الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة قانون فلسفي واجتماعي ومنطلق التطور الحضاري
نشر في السند يوم 07 - 12 - 2010

الهجرة ليست كما يفهمها سائر المسلمين مجرد حادثة تاريخية أو هي متجلية في جماعة من الصحابة قاموا بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى الحبشة أومن مكة إلى المدينة. وإنما الهجرة في بعدها التاريخي هي عبارة عن انتقال الأقوام البدائية أو شبه المتحضرة من منطقة إلى أخرى على إثر عوامل طبيعية وجغرافية أو سياسية.
ومن خلال مراقبة أسلوب القرآن الكريم في التحدث عن الهجرة ندرك أن الهجرة هي قانون فلسفي واجتماعي عميق وبمراجعة التاريخ نعلم أنها قانون اجتماعي عظيم وعامل مهم من عوامل التطور والتمدن طوال التاريخ. فمجموع المدنيات السبع والعشرين في التاريخ كلها وليدة هجرات تمت من قبل. ولا يوجد استثناء واحد لهذه القاعدة.
ومن هذه الناحية لا توجد قبيلة واحدة كانت بدائية ثم تمكنت صدفة أن تتحضر وتغيرت ثقافتها وأوجدت ثقافة جديدة متقدمة من دون أن تتحرك وتهاجر من أرضها إلى أرض أخرى. فكل الحضارات في العالم سواء منها الحديثة كالحضارة الأمريكية.
أوأقدم الحضارات كالحضارة السومرية. إنما وجدت عن طريق الهجرات.( انظر فاضل رسول، هكذا تكلم شريعتي)
ولهذا لا نستغرب لقوله الله تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.......) ( وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) ( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) وقد أمرنا أن نضرب في الأرض.
وصدق الله العظيم الذي قال: ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغما كثيرا وسعة) قال قتادة: متحولا من الضلالة إلى الهداية ومن العيلة إلى الغنى..ولا تحضر بدون اقتصاد.
وقال السدي: مبتغى للمعيشة.( النهج التربوي ج2 منير الغضبان ص 69)
1- الهجرة إلى الحبشة:
عرف المسلمون هجرتين إلى الحبشة كانت الأولى في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة وكان عدد المهاجرين عشرة رجال وأربعة نسوة. وقد عاد الفوج المهاجر إلى مكة في شهر شوال من نفس العام وسبب ذلك سماعهم بخبر كاذب مفاده أن أهل مكة أسلموا ( وسنعود لهذا الرجوع لنفهم أبعاده)
ثم الهجرة الثانية والتي كانت بسبب اشتداد الضغط على المسلمين وقد كان عدد المهاجرين فيها 3 أو 82 رجلا و 18 امرأة. وقد رجع قسم منهم إلى مكة وكانوا 33 رجلا وذلك عند سماعهم بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة. وقد هاجروا منها إلى المدينة. بعد أن حبس بعضهم بمكة ومات اثنان منهم فيها. وأما بقية المهاجرين فقد استمروا على إقامتهم في الحبشة حتى عادوا منها إلى المدينة مباشرة في العام السابع من الهجرة وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب.
2- أسباب الهجرة:
قال ابن إسحاق: "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية – بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب – وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء. قال لهم: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه".فخرج عندئذ المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم. فكانت أول هجرة في الإسلام.
وليس من خلاف في أن هذه الهجرة كانت بسبب الظلم الذي وقع على المسلمين. قال الله تعالى: ( والذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة. ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) النحل مكية.
إذن الهجرة في الله إنما كانت بعد الظلم الذي وقع على المهاجرين كما أن الله تعالى بشر بعنايته للمهاجرين وبتبوئهم مبوؤا حسنا. ونوه بما كان من صبرهم واعتمادهم على الله. بما يدل على أنهم لم يهاجروا لمجرد النجاة بأنفسهم. فلو كان الأمر كذلك لهاجر أقل الناس جاها وقوة ومنعة. إن الأمر كان عكس ذلك، فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يهاجروا وإنما هاجر رجال ذوو عصبيات لهم من عصبياتهم القبلية ما يحميهم من الأذى، ويحميهم من الفتنة. وكان عدد القرشيين يشكل الأغلبية منهم جعفر، وفتيان بني هاشم، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة، وعثمان ورقية وغيرهم .
