في المغرب لدينا أمير أحمر. لست أنا من أطلق على الرجل اللقب. الحقوق محفوظة لكثيرين لن نتذكر أولهم بكل تأكيد الآن. ما سنتذكره هو أننا استفقنا ذات يوم على وقع الجرائد وهي تكتب هذا اللقب, والحقيقة أنه راقنا. هاهو أمير يخرج من بين السرب, ويفضل ألا يرتدي الجلباب الأبيض والطربوش الأحمر وأن يحضر المناسبات مثل بقية الأمراء, بل يختار أن يخرج بين الفينة والأخرى في الجرائد الفرنسية والأمريكية لكي يقول لنا إن هذا الأمر يصلح للبلد وإن هذا الأمر لايصلح أبدا. فيها خير ستقولون. فيها خير سنضيف, خصوصا وأننا اليوم نعاني من عزوف المغاربة عن السياسة, وسيكون من باب عدم اللياقة أن ننتقد إقبال مغربي على سياسة نعيب عليها أنها لاتجتذب اهتمام الناس بشكل كاف. كل هذا لايهمني لا من قريب ولا من بعيد. أنا أهتم بأشياء ثانوية للغاية من قبيل أن الأمير مولاي هشام كشف لصحيفة فرنسية مؤخرا أن باراك أوباما "سيد الخواتم والعالم اليوم, وقاتل بن لادن, من غيره؟" قد استشاره في الخطاب الذي ألقاه من القاهرة إلى العالم الإسلامي. رائع, ومثير للفخر الكبير. أكثر من هذا يقول الأمير الأحمر, وأنا أردد اللقب هنا مثل أي ببغاء, لأنني معجب به (باللقب ماشي بالأمير, عكس شي زملاء) إن علاقته بابن عمه الملك محمد السادس هي علاقة محدودة جدا لم تتجاوز في ظرف العشر سنوات الماضية أكثر من لقاءين أو ثلاثة. "باراكا" سيقول بعض المتأثرين بأسماء حركات الشارع اليوم. غير كافي سيقول المغاربة الأصلاء الذين يحرصون على صلة الرحم, ويعتبرونها واجبا دينيا مقدسا يكاد يقترب من الفرائض الأخرى, أو يعادلها على الأقل في الأهمية لئلا نشطح في الكلام ونفتي بأشياء قد تعود علينا بالنقد الكبير مثلما وقع للزمزمي الذي أوصانا بمضاجعة نسائنا بعد أن يسلمن الروح لبارئها "الله يستر", الأمير كان يتحدث لليكسبريس الفرنسية, وأعترف أنني قرأت الحوار بتمعن أكبر من ذلك الذي تابعت به مرور الأمير الأحمر منذ حوالي الشهرين على "فرانس 2". بدا لي يومها متوترا دون سبب, وبدا لي حائرا بين إكراهاته الكثيرة التي تحاصره (الأمير الأحمر لم يتخل عن لقب الأمير لحد الآن رغم روح الثورية التي تسكنه والتي يبديها للعالم بأسره). ربما هو سحر المكتوب. ربما هي المراجعة اللغوية المتأنية ومعها المراجعة السياسية الثانية التي قام بها الأمير الأحمر للحوار قبل نشره, لكنني هذه المرة استمتعت بقراءة ماقاله الأمير, خصوصا مسألة القداسة التي سيتوقف عندها الكثيرون فيما يخص الملك. الأمير الأحمر يعتبر أن الملكيات العربية, وضمنها طبعا مايهمنا نحن أي ملكيتنا ملزمة بالتخلي عن التنصيص على قداسة الملك في الدستور, ويرى أنه من المكن التنصيص على أن الملك لا تنتهك حرمته, أو أن تكون لإمارة المؤمنين دلالة أخلاقية ومعنوية تفرض احترامها, لكن القداسة "أوهو". هو رأي يحترم على كل حال, لكن بالنسبة للشعب المغربي هو رأي يندرج في إطار آخر همومه, ومعذرة على تكرارها مجددا مثلما كتبت ذلك سابقا بشأن تقبيل يد الملك. الشعب يريد الخروج من فقره. الشعب يريد الخروج من جهله. الشعب يريد الشغل لأبنائه. الشعب يريد أشياء ملموسة وحقيقية. نقاشات الصالونات المكيفة والفاخرة هاته, والانزلاقات اللغوية الباذخة بين القداسة في الملكيات والتنقيب لها عن مقارنات هنا وهناك هي أشياء "تدخل بالنسبة لشعبنا من هذه الأذن وتخرج من الأذن الأخرى". بل حتى هذا النقاش الدستوري الذي يصمون لنا به الآذان ليل مساء هو نقاش يهم "شرذمة" من الناس في المغرب لا أقل ولا أكثر. وأعرف أنني سأجلب على نفسي الكثير من الكلام بماقد يبدو "استهانة" بورش ديمقراطي كبير مثل الورش الدستوري, لكنني أتحدث هنا عما يهم الناس, عما يهم "كحل الراس" من مواطني. هنا أتصور أن الكثيرين تخونهم الفراسة اللازمة للعثور على مايربطهم بالشعب, وهنا يبدو لي المغربي البسيط قادرا جدا على التمييز بين من يهتم بمعيشه اليومي ويحاول الارتقاء به من حال إلى حال, وبين من يهتم فقط بإرسال الرسائل المشفرة وغير المشفرة ف كل اتجاه. المغربي البسيط يقول اليوم : الملكية سنصلحها دون هذه الشعارت الكبرى التي لاتعني لنا شيئا. الملكية سنصلحها حين سيتمكن المغربي من عيش حياة كريمة في بلده دون إطالة في الكلام. وبخصوص الملكية يضيف نفس المغربي البسيط على سبيل التذكير فقط لاغير: وكملك كنعرفو هاد الساعة غير محمد السادس. شي حد آخر والله مانعقلو عليه.