مثل البحر الذى يهزنى كعاصف.. مقالاتها مثل الأمل المعقود. فى طريق العتمة. . ابتسامتها العذبة.. أناقة الكلمة وعمق المعانى الغائبة.. وبركان الحكايات التى تهز كل ما تبقى فينا من رقه الإحساس. أستاذتى.. سناء البيسى.. التى دعانى حنينى إلى معنى غائب للكتابة إليها بلا مناسبة غير كونى أحتمى بحكاياتها وسط كل ما يلفنى من معانى خشنة.. لأذكر إليكم أهم حكاياتها التى لم تفارقنى يوما طوال سنوات الحلم والبحث عن مشاعر فياضة طالما افتقدها من كان الإحساس مهنته.
كنت فى الخامسة عشر من عمرى حينما جئت إليها لأدعوها لحوار لمجلة مدرسية مطبوعة اسمها المستقبل، وفور أن استقبلتنى الرائعة سناء البيسى، قالت لى تطلعى غلاف نص الدنيا.. كدت أطير فرحا فإذا بها تخرج لى علبة إكسسوار جميلة لتجعلنى أرتدى منها عقدا عربيا للتصوير كان بالتأكيد خاصا بها.. كانت أوراقها الناصعة على مكتبها الأنيق فى مبنى الأهرام، وفوقها قلم ذهبى أتذكره جيدا، لم يكن زمن "الآى باد والفلاشات" قد ساد فوق عبق الحبر وروعته، وكانت قد خطت أول سطورها (حكايتى مع منير كنعان ).. وبينما الكاميرا تجهز كنت أنا شاردة فى تلك الحكاية التى توقعت أنها فريدة، سألتها بلا تردد.. من هو منير كنعان؟!!
ضحكت وقالت: وأنا قدك.. كدة.. حبيته.. واتجوزته.. كان أستاذى وما زال.. غمرنى المعنى بشلال من السعادة فما أجمل أن تكتب فيضا من الإحساس عن زوجها وحبيبها الذى تحولت مقالتها عنه( وهى المقالة التى كنت أول من يقرأها ساخنة من المطبعة فور صدور العدد) إلى أزمة طوال حياتى بحثا عن رجل أسطورى فى العطاء مثل منير كنعان الذى وصفته الرائعة سناء البيسى بأنه فنان ملائكى. . مرت السنوات اقرأ مقالتها وحياتى خاوية من أسطورتها ليس بسبب فرق التوقيت والزمن الجميل الذى نتشبث به، ولكن الأرجح هو أن الرائعة سناء البيسى لن تتكرر بكل حكاياتها المروية بنبض مختلف.
وكخطى الفرس الجامح كانت كلماتها تحكى عن فارسها الذى رآها وسط صديقاتها فى زيارة لإبداعاته كفنان تشكيلى ومثال وتوقف عندها، وعند كتاباتها بأيديها النحيلة ليتأكد أنها مشروع كاتبة عملاق.. ورغم صغر سنها وفرق السن بينهما إلا أنهما تزوجا وسط كل المبدعين الذين احتفوا بهذا البورتريه الرائع.. وحكت الجميلة كيف أنها حينما كانت تنهمك فى شئون قصرها الفضى كان يجذبها فارسها إلى مكتبها قائلا.. اكتبى مقالة أفضل، ويجالسها، ويدعو لها بالإلهام، ويجهز لها كوبًا من اللبن الساخن مثل الأطفال.
وعشت كل حياتى أتمنى هذا الطيف ينادينى من بين حلل المطبخ وأطفالى الثلاث، لأجلس وأكتب.. ليس كما تكتب أسطورتى بالطبع، ولكن لأنتهى من الأعمال التى كلفت بها على الأقل.. ولم تغادر خيالى طوال سنوات عمرى تلك السيدة وحكايتها لتشكل قيمة فى حياتى ليس لها مثيل.. قيمة بين دفتى سطور تعطينى دوما الأمل فى كل شىء.
