1. وُعودٌ في كَفِّ عفريت ! يدخل المغرب السياسي خلال هذه الأيام، لثاني مرة في ظل الدستور الجديد، غمار استحقاقات انتخابية تشريعية لانتخاب ممثلي وممثلات الشعب المغربي تحت القبة التشريعية. ومع هذا الدخول، يتكرر نفس السيناريو القديم لحملة طويلة وعريضة يشارك فيها مرشحون ومرشحات من مختلف الأطياف، والحساسيات السياسية، في مهرجان كبير للكذب، وسوق لبيع الوهم، لعمومِ شعبٍ بلغت فيه الأمية مداها، والجهل منتهاه، و"اللاأدري"، في السياسة، والاقتصاد، و"اتشلهيب" السياسوي؛ أقصاه. نفس الوجوه التي تناوبت على خشبة التمثيل لعقود، وبعضها لخمس سنوات خلت ( إلا من رحم الله!)؛ تتكرر عليه، في لبوس جديد، تَرْبِتُ على عاطفته لتستميلها بحديث فيه الكثير من الوعود الزاهية، والكلام المعسول، المليء ب"الحب"، و"الاحترام"، والحَلف، و"اتْزَاوِيكْ"، والدعوة على الأولاد، والزوج، والعشيرة، بالويل والثبور... إنْ لمْ تَفِ بالوعد، أو تلتزم بالبرنامج!!. بعضهم لا يعرف شيئا عن دور البرلماني، ولا عن حدود صلاحياته؛ فيَعِدُ بما لا يستطيع، ويدَّعي ما لا يطيق، مما لا يجوز له، كممثل للأمة، حصَرَ الدستور دوره في التشريع، والرقابة، والديبلوماسية، لا في شق الطرق، أو إيجاد الشغل لأهل الدوار أو الحي، أو عقد الصفقات العمومية لبناء المدارس والمستشفيات، أو تنظيف الأحياء،... إنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون، ورغم ذلك يكذبون في حملاتهم الانتخابية، وفي برامجهم المتشابهة التي لا يقرؤها أحد، حين يقدمون وعودا أكبر منهم، ومن أحزابهم "الكبيرة"، متحالفةً، فكيف بها متفرقة؟!. ومنهم من يمتطي ظهر حزب حديث الولادة، لا يكاد يُرى بالمجهر؛ ثم يدعي أنه سيحقق ما لم يحققه أحد، وكأنه سيدبر خارج لعبة مرسومة المعالم، ومحددة الأجندات، وعلى قاعدة شروط لا يَسْمَحُ القَبولُ بها التغريدَ خارج الحلبة،... والحال أنه قد قبِل المشاركة في اللعبة، بشروطها، وتوافقاتها، والتزاماتها، وتحت سقف دستور ربما عارض، يوما مَا، التصويت عليه !!. أما الجدد منهم، فقد نلتمس لهم عذرا إلى ألف عذر، حينما نسمع لخطابهم العجيب، ووعودهم الاستثنائية التي لا يصدقها طفل من الأطفال فضلا عن عاقل راشد، اكتوى بالإخلافات التي تكررت عليه لعقود... لأنهم، ربما، لا يعلمون أن عالم البرلمان، عالم فريد في استهوائه، قوي في جاذبيته، لا مكان فيه لضعاف الحيلة، وقليلي التجربة، وفاقدي الفريق. كما أن التحالفات فيه، لا تتم إلا وفق توافقات يتنازل فيها الضعيف لصالح القوي. مما يُحَول تمثيلية الضعيف إلى مقعد فارغ يعتليه جسدٌ لا تكاد تسمع له صوتا، أو تُحِسُّ له ركزا. ولقد تعرفت، في ولاية سابقة، على أحد البرلمانيين الذين "مثلوا" حزبهم الجديد تحت القبة. فكان يحدثني عن انبهاره بالعالم الجديد الذي اكتشف فيه علاقات، وتوافقات، وإكراهات، عجيبة وغريبة. كما كان ينقل كل هذه الأخبار إلى أبناء الحي الذي يقطنه؛ فكان هذا "النقل" هو غاية ما حققه هذا البرلماني لأهل حيه طيلة خمس سنوات من "سير وجي" إلى العاصمة. وهو الآن يقتات من ريعٍ سياسيٍّ لتقاعدٍ " ما أنزل الله به من سلطان"(!)