وهاجرت نساء هن من أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى لينالهن أبدا مثل حبيبة بنت أبي سفيان زعيم الجاهلية وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة. لماذا إذن هاجر أبناء قريش والأسياد أبناء الأسياد ولم يهاجر الفقراء؟. عندما نقرأ أسماء المهاجرين إلى الحبشة لا نجد بلالا ولا صهيبا ولا خبابا وهناك شك في هجرة عمار والأرجح أنه لم يهاجر. إن هؤلاء الصحابة لم يهاجروا وهم أحوج الناس إلى الفرار بدينهم من غيرهم لانعدام من يحميهم.
إنها مسألة تتطلب فعلا أن نتوقف عندها:
- إن الهجرة كانت توطئة نفسية وعملية تدريبية لأبناء مكة على مغادرة الوطن: الأمر الذي كانوا بحاجة إلى التدرب عليه. بينما لم يكن لؤولائك الموالي حاجة لذلك لأنهم ليسوا أهل مكة. ويؤيد ذلك أن المهاجرين في الهجرة الأولى رجعوا لمجرد خبر كاذب. وما ذاك إلا لرغبتهم في الرجوع إلى وطنهم. ولأن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر في سلوكهم ونفسياتهم أمران:
1- الارتباط بالقوم ممثلا بالعشيرة والقبيلة.
2- الارتباط بالأرض.
وهما أمران يزاحمان في النفس معاني التوحيد وكان لابد من التخلص من ذلك عمليا وليس قولا.
فكان إعلان الإيمان تخلصا من العصبية القبلية. ولذلك نعلم أن رسول اللهى صلى الله عليه وسلم عندما قال لعمه: يا عماه قل لا إلاه إلا الله أشهد لك بها عند ربي"فإنها ولو أنها مجرد كلمة صغيرة ويمكن قولها حتى من باب المغامرة والمقامرة.. ولكنه لم يستطع قولها لأنه كان يعلم معناها ومعنى أبعادها وأنه بمجرد قولها فهو سيضرب عرض الحائط كل الأصنام والأوثان وكل الأعراف والتقاليد والعصبية ...
أما الارتباط بالأرض فقد كانت مكة أم القرى. وكانت العاصمة الدينية للعرب قاطبة. وكان موسم الحج كل عام يؤكد هذه المكانة..إذن فقد تحول الارتباط بهذه الأرض إلى مزايا نفسية واجتماعية جعلت سكانها أكثر ارتباطا بها.
فكانت الهجرة هي التطبيق العملي لأولوية العقيدة وترك الأرض بكل ما تعنيه من مصالح وارتباطات في سبيلها.
3- خلاصات من الهجرة الأولى:
الخلاصة الأولى:
إذن فالهجرة هي المحك لمدى تحكم الفرد بعامل العاطفة التي تكبر بارتوائها بحلاوة التقارب من الأهل والأحباب والتمسك بتراب الوطن.
فهذا الحب والحنان للأهل والأوطان هو واحد من عوامل الشد القوية للأفراد للحياة الدنيا وقد قال الله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث..) كما يتحدد هذا المعنى حتى من خلال مفهوم إرسال الرسل الذي يعني تحريرهم من كل العوامل التي تشدهم للأرض بكل ما تعنيه من جاه ومال وسلطة ونساء وغيرها.. فهي غريزة إنسانية لكن تعامل معها الإسلام فحولها من حالتها السلبية كقوة شد إلى الأرض والواقع تمنع الفرد من الدخول إلى ساحات الجهاد في سبيل الله. إلى قوة دفع إيجابية تضاف حصيلتها إأى القوة الإيمانية الدافعة والإصرار للمؤمن على نشر مبادئه.
الخلاصة الثانية:
والهجرة عملية كشف حقيقية عن نوازع الأفراد. وتوجه كل فرد منهم ومدى عمق فهمه وإخلاصه لدينه. وهي فرصة ذهبية لمعرفة بعضهم البعض...والعملية هذه عندما تختلف المستويات تؤدي إلى رفع الأفراد إلى نفس المستوى من هم التغيير.(...)