على كل الأصعدة المرئية والمخفية فى قلبى.. قوة مثل قوة الفراعنة.. كثيرا ما أتعجب منها.. ولكن يبدو أن أستاذتى أعطتنى سرها حينما حدثتنى مليا عن إيزادورا شهيدة الحب وأسطورتها الرائعة. الألم البارح فى تلك الحياة القاسية لا يسكنه إلا الحب، والحب يأتى مجسدًا عبر خيال جامع أو واقع عنترى أو يد صغيرة قد تربط فوق كتفيك المثقلة بكل ما كتبناه ورأيناه لتحول سطورك إلى نغم. وقد أتت ابنة ال 15 عاما تذكرنى بيوم الغلاف. الذى رأيت سطور أسطورتى لمنير كنعان.. أعدت ابنتى مارين فنجان القوه لى وأنا أكتب على (الآى باد) فى غياب عبق الحبر الساحر فى شرفتى المطلة على الصحراء البرية لأتأملها واجتر كل الذكريات.. ابتسمت ورمقتنى بعيونها السوداء، وسألتنى كما تنادينى مومى.. هو ممكن واحدة عندها 15 سنة تحب حب حقيقى ؟؟؟ مخلوقة على الدهشة صغيرتى كانت تنتظر الإجابة.. فأجبتها بصوت حنون، لم تكن تتوقعه وسط ترقبها البالغ لإجابتى..ممكن. ..بس تحب ..منير كنعان ..!!! وجذبتها إلى مكتبتى الضخمة لأجعلها تشاهد كتبها الرائعة قائلة هذه زوجة وحبيبة منير كنعان.. فى الهواء الطلق _امرأة لكل العصور - الكلام المباح _الكلام الساكت - أموت وأفهم، وقلت لابنتى من من يقرأ أكثر يحب أفضل وأكثر.. فقالت لى .. وفين كتاب منير كنعان. ؟؟؟.. قلوب جيل الوسط نحن بعضنا من ملأ قلبه بالحب وفاض.. وبعضنا من ظن أن قصصه المتناثرة الصغيرة قد يكمل بها يوما رواية طويلة.. وبعضنا من أحب من مهنته وضل.. وبعضنا من أحب وظل.. ولكنها كلها تبقى حكايات مطوية لا يوجد أحد منا من يملك أسطورة سناء ومنير كنعان ليكتبها للقراء فى صدر صفحات جريدتة أو مجلته. لم تكن تملك جرأة الحكى فقط ولكنها كانت تملك الأسطورة التى تستحق أن تسرد ويستمتع بها القراء ويجدون بين سطورها ما يحرضهم على الحب والعطاء فضلا عن أن فارسها فنان تشكيلى. وكمن يبحث عن طيف حكاية كانت (قبلته) فى حياته كنت أزور معارض منير كنعان كثيرا وأخيرا كان لابد أن أشاهد بقاء أسطورة الحب الخالدة بين إيزيس وأوزوريس حينما أقامت الرائعة سناء البيسى عدة معارض لزوجها الذى رحل عنها منير كنعان وترك لها كل الذكريات واللوحات التشكيلية الحلوة التى تضاهيها لوحتهما معا، ووقفت فى قاعة المسار فى حى الزمالك ملتقى أساتذتى العظماء أتأمل تلك اللوحة التى أخرجتها من كنوز معشوقها لتعرضها لأول مرة فى معرض لوحة زيتية رائعة لرجل وامرأة من زمن الخمسينات يسيران فى شوارع القاهرة الهادئة وتمثل المرحلة الأولى فى حياة حبيبها الذى حرضها على كتابة مئات المقالات والكتب، لأنه همس لها يوما بأن المبدعين لا يتكررون . حتى لو غاب عنك الحب قليلا.. احتسيه فنا وإبداعا.. اجعله يسير فى دمك لتنتج حبا وتفيض. وإن أصابك جرح داويه بالتى هى الداء وجسده فى معنى يدفعك كطاقة إلى الجنون والإبداع.. فالألم العظيم وراءه إبداع عظيم.. والحب العظيم وراءه إبداع عظيم، ففى كلتا الحالتين سوف تبدع وتتجلى إن أردت.. إن أحببت.. وإن تألمت.
وإننى عبر هذه الكلمات من خلال اليوم السابع الغراء أدعو لفيض حكايات الحب لنستعيده ونورثه لأبنائنا ليتعلمون ..ويدركون ما هى الحب.. ودوما ما كان يقول لى هذا الخيال الجامح، ثلاثة أشياء لا يمكن إخفاؤها... الشمس .. القمر.. والحب.. تحياتى سناء البيسى.