، يلتهمه في صمت. وهو الذي لم يقدم شيئا للذين صوتوا عليه، خلا ما قدمه لنفسه من ريع.. وللإشارة، فهذا البرلماني ممن لا تختار من الناس- كما يقول المغاربة- إلا هو. فقد كان، قبل أن يتلوث بهذه المسؤولية؛ مشهودا له بالنزاهة، والنضال، ونظافة اليد، والعمل الجاد والمخلص... ولكنه ما لبث أن استسلم لتغوُّل الحيتان البرلمانية الكبيرة، التي حَوَّلته إلى هَمَلٍ يتجول بين ردهات البرلمان، ودواوين الوزراء يبحث عن إنجاز يحفظ به ماء وجهه أمام من صوتوا عليه، وأعْلَوْهُ المقعد المريح؛ فلا إنجاز!!. إنها الإكراهات التي يغفل عنها الكثير من المرشحين، فيطلقون ألسنتهم بالوعود المستحيلة، ويسجلون عليهم تَعَهُّدات مع الناخبين ستعود عليهم، إن لم يفوا بها (وأنَّى لهم ذلك ؟!!)، باللعنات؛ يوم يَحِين الحساب، ويُطالَبون بالحصيلة. 2. "النَّاخِب المواطن" وسِواهُ.. إن من أصعب اللحظات التي تمر على "الناخب المواطن"، هي لحظة اتخاذه القرار فيمن سيختار من الوجوه التي ظلت تتوالى عليه طيلة الحملة الانتخابية. حيث تتعدد لديه الاختيارات والآراء، كما يتجاذبه الضمير يُؤنبه، فيخشى على صوته أن يُسْرَق منه، أو ينالَهُ من ليس جديرا به، فيجرم في حق وطنه.. والناخبون طوائف وأصناف: Ø منهم من يجعل من المُحَدِّد الحزبي، الفيصل الحاسم في الاختيار، فيحسم اختياره منذ البداية، وأغلب هؤلاء من المتحزبين، أو المتعاطفين مع الأحزاب. Ø ومنهم الأغلبية الصامتة التي يصعب حصرها، وغالبا ما تقلب الأوراق، لفائدة طرف على حساب طرف، أو أطراف أخرى، فتحول كل التكهنات، والتقديرات إلى مجرد أضغاث أحلام. Ø ومنهم، وهؤلاء أخطر، من يصوتون على قاعدة القرابة، أو القبيلة، أوالعصبية، أو"الجورة"، أو الصداقة، أوالمصلحة الواقعة (مال حرام) أو المتوقعة ( وَعْدٌ بعمل أو مأرب خاص) .. بغض النظر عن أخلاق المرشح، أو التزاماته، أو سوابقه في فعل الخير أو الشر، وبغض النظر عن الحزب الذي يمثله، يمينيا كان أو يساريا. وخطورة هؤلاء على الوطن لا تقل عن خطورة من يمثلونهم تحت قبة البرلمان من الكائنات المعلومة. فشهادتهم زور، وبسببهم ستسند الأمور إلى غير أهلها، فيظل الوطن يعاني مع القرارات اللاشعبية، و"الجرائم المنظمة" في حق كرامة المواطن، وخبزه، وحقوقه، وإنسانيته،... Ø ومن الناخبين، وهؤلاء هم الأمل المُعَوَّل عليه، من يدققون في الاختيار، ويختارون على مهل، ويَظِنُّون بأصواتهم، ولا يهبونها إلا لمن يستحقها. لأنها عندهم أمانة، سيسألون عنها بين يدي الله تعالى إذا منحوها لمن يُجرم بها في حق الشعب، و في حق انتظاراته.. فهؤلاء هم الناخبون المواطنون حقا.. وقليل مَنْ هم!! 3. ختاما.. وأخيرا حسبنا أن نقول لبائعي الوَهْمِ: "حَذَارِ! لا تعِدوا الناس بما لا تستطيعون؛ فاليوم مقعدُ زورٍ، وغداً لعناتٌ تتبعكم إلى قبوركم... !". ولعموم الناخبين والناخبات، نقول: "اجعلوا الوطن فوق كل اعتبار، ولا تبيعوه لمن يفسد فيه باسمكم، فتُشاركونه الجُرْم، وينفرد دونكم في "الغنيمة" !".. دمتم على وطن...!!