الخلاصة الثالثة:
لماذا الهجرة إلى الحبشة بالضبط والأولى أن تكون عربية حتى يفهم المهاجرون لغتهم ويتواصلوا معهم ويشرحوا رسالتهم:
إن القيادة الحكيمة قد اختارت الحبشة دون أي قبيلة أخرى لثلاث أسباب هي :
1- وجود العدل
2- عدم وجود أي سلطة لقريش عليها
3- هم أهل كتاب ولنا معهم قواسم مشتركة أي ليسوا لا وثنيين ولا عباد أصنام
الخلاصة الرابعة:
إن عملية الاستشعار بالفراغ الذي تتركه المجموعة المهاجرة في المجتمع هو أسلوب نفسي خطير له أبعاده المتعددة، منها أنه يترك هواجس مختلفة بين الناس تتراوح بين الحقد على الظالم والكراهية للوضع الراهن، وبين العطف على المهاجرين والتهيء النفسي لقبول آرائهم وتأييد الفكرة الجديدة. فتفتح باب الاستذكار والأسئلة.
ففلسفة الهجرة تنبثق من كونها تحول باب كل مهاجر إلى بوق إعلامي: فأسئلة المارين على البيت المهجور لا تتعدى هذه: لماذا هاجر؟ ماذا كان يريد؟ ما الذي أزعجه ومن؟ كيف يعيش في الهجرة؟ وكيف كان يعيش هنا؟ إلى أين هاجر ومتى سيعود؟ وكم عدد المهاجرين؟
وعندما يتساءل الناس يجيب بعضهم بعضا وتصحح المفاهيم وتنتشر الفكرة لوحدها.
إنها أسئلة تحمل فلسفة الهجرة من ألفها إلى يائها. ففلسفة الهجرة تنبع من كونها برنامجا إعلاميا وسياسيا وفكريا لتحريك النوازع النفسية في المجتمع وجعل الأفراد يطالبون بأنفسهم لفهم الهدف والغاية التي من أجلها هاجر الفرد. وهي حالة لو بقي فيها أفراد المجتمع عشرات السنين على ما هم عليه لما تم تفاعل المجتمع معهم بنفس التفاعل وهم يهاجرون. فهي تجعل أذهان الأفراد شبه أوعية مفتوحة لتقبل أي معلومات تصدر عن المهاجرين. فهي إذن ليست تهربا من وضع فاسد أو تعذيب في غياهب السجون بل هي الحركة الانتقالية للمجموعة المسلمة التي تؤدي إلى حركة فكرية في المجتمع. فهذه الفلسفة العظيمة عندما أدركتها قريش خافت ومنعت ما جاء بعدها من هجرات.
الخلاصة الخامسة:
استنتاج2:
ففضلا عن كون الهجرة إلى الحبشة هي تهيئ وتدريب للأفراد على التضحية بالأرض والأهل والجوار من أجل العقيدة تمهيدا للهجرة الكبرى إلى يثرب فإنها كذلك عبارة عن احتياط قاعدة وذخيرة يدخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحسبا لسقوط يثرب. ولقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسح من قريش خمس سنوات وكان آخر هذا الهجوم والاجتياح في الخندق حيث قدم عشرة آلاف مقاتل لاستئصال شوكة المسلمين هناك. وبعد رد الكافرين بغيضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن نحن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم"
إذن حين اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو في البخاري، إلى أن المدينة قد أصبحت قاعدة أمينة للمسلمين وانتهى خطر اجتياحها من المشركين، عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة ولم يعد تمة ضرورة لهذه القاعدة الاحتياطية التي كان من الممكن أن يلجأ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سقطت يثرب في يد العدو. إنه الفقه السياسي الأعظم والتخطيط النبوي القيادي الأعمق من الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو يمضي في بناء دولة الإسلام وحماية العقيدة.
وفعلا وصل المهاجرون من الحبشة إلى المدينة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر وقد فتحها فقال كلمته المشهورة " ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر"
الخلاصة السادسة:
إن الهجرة لهذه لأرض النائية والمعيشة بين قوم غير قومهم يتكلمون بلغة غير لغتهم ولهم عادات وتقاليد ودين غير عاداتهم ودينهم وتقاليدهم هي أشق على النفس وأقسى على الروح . فما لم يكن جنود الحركة الإسلامية على المستوى المذكور من الإيمان والثبات والصمود فلن تنجح القيادة في تنفيذ خططها ومخططاتها أو تنزيل برامجها .
الخلاصة السابعة:
إنه لابد أن يتربى الأفراد على أن تكون عقيدتهم أغلى عليهم من كل شيء في حياتهم وأن يكون ارتباطهم بدينهم أقوى من أية رابطة أخرى من أهل أو زوج أوعشيرة أو أرض أو مال أو وطن أ و مصلحة..
تلخيص:
1- العقيدة أولى من الأهل والأحبة والوطن
2- 2- احتكاك الضعيف بالقوي يؤدي حتما إلى القوة والتكوين وبالتالي إلى تقارب المستويات .
3- انتقاء الحبشة انتقاء حكيم لوجود العدل وعدم سلطة قريش وللقواسم المشتركة بين النصرانية والإسلام.
4- الهجرة برنامج إعلامي وسياسي وفكري لتحريك النوازع النفسية في المجتمع
5- الهجرة عبارة عن قاعدة عسكرية وسياسية تحسبا لسقوط يثرب
6- كي تنجح القيادة في إنزال مخططاتها لابد من جنود ذوي كفاءات عالية. وعلى مستوى عال من الإيمان والثبات والصمود
7- يجب أن يكون الارتباط بالدين أقوى من أهل وزوج وولد ومال أو مصلحة أو وطن .
4- الهجرة إلى المدينة:
لقد مثل أبو طال لرسول الله صلى الله عليه وسلم سندا مهما في الحماية والرعاية وكانت خديجة السند الآخر الذي يخفف عنه الآلام والأحزان. وكانت جرأة المشركين عليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاتهما كبيرة حتى نثروا التراب فوق وجهه الشريف...وهذا ما يوضحه قوله عليه السلام:" ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب"
كانت القناعة قائمة عنده صلى الله عليه وسلم من قبل أن مكة لن تكون مركزا لانطلاق الدعوة وهذا ما دعاه إلى أن يعرض نفسه على القبائل. وبعد لا جدوائية ذلك وفي صبر ودأب تابع الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على من حضر موسم الحج وكان من جملة من التقى بهم ستة نفر من الخزرج وهم من موالي اليهود فقبلوا دعوته لسبق علم به من اليهود الذين قالوا لهم: " إن نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلهم معه قتل عاد وإرم" فقالوا لبعضهم يا قوم إنه النبي الذي توعدتكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.
وبعد أن رجعوا دعوا أهاليهم إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم . وخلال عام آخر كانت يثرب تستعد لما أنيط بها من مهام. وقد انتشر الإسلام فيها. وأسلم كبار القوم ولم يأت الموسم حتى كان الخارجون إليه أزيد من السبعين.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بإعداد المهاجرين لأن الهجرة لم تكن رحلة أو نزهة بل تدريب.
تناول القرآن المكي التنويه بالهجرة ولفت النظر إلى أن أرض الله واسعة فقد جاء في صورة الزمر ( قل ياعبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
إعداد الأنصار:
كان لابد من إعداد المكان المهاجر إليه بما لا يقل عن الإعداد الأول
- اليهود وما لعبوه من دور التهيئة النفسية لهم
- - ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسارع بالانتقال إليهم من الأيام الأولى وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين حتى تأكد نسبيا من وجود القاعدة الواسعة. فقد تأكد استعداد الأنصار بطلبهم هجرة الرسول إليهم، ولم يكن هذا كافيا ولهذا تمت بيعة العقبة والاستيثاق بأوثق المواثيق على أنفسهم. وقدموا برهانا أمام رسول الله وذلك بإرادتهم الميل على أهل منى بسيوفهم لأنهم آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " لم أومر بذلك"
- حينها بعث لهم مصعبا ليعلمهم القرآن.
- وبدأت الهجرة ولكنها لم تأخذ مداها الواسع إلا بعد بيعة العقبة.
- حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة لإخوانهم في المدينة قال: " إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها" وخرج المسلمون أرسالا وخرج عمر في عشرين نفرا وخرج كل قادر ممن لم يحبس أو يمنع من الخروج. قال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبقى إلا مفتون أو محبوس.
وظلت المدينة فاتحة أبوابها ثماني سنوات تستقبل المهاجرين إلى أن فتحت مكة فأمر كل من أسلم أن يبقى في بلده قال الله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين هادوا والذين آووا ونصروا أولائك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) الأنفال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.