزعزعه احتجاجٌ؛ فيقَبَل بأنصاف الحلول. إننا أمام نظام استبدادي دموي لا يؤمن إلا بنفسه، وكل من دونه عَدَمٌ وبَوَار!. دمتم على وطن.